الثلاثاء، 13 يناير 2015

بن ماء السماء من كتاب شعـــراء أندلسيـــون للدكتـور محمود محمد العامودي

شعر
ابن ماء السماء القرطبي
أبي بكر عبادة بن عبداالله بن محمد
422هـ


اسمه وكنيته ولقبه :

 هو عبادة بن عبداالله بن محمد بن عبادة بن أفلح بن الحسين بن يحيى بن
سعيد بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي ، يكنى أبا بكر ، ويلقب بابن
 . (1) ماء السماء
شيوخه :
 . (1 (2- روى عن أبيه عبداالله بن محمد بن عبادة بن أفلح
 . (2 (3- أخذ عن أبي بكر الزبيدي
تلاميذه :

 . (1 (4- روى عنه أبو محمد يحيى بن أزهر
 . (2 (5- أخذ عنه غانم بن الوليد المالقي الأدب
انتاجه :
، وكذلك (6) تذكر بعض المصادر أن ابن ماء السماء قد خَلَّفَ " ديوان شعر "
وهو كما يقول (7) أَلَّفَ في الشعر كتـاب وسمه به " أخبار شعراء الأندلس "
: "كتــاب حسن " إلاّ أن أياً من فهارس المخطوطـات لم تذكر الديوان (8) المقري
ولا هذا الكتاب الحسن .

عصره :

شهـد العصر الــذي عــاش فيه ابن ماء السماء تحولاً مهماً في الحياة
السياسية 
تتمثل فب أنتقال الحكم من أيدي الأمويين إلى أيدي ملوك الطوائف وهم الذين استقل كل
منهم بمدينة من المدن الأندلسية وأعلن فيها دولته ، ومن أشهر هذه الدول الدولة
الزيدية في غرناطة من سنة 403هـ إلى سنة 483هـ ، والدولة الحمودية في
قرطبة ومالقة من سنة 407هـ إلى سنة 450هـ وغيرهما .
وقد عاش ابن ماء السماء في قرطبة في ظل دولتي بني عامر وبني حمود
حيث تُوفي على أرجح الأقوال بعد سنة أربعمائة وإحدى وعشرين .
وقد شهد في أواخر حياته حياةً حافلة بالصراعات والثورات والفتن
والانقلابات بعد وفاة الخليفة الأموي الحكم الستنصر وتولية ابنه هشام ، وكان عمره

أحد عشر عاماً برعاية أمه ، ورعاية المنصور بن أبي عامر العامري ، وإن كانت
مقاليد الأمور فعلاً بيد هذا الأخير ، ولذلك وجدنا ابن ماء السماء يمدحه حيث يقول :
لنا حاجب جاز المعالي بأسرهـا فَأَصـْبح في أَخْلاق واحـد  الخَلْق

فلا يغـترر منه الجهـولُ ببشْرِه ظَم هولِ الرعد في أَثَرِ البرق
والراجح أنه لم يشهد حكم بني جهور حيث إنه لم يتطرق إليهم بشعره ، وكان
مؤسس دولتهم جهور بن محمد ( ت 435هـ ) من وزراء بني عامر استقل بقرطبة
إثر انهيار الدولة الأموية سنة 422هـ .
وهــذا مـا يؤكــد أنه تُوفي في حدود سنة أربعمائة واثنتين وعشرين
من الهجرة .

ما قيل في شعره :


أشــاد القدماء بشاعرية ابن مـاء السماء ، وشهدوا بفحولته فقال
بأنه من فحول الشعراء متقدم فيهم مع علمه " ، ووصفه  والضبي  الحميدي
بأنه من فحـول الشـعراء وأئمتهم الكـبراء ، كان منتجعاً
بشعره مسترجعاً من صرف دهره فقل ما أفاد ، ولا تجاوز الإرفاد ، وكانت له همةٌ
فقال : " كان أبو بكر في ذلك  أطالت همه، وأكدت كمده وغمه " . وأما ابن بسام
شيخ الصناعة وإمام الجماعة ، سلك إلى الشعر مسلكاً سهلاً ، فقالت له غرائبه
: " هو شاعر الأندلس ورأس 
الشعراء في الدولة العامرية " .
 ولم يتطرق أحد من المؤرخين إلى أن له ديوان شعر مجموع إلا ما قيل في
: " إن له ديوان شعر " . وقد حاولت جاهداً 

التنقيب في فهاريس المخطوطات عن أثر لهذا الديوان ، فلم أقف على ذلك . وللأسف
فإن ما تحتفظ به المصادر من شعره قليل ، وأغلبها مجتزأ من قصائد ، بل اكتفت
المصادر الأندلسية بإيراد أبيات مفردة له ، كما اكتفى بعضها الآخر بذكر مطلع
القصيده .

شهرته :

 لقد اشتهر عبادة بالتوشيح في الأندلس يقول السراج الوراق مادحاً النصير
مشبهاً له بتوشيح عبادة : 
ولأَزجالِه ابـن قـزمان يعنــو ولِتَوشيحه يـقــر عبـاده

عن هذا الفن ونشأته وتطوره ومقام عبادة فيه وكانت يقول صاحب الذخيرة
صنعة التوشيح التي نهج أهل الأندلس طريقتها ، ووضعوا حقيقتها ، غير مرقومة
البرود ، ولا منظومة العقود ، فأقام عبادةُ هذا منآدها ، وقَوم ميلها وسنادها ، فكأنها
لم تُسمع بالأندلس إلاّ منه ، ولا أخذتْ إلاّ عنه . واشتهر بها اشتهاراً غلب على ذاته .
وذهب بكثيرٍ من حسناته .
 وهى أوزان كثر استعمال أهل الأندلس لها في الغزل والنّسيب ، تُشَقُّ على
سماعها مصونات الجيوب بل القلوب . وأولُ من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا
واخترع طريقتها - فيما بلغني - محمد بن محمود القَبري الضرير . وكان يصنعها
على أشطار الأشعار . غير أن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة . يأخذ
اللفظ العامي والعجمي ويسميه المركَز، ويضع عليه الموشّحة دون تَضمينٍ فيها ولا
أغصان ، وقيل : إن ابن عبد ربه صاحب كتاب " العقد " أولُ من سبق إلى هذا النوع
من الموشّحات عندنا . ثم نشأ يوسف بن هارون الرمادي فكان أولَ من أكثر فيها من
التضمين في المراكيز ، يضمن كلّ موقف يقف عليه في المركز خاصة . فاستمر
على ذلك شعراء عصرِنا كمكرم بن سعيد وابني أبي الحسن . ثم نشأ عبادةُ هذا
فأحدث التضفير . وذلك أنه اعتمد مواضع الوقف في الأغصان فيضمنها . كما اعتمد
الرمادي مواضع الوقف في المركز . وأوزان هذه الموشحات خارجةٌ عن غرض هذا
الديوان إذ أكثرها على غير أشعار العرب .

وفاته :

 اختلفت المصادر في تحديد وفاته فقد ذكرت بعض هذه المصادر أنه توفى في
 شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة بمالقة
 وأكـدت معظـم المصـادر أنه كان حياً في صفر سنة إحدى وعشرين
وأربعمائة ، قال أبو محمد بن حزم : في صفر من سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
كان البرد المشهور خبره وكان أمراً مستعظماً ما شوهد مثله ، وفيه قال عبادة بن ماء
السماء يصف هوله :
يا عــبرةً أُهــديتْ لِمعتَــبِر عشيةَ الأَربِعـَاء مـن صــفَرِ
أَقْبـلَنَـا اللَّـه بـأْس منْتَــقـمٍ فيــها وثَني بِعفْـوِ مقْتــَدر
وذكره أبو عامر بن شهيد فقال : إن عبادة مات في شوال سنة تسع عشرة
وأربعمائة بمالقة ضاعت منه مائة دينار ، فاغتم عليها غماً كان سبب منيته
أنه تُوفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، وذكر صاحب فوات الوفيات
وقيل سنة تسع عشرة .

اللغة والأسلوب :

 إن بيئة تتسم بالتحضر والترف ليس غريباً أن يظهر فيها شعراء يمتازون
بالسهولة والرقة ، وابن ماء السماء يعد في طليعة شعراء الأندلس إيثاراً لهذه
الخصائص فليس في شعره ألفاظ صعبة أو مستكرهة ، وليس فيه تعقيد لفظي أو تأنق
بديعي ، فمثلاً في عدم الشكوى من مصائب الدهر والصبر عليها يقول :
لا تَشْـكُــون إِذَا عــــثَر تَ إِلـي خَليـط ســوء حـالِك
فَـيرِك أَلْوانـاً مــن الــ إِذلالِ لَــم تَخْطُر بِبــالِـك
إِيـاك أَن تَـــدرِي يمــيـ ــنُك ما يـدور على شمــالِك
وِاصــبِر علَى نــَوبِ الزمـا نِ وإن رمتْ بـِك فـي المهـالِك
وإِلَـى الــذي أَغْنَــى وأَقْــ ـنَى اضرع وسلْه صلاَح حالِك
ويبدو أن عبادة متأثر بأسلوب المتنبي ومعانيه فمثلاً يقول متغزلاً :
ولقد هممت بـه ورمت حـرامه فحماني الإجـــلالُ دون حلاله
وحببته حـب الأَكْـارم رغبــة في خلقه لا رغبـة فـي مـاله
وهذا يشبه قول المتنبي :
وأَغْيد يهوى نَفْسـه كَـلُّ عـاقلٍ عفيف ويهوى جِمسه كُلُّ فَاسق
ويقول عبادة مادحاً عل بن حمود :
ولَه مـن السعد المتَـاحِ معـدلٌ يغْني أخـا التَّنْجِيمِ عـن تَعديله
وهذا كقول المتنبي :
يقــر لَه بِالفَضلِ مـن لا يـوده ويقْضي لَه بِالسد مـن لا ينَجم

موضوعاته الشعرية :

 تناول ابن ماء السماء موضوعات عدة أهمها :

1- المدح :

 لقد ارتبط المدح بالعطاء في الشعر العربي عامة وفي الشعر الأندلسي خاصة
وكما يقول فون شاك : " كانت الرغبة في المال والبحث عن الشهرة وراء ارتحال
كثير من الشعراء من بلاط لآخر دون أدنى شك ، وبلغ الأمر بأحدهم فيما يروون أنه
أقسم ألاّ يمدح أميراً بأقل من مائة دينار ، ولكن لا يمكن الجزم أبداً بأن النهم إلى
الثراء كان بعامة دافعهم الوحيد ، وإنما كان وراءه أيضاً الاستمتاع في بلاط أو ذاك
بحياة بهيجة ولذيذة تلتقي فيها القرائح الذكية فتدير حواراً لطيفاً وتتبادل الأفكار العالية
وتتنافس حول الآداب والفنون الجميلة
ومن هذا المدح يقول ابن ماء السماء في مدحه للوزير أبي عمر أحمد بن
سعيد بن حزم :
يا قمـــراً لَيلــــة إِكْمالِـه ومغْرِقي فـــي بحـرِ أَفْضالِه
عبــد أَياديـك وإِحســـانها يســأَلُـك المـــن بإِيصـالِه
فَـــإِن تَفَضلْتَ فَكــم نعمـةً جـدتَ بهـا مصلح أَحـوالـِـه
وإِن يكُـــن عــذْر فَيكْفيه أَن عـرف مــولاه بإِقْبـالِــه
 إن صلة ابن مــاء السمـاء فـي بني حمـــود صلة قوية ، وولاؤه لهم
،لا مثيل له ، فقد مدح يحيى بن علي بن حمــود والقاسم بن حمود
وعلي بن حمود الحسني ، وفي مدائحه لهم يظهر التشيع لهم ، ففي مدحه لعلي بن
حمـــود الحسني يقول :
أَطَاعتْك القُلُوب ومــن عصي وحزب اللَّه حزبك يــا علــي
فَكُلُّ منِ ادعى معــك المعالي كَذُوب مثْلَ ما كَــذَب الدعــي
أَبى لَك أَن تُهاض علاَك عهد هشــامي وجـــد هـاشـمي
وما سميتَ بِاسـمِ أَبيــــك إِلاّ لَيحيـا بِالسمـي لَــه السـمي
فَإِن قَالَ الفَخْــور أَبِي فُــلاَن فَحسبك أَن تَقُـولَ أَبِي النَّبِـي
واتســم الأدب أو الشعر في هذه الفترة كما يقول الدكتور إحسان عباس
بأمرين خطيرين :
أولهما : خفوت صوت النقد لنظام الدولة وسياستها ، وزاد من ذلك ارتباط الشاعر من
جراء الحاجة الاقتصادية بالفرد المتسلط أو بالنظام المهين .
ثانيهما : اندفاع الشعر بقوة أشد نحو منطقة المتعة والارتياح إلى اللهو ؛ لأن هذه
المنطقة لا تبلغها - في الغالب - سيـــاط الحاكمين ، بل لعل كثير منهم
يشجعـون عليها ؛ لأنها تريحهم من سماع صوت النقد
وعلى الأرض لأندلسية ظهر لون جديد من المدح ، فلم يعد الشعراء
يستطيعون أن يتغنوا بالعصبية القبلية ، ولا الخلاف بين قبيلة وأخرى على الماء
والمرعى وحل مكان ذلك التغنّي بجيوش الإسلام الضخمة تُقاتل ضد القوات
المسيحية التي تجمعت في الغرب ، بدلاً من دعوة رفاق الخيمة للثأر دموياً لقريب
اغتيل اتجهوا إلى إثارة الشعب كله كي يدافع عن الأندلس الجميل حيث يهدد أعداء
الدين بإخراج المسلمين منه
وارتبط قسم كبير من شعر الجهاد بالمدح ، فقد كان القائد هو المحور
الأساسي للقصيدة الجهادية حيث تتجمع الأحداث كلها حوله ، ويترك الشاعر للقارئ
تخيل المعركة من خلال حديثه عن دور القائد فيها ، وبذا تكون القصيدة سلسلة
متصلة الحلقات من مواقف البطولة ،
 ويظهر هذا اللون واضحاً في مدح ابن ماء
السماء لابن حمود :
أَبسلٌ علَيك المـاء حتَّى يشْـوبه دم والكَرى حتّى يقَض المضاجِـع
أجم جيـاداً أدمـن الغَزو نَهكَـها فَمنْهـا حسـير في الجِهاد وظَالِع
وأَغْمـد سيـوفاً تشتكيك جفونها كما تشتكي نُجلَ العيونِ البراقـع
وسكّن عجـاج الركضِ شَيئاً فقلّما يرى الجو ممـا هجته وهو ناصع
وآنس قصـوراً طَالَ إِيحاشُها به فَقد أَشْفَقَتْ مما صنَعتَ المصانـع
وهلْ ضرك الباغي بِسـهمِ مكيدة وِأَنْتَ بِواقي عصمـةَ اللَّه دارِع ؟
وأي يـد تـوي قراعـك بعدمـا رأَينَا يـد الجبارِ عنْـك تُقَارِع
 ولم يكتف ابن ماء السماء بمدح بني حمود بل طال مدحه عدداً من الوزراء
والحاجب القواد والفقهاء مثل الوزير أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم
وصاحب الشرطة أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الشرفي والحاجب بن عامر العامري
والأديب أبي العباس أحمد بن قاسم المحدث
 وله بلا شك مدائح أخرى مما ضاع من شعره الذي لم يصل إلينا ،
وشعره في بني حمود ووزرائهم وقوادهم داخل في جملة شعر المديح في الشعر
العربي ، والذي يقول فيه الدكتور محمد رضوان الداية : " هو شعر مناسبات
مقصوداً به الثناء والولاء ونيل الأعطيات ، لكنه من جهة أخرى يعبر عن موقفه من
الدولة ، ويسجل الأحداث تسجيلاً رائعاً يخلد الفتوحات والانتصارات ، ويقدم مادة
 مساعدة بالإضافة إلى القيم الأدبية في تاريخ الفترة وأحداثها "

2- الرثاء

 لابن ماء السماء مقطوعتين في الرثاء ، الأولى في رثاء على بن حمود ،
،
وفيها أيضاً يهنئ أخاه القاسم بالخلافة
 والثانية في رثاء أبي بكر والد الوزير أبي  
الوليد بن زيدون ، وفيها يقول :
أَي ركْـنٍ من الرياسـة هيضـا وجموحٍ مـن المكـارِم غيضـا
حملُـوه مـن بلْدة نَحـو أُخْـرى كَي يوافـوا بِه ثَـراه الأَرِيضـا
مثـل حملِ السحـابِ ماء طَبِيبـاً لِتُـداوي بِـه مكَـانـاً مرِيضا
 وقد استخدم فيها الشاعر ألفاظاً بسيطة تدل على معان متداولة معروفة .

3- الغزل

 غلب غرض الغزل على شعره ، وما تميز به شعره الغزل الصريح ، وهو
لا يكتفي بالغزل الصريح بالمرأة ، وما يتصوره نحوها من ضم لخصرها كما في
قوله :
ورأَيتُ خَصرك يشْتَكي ما أَشْتَكي فَضممتُه ضـم النَّحيـلِ نَحيلا
فَكَـأنَّما قُلب الفـراقُ تَـلاقيــاً بِالجِزعِ أَو حسب البكَا تَنْوِيـلا
بل نجد عنده الغزل الصريح بالمذكر ، فقال متغزلاً في ميمون بن الغانية ،
وكان وسيماً :
قَمر المدينَة كَيفَ منْك خَــلاص أَو أَين عنْك إلَى سـواك منَـاص
مـا أنْتَ إِلاَّ درةُ الحـسنِ الَّتـي قَلْبِي علَيها في الهـوى غَـواص
والشَّادن الأَحوى الَّذي في طَـْرفه سحـر يصـاد بِسهمـه القَنَّاص
أَمن خُفُونَك من مغَبـة ما جـنَتْ فينَا فَلَيس علَى الملاحِ قصاص
 ولعل التغزل بالمذكر كان اتجاهاً عاماً في عصره الذي يميل إلى الترف وهي
من صفات المجتمع الحضري حيث تقل مكارم الأخلاق وتزداد المفاسد والموبقات
ويخرج الناس عن المألوف ولو كان مخالفاً للدين .
 ويستخدم في هذه القصائد المفردات السهلة والأسلوب البسيط ليفهمها رجل
الشارع العادي مع صدق العاطفة وحرارة المشاعر .

4- وصف الطبيعة

 لقد تفنن الشاعر الأندلسي في وصف الرياض المزهرة والحدائق الغن
والبساتين المثمرة حيث الأشجار ندية الأغصان مورقة ، والأطيار مغردة على هبات
نسائم الربيع والجدوال منسابة ، وكل هذا من شأنه أن يخلق جواً سمحاً بهيجاً يشد
الشاعر إليه ليقضي فيـه أحـلى الأوقـات وأسعدها ، بعيداً عن مشاكل المدنية
وضجيجها ، فإذا وصفوا نهراً ينساب في وسط روض جعلوه صديقاً مصافحاً له
كقول عبادة بن ماء السماء:

كَــأَن أَديـم المـاء در مذَابـه يصافح من خُضرِالرياضِ زمردا
ويعــد وصف الطبيعة من الموضوعات المهمة والكثيرة في شعر ابن ماء
السماء ، وما بقى له من قصائد ومقطعات تدل على قدرته في الوصف والتصوير ،
وما وقفت عليه في شعره تناول الموضوعات التالية :
1- وصف الأزهار : البنفسج والسوسن .
2- وصف الربيع .

3- وصف الطيور .
 
4- وصف الأنهار والجداول والمياه الجارية .
5- وصف السماء والنجوم والقمر والثريا .
6- وصف هول برد صفر سنه إحدى وعشرين وأربعمائة .
7- وصف آلة الحرب : القسى والنبال والرماح وسكين .
8- وصف الدواه والقلم والصحيفة .
9- وصف قصير .
 إن وصف الطبيعة عند ابن ماء السماء بقى ضمن إطار الصورة كوصف
قمرى يقول :
مطَــوقٌ جـود فـي شَــدوِه كَـأَنَّمـا طُـــوقَ إِذ جــودا
مــالَ علـى الخُـوط فَشَبهتُـه بِشَـارِبٍ لَمـا انْتَشَى عـــربدا
كَأَنَّمـا الطَــلُّ علـَى طَـوقـه دمـع علَى عقْـد فَتَاة بـــدا
أو كوصف إنسان قصير القامة حيث يقول :
وصاحبٍ لي كَــأَن قَامتَـــه أَقْصرمن يومِ وصلِ معشُوقي
 وقد يخرج عن إطار الصورة لتفتح فيه أبعاداً جديدة تدخل حيز البوح
النفســي
والتعاطف والتمثيل ، فقد شبه الخيري " البنفسج " حيث يظهر الطِّيب في الليل
ويمسكه في النهار مثل فقيه منافق يظهر للناس الزهد في النهار ، ويمضي ليلة
متحللاً من كل القيود التي أظهرها في النهار ، يقول :
وكَأَن الخَـيرِي في كَتْمه الطِّيــ ــب فَقيه مغْرى بِطُــولِ رِياء
يظْهِر الزهــد بِالنَّهـارِ ويمسي فَاتكـاً لَيلَه مـع الظُّـرفَــاء
 وما أروع هذه القصيدة التي وصف فيها تواصل سحابة مع الروض كلما
اقتربا وامتزجا مثل حبيبين تزين أحدهما للقاء الآخر بأحسن الملابس ، وإذا ابتعدا عن
بعض عاد النحول والضمور في الحب وأصبح الهجران والدموع سائداً ، يقول :
ولَعـوبٍ عشقَتْ روض الثَّـرى فَهـي تَأَتيه علَى طـولِ البعــد
فَيـُرى الروض إذا مـا وصـلَتْ أرِج العرف مــن الطيبِ الجسد
عطـراً ملْتَبِســــاً ملْتَحفــاً في سـرابِيلَ مـن الحسنِ جـدد
كَحب زار محبــوبــاً لَــه فَتَحــلَّى لِلقـــاه واستَعــد
وإِذ  مـا ودعتْ أَبصــَرتَهــا في نُحولِ العاشق الصب الكَمـد
ور بِلَحـــتْظ فَــاتــــِرٍ مثَــلَ جفْنٍ جـائِرٍ فيه رمــد
وجفـونِ النَّـور تَهمي بِالبــكا كَجفـونِ الصب مــن فَقْد الجلَد

فهمـا في حيرة عنْــد النَّـوى كَمحبينِ أَحســا بِالبعــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق