الخميس، 18 نوفمبر 2021

الصحابي الذي هابه مقوقس الروم

 

( دور الانصار في فتح مصر و حوار قوي بين عبادة ابن الصامت الانصاري و المقوقس)

عُرف القائد المسلم عمرو بن العاص، بخبرته العسكرية الكبيرة، ودهائه الاستراتيجى الكبير، وقد وضح ذلك فى فتح المسلمين لمصر عام 641.

وكان المقوقس حاكم مصر بعث إلى عمرو بن العاص رسلا لينهاه عن دخول البلاد، واستمرار القتال، وبحسب ما ذكر فى موسوعة "النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة" للمؤرخ ابن تغرى بردى، "إن عمرو بن العاص حبس الرسل عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم الموقس، وتساءل فى أصحابه "أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك فى دينهم، وإنما أراد عمرو بذلك أنهم يرون حال المسلمين".

ورد عمرو الرسل بعد ذلك، ومعهم ثلاثة شروط هى "دخول الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال"، فسأل المقوقس الرسل، كيف رأيتموهم؟ فقالوا: "رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة"، فما كان من المقوقس أن طلب من عمرو بإرسال رسول له للتفاوض.

فبعث عمرو بن العاص بعشرة أفراد أحدهم هو الصحابى عبادة ابن الصامت الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه.

عُبادة بن الصامت (المتوفى سنة 34 هـ) صحابي من بني غنم بن عوف من الخزرج، شهد العقبتين، والمشاهد كلها، ثم شارك في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بلاد الشام، وتولى إمرة حمص لفترة، ثم قضاء فلسطين.


#الصحابى_الذى_هابه_المقوقس_الروم_وطلب_رسولا_غيره.

              🦅 حكايات فتح مصر . 🦅


وحدثنا سعيد بن عفير، قال: أدرك الإسلام من العرب عشرة نفر طول كلّ رجل منهم عشرة أشبار عبادة بن الصامت أحدهم.


قال: وأمره عمرو أن يكون متكلّم القوم، وألّا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلّا إحدى هذه الثلاث خصال؛ فإن أمير المؤمنين قد تقدّم إلىّ في ذلك، وأمرني ألّا أقبل شيئًا سوى خصلة من هذه الثلاث خصال).

وكان عبادة بن الصامت أسود، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس، ودخلوا عليه، تقدّم عبادة، فهابه المقوقس لسواد

- فقال: نحّوا عنّى هذا الأسود، وقدّموا غيره يكلمنى.

- فقالوا جميعاً: إنّ هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلما، وهو سيّدنا وخيرنا والمقدّم علينا، وإنما نرجع جميعاً إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به، وأمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله.


- قال: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم؟ وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم.

- قالوا: كلّا، إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعاً، وأفضلنا سابقةً وعقلاً ورأياً، وليس ينكر السواد فينا. 


- فقال المقوقس لعبادة: تقدّم يا أسود، وكلمني برفق؛ فإني أهاب سوادك، وإن اشتدّ كلامك علي ازددت لذلك هيبة! فتقدّم إليه عبادة.


فقال: قد سمعت مقالتك، وإنّ فيمن خلّفت من أصحابي ألف رجل أسود، كلّهم أشدّ سوادا منى وأفظع منظراً ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي، وأنا قد وليت، وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوّى لو استقبلوني جميعاً، وكذلك أصحابي، وذلك أنّا إنما رغبتنا وهمّتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدوّنا ممّن حارب الله لرغبة في دنيا، ولا طلبا للاستكثار منها؛ إلا أن الله قد أحلّ ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالى أحدنا أكان له قنطار من ذهب، أم كان لا يملك إلّا درهما! لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها يسدّ بها جوعته لليله ونهاره، وشملة يلتحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله واقتصر على هذا الذي بيده ويبلغه ما كان في الدنيا، لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمرنا به نبيّنا، وعهد إلينا ألا تكون همّة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همّته وشغله في رضا ربّه وجهاد عدوّه.


لما سمع المقوقس ذلك منه، قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قطّ! لقد هبت منظره، وإنّ قوله #لأهيب_عندي_من_منظره؛ إنّ هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض ما أظنّ ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلّها.


ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت، فقال: أيّها الرجل الصالح، قد سمعت مقالتك، وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبّهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجّه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدّة، ما يبالى أحدهم من لقي، ولا من قاتل، وإنّا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلّتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرا، وأنتم في ضيق وشدّة من معاشكم وحالكم، ونحن نرِق عليكم لضعفكم وقلّتكم وقلّة ما بأيديكم؛ ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكلّ رجل منكم دينارين دينارين؛ ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به.


- فقال عبادة بن الصامت: يا هذا؛ لا تغرنّ نفسك ولا أصحابك، أمّا ما تخوّفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم، وأنّا لا نقوى عليهم فلعمري ما هذا بالذي تخوّفنا به، ولا بالذي يكسرنا عمّا نحن فيه، إن كان ما قلتم حقّا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم، وأشدّ لحرصنا عليهم؛ لأن ذلك أعذر لنا عند ربّنا إذا قدمنا عليه، إن قتلنا من آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنّته، وما من شيء أقرّ لأعيننا، ولا أحبّ إلينا من ذلك؛ وإنّا منكم حينئذ لعلى إحدى الحسنيين؛ إمّا أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنها لأحبّ الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منّا، وإن الله عزّ وجلّ قال لنا في كتابه: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، وما منّا رجل إلا وهو يدعو ربّه صباحا ومساء أن يرزقه الشهادة، وألّا يردّه إلى بلده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده، وليس لأحد منا همّ فيما خلّفه، وقد استودع كلّ واحد منا ربّه أهله وولده؛ وإنما همّنا ما أمامنا. وأمّا قولك: إنا في ضيق وشدّة من معاشنا وحالنا؛ فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلّها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه. فانظر الذي تريد فبيّنه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك، ولا نجيبك إليها إلّا خصلة من ثلاث، فاختر أيّها شئت، ولا تطمع نفسك في الباطل؛ بذلك أمرني الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين، وهو عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قبل إلينا، إمّا أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا، وكان أخانا في دين الله؛ فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك، فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحلّ أذاكم، ولا التعرّض لكم، فإن أبيتم إلا الجزية فأدّوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم، إذ كنتم في ذمّتنا، وكان لكم به عهد علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من آخرنا، أو نصيب ما نريد منكم؛ هذا ديننا الذي ندين الله به، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم.

لكن المقوقس رفض هو وأصحابه بحجة أن تسليمهم يعنى الذل والعبودية، فخرج عبادة وأصحابه واستمر الحصار والقتال حتى توصل عمرو مع المقوقس فيما بعد واتفق على دفع الجزية، فكان بداية للعهد الإسلامى فى البلاد.


#المصادر

▪️موسوعة "النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة" للمؤرخ ابن تغرى بردى، "

▪️سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» عبادة بن الصامت.

▪️فتوح مصر لابن عبدالحكم.


✍️أعداد:

د/ وليد الراعى الأنصاري. د/ محمد شافعين الأنصاري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق