الأربعاء، 22 يناير 2025

الخطط المقريزية: توثيق تاريخ الصعيد وآثاره

الخطط المقريزية: توثيق تاريخ الصعيد وآثاره


يُعَدُّ كتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، المعروف بـ"الخطط المقريزية"، من أبرز المؤلفات التي تناولت تاريخ مصر، بما في ذلك منطقة الصعيد التي حظيت باهتمام خاص في هذا العمل الفريد. ألَّفه المؤرخ المصري تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، المولود عام 766 هـ (1364 م) والمتوفى عام 845 هـ (1442 م). اشتهر المقريزي بقدرته الفائقة على توثيق الأحداث التاريخية، ووصفه الدقيق للمدن والآثار، مما جعل كتاباته مصدرًا هامًا للباحثين في تاريخ مصر.

الصعيد في كتاب الخطط المقريزية


خصَّ المقريزي منطقة الصعيد بجزء كبير من اهتمامه في هذا الكتاب، حيث استعرض تاريخ مدنها وقراها، مثل أسيوط، سوهاج، قوص، والأقصر، وغيرها من المناطق التي كانت تمثل مراكز حضارية واقتصادية بارزة. كما تناول المقريزي المعالم الأثرية التي تزخر بها تلك المناطق، بما في ذلك المعابد الفرعونية والمساجد الإسلامية القديمة، مما يعكس التداخل الحضاري والثقافي الذي شهده الصعيد عبر العصور.

إلى جانب ذلك، وثَّق المقريزي العادات والتقاليد السائدة في الصعيد، مسلطًا الضوء على نمط الحياة اليومية للسكان، وأدوارهم الاجتماعية والاقتصادية. وقد ساهمت هذه التفاصيل في رسم صورة شاملة ودقيقة عن صعيد مصر خلال العصر الإسلامي.

ظروف تأليف الكتاب


أُلِّف هذا الكتاب خلال القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، في وقت كانت مصر تمر بتحولات سياسية واقتصادية كبيرة. استند المقريزي في كتابه إلى مراجع تاريخية ومعاينات ميدانية، مما أضفى على عمله مصداقية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بوصفه للصعيد ومدنه.

تحقيق الكتاب ونشره


تم تحقيق الكتاب ونشره بتحقيقات متعددة، أبرزها تحقيق الدكتور أيمن فؤاد سيد، الذي أعاد تقديم الكتاب في سبعة مجلدات عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. وقد ساهم هذا التحقيق في تسهيل وصول الباحثين إلى النصوص الأصلية مع شرح وتعليقات تعزز فهم المحتوى.

أهمية الخطط المقريزية للصعيد


يمثل كتاب "الخطط المقريزية" مرجعًا هامًا لفهم تاريخ الصعيد وآثاره، حيث جمع بين التوثيق الدقيق والوصف الشامل. ومن خلال تناوله لمعالم الصعيد، ساهم المقريزي في تسليط الضوء على دور هذه المنطقة كمركز حضاري واقتصادي وثقافي في تاريخ مصر.

يبقى هذا الكتاب شاهدًا على عبقرية المقريزي في توثيق تاريخ مصر، وخاصة صعيدها، مما يجعله مصدرًا لا غنى عنه للمهتمين بتاريخ وآثار هذه المنطقة العريقة.
ونعرض لكم منه سطورا ساحرة  صفحة ٣٥١ و ٣٥٢

( وبالصعيد بقايا سحر قديم، حكى الأمير طقطبا والي قوص في أيام الناصر محمد بن قلاون قال: أمسكت امرأة ساحرة، فقلت لها: أريد أن أبصر شيئا من سحرك؟ فقالت:

أجود عملي أن أسحر العقرب على اسم شخص بعينه، فلا بدّ أن تقع عليه ويصيبه سمها، فتقتله. فقلت: أريني هذا واقصديني بسحرك؟ فأخذت عقربا وعملت ما أحبت، ثم أرسلت العقرب فتبعني! وأنا أتنحى عنه، وهو يقصدني فجلست على تخت وضعته على بركة ماء، فأقبل العقرب إلى ذلك الماء، وأخذ في التوصل إليّ، فلم يطق ذلك، فمرّ إلى الحائط وصعد فيه، وأنا أشاهده، حتى وصل إلى السقف ومرّ فيه إلى أن صار فوقي وألقى نفسه صوبي، وسعى نحوي حتى قرب مني، فضربته فقتلته، ثم قتلت الساحرة أيضا.

وأرض الصعيد كثيرة المواشي من الضأن وغير ذلك لكثرة نتاجه، حتى أن الرأس الواحد من نعاج الضأن، يتولد عنه في عشر سنين، ألف وأربع وعشرون رأسا! وذلك بتقدير السلامة، وأن تلد كلها أناثا، وتلدّ مرّة واحدة في كل سنة، ولا تلد في كل بطن غير رأس واحد، وإلا فإن ولدت في السنة مرّتين، وكان في كل بطن رأسان تضاعف العدد، وتأمل حساب ما قلناه تجده صحيحا، وقد شوهد كثيرا أنّ من أغنام الصعيد، ما يلد في السنة ثلاث مرّات ويلد في البطن الواحد، ثلاثة أرؤس.

وكانت الكثرة والغلبة ببلاد الصعيد لست قبائل، وهم: بنو هلال، وبلى، وجهينة، وقريش، ولواته، وبنو كلاب، وكان ينزل مع هؤلاء عدّة قبائل سواهم من الأنصار، ومن مزينة، وبني دراج وبني كلاب وثعلبة وجذام.

وبلغ من عمارة الصعيد، أن الرجل في أيام الناصر، محمد بن قلاون، وما بعدها كان يمرّ من القاهرة إلى أسوان، فلا يحتاج إلى نفقة، بل يجد بكل بلد وناحية، عدّة دور للضيافة، إذا دخل دارا منها، أحضر لدابته علفها، وجيء له بما يليق به من الأكل ونحوه، وآل أمره الآن إلى أن لا يجد الرجل أحدا فيما بين القاهرة وأسوان يضيفه لضيق الحال، ثم تلاشى أمر بلاد الصعيد منذ سنة الشراقي في أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون سنة ست وسبعين وسبعمائة، وتزايد تلاشيه في أيام الظاهر برقوق لجور الولاة، ولم يزل في إدبار، إلى أن كانت سنة ست وثمانمائة، وشرقت مصر بقصور مدّ النيل، فدهي أهل الصعيد من ذلك بما لا يوصف، حتى أنه مات من مدينة قوص سبعة عشر ألف إنسان، وذلك كله سوى الطرحى على الطرقات، ومن لا يعرف من الغرباء ونحوهم، ثم دمّر في أيام المؤيد شيخ، فلم يبق منه إلا رسوم تبذل الولاة الجهد في محوها، نسأل الله حسن الخاتمة.) 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك