تعد قرية دُوير عايد، التابعة لمركز صدفا في محافظة أسيوط، واحدة من القرى العريقة التي تحمل في طياتها تاريخًا عظيمًا يعود إلى عصور قديمة. تقع هذه القرية على أطلال مدينة قديمة كانت تُعرف باسم "قهقوة"، وهي إحدى قرى الصعيد القديمة في مصر. وقد ورد ذكر هذه المدينة في العديد من المصادر التاريخية، مثل كتاب ابن قدامة وكتاب القضاعي، حيث أشارت هذه المصادر إلى أن قهقوة كانت تقع بين كورتي شطب وإخميم. كما ذكرها ابن خرداذبة في كتابه باسم "قهقي"، بينما أشار إليها اليعقوبي باسم "قهقاوة"، وذكر أنها كانت تابعة لكورة أبوتيج.
وقد ورد ذكر قهقوة أيضًا في كتابي "الانتصار" و"الخطط المقريزية"، بالإضافة إلى معجم البلدان، مما يؤكد مكانتها التاريخية كواحدة من المدن المعروفة منذ عهد الفتح الإسلامي لمصر. كما أشارت بعض المصادر إلى أن قهقوة كانت مجاورة لناحية صدفة، وكانت أقل منها عمرانًا. ومن المعروف أن هناك قرية أخرى تُسمى "كوم إسفحت" كانت مجاورة لقهقوة، وقد كانت تحتوي على كنيسة قديمة تُعرف باسم "كنيسة مرقوريوس".
أما اسم "الدُوير"، فهو تصغير لكلمة "دير"، ويُقصد به خان النصارى. وتوجد العديد من القرى في مصر وبلاد الشام تحمل هذا الاسم، مثل "الدوير" في العراق، والتي تُعرف أيضًا باسم "الدويرة". ووفقًا لسيرة أهل القرية، فإنها كانت تُعرف في الماضي باسم "دير سمعان"، ولكن بعد نزول عرب عايد فيها واستيلائهم عليها وعلى صدفة، أصبحت تُعرف باسم "دُوير عايد"، وهو الاسم الذي لا يزال يُطلق عليها حتى اليوم.
نزول عرب عايد في الدُوير
نزل في الدُوير العديد من الأمراء والمشايخ، ومن أبرزهم الأمير عايد، الذي لُقب بـ"سيد العرب"، بالإضافة إلى الأمير عياد والأمير عواد، وهم أبناء الأمير منصور بن الأمير ناصر الهواري. وقد أعقب الأمير عايد في الدُوير العديد من الأمراء والمشايخ، مثل الأمير ريان والأمير حماد والأمير سالم والأمير سليم. ومن نسل الأمير ريان، جاء العديد من الأمراء والمشايخ، مثل الأمير حماد والأمير محمد والأمير حميد والأمير عايد والأمير سالم والأمير عياد. أما الأمير حماد، فقد أنجب العديد من العائلات التي استقرت في الدُوير عايد.
تاريخ قبيلة هوارة عايد
لقبيلة هوارة عايد تاريخ عريق يمتد عبر الأجيال، وقد كان لها وجود قوي في جنوب أسيوط منذ القدم. بعد نزولهم في دير سمعان، استطاعوا السيطرة عليها وعلى القرى المجاورة شرق وغرب النيل في جنوب أسيوط، وأصبحت المنطقة تُعرف باسم "دُوير عايد". وقد كانت هذه القبيلة أول قبيلة عربية تسيطر سيطرة فعلية على هذه القرى، مما جعلها تتمتع بسيادة وقوة كبيرة بين سكان المنطقة.
وقد ذكرت كتب التاريخ، مثل كتاب "الريف المصري" وكتاب "دور الصعيد في العصر العثماني"، أن هوارة عرب عايد كانوا القبيلة الوحيدة التي ذُكرت في أسيوط، حيث حازوا آلاف الأفدنة من الأراضي. ويرجع سبب نزولهم في صدفا إلى حادثة قتل أحد أبناء قبيلة السلاطنة لأحد أبناء قبيلة عايد، مما أدى إلى تجهيز أبناء عايد جيشًا كبيرًا من الهوارة وعرب عايد والدُويرة، بالإضافة إلى العديد من العبيد الذين ألبسوا لباس الحرب، وهاجموا قبيلة السلاطنة وهزموهم وشتتوهم. وقد انتقلت قبيلة السلاطنة بعد ذلك إلى القوصية، ولهم فروع في بندار الشرقية في سوهاج، بالإضافة إلى محافظات المنيا والبحيرة والفيوم.
سيادة قبيلة عايد على صدفا
استمرت سيادة قبيلة عايد الهواري على صدفا، حيث عينوا عليها عمدة وحاكمًا، وهو طنطاوي أبو عاشور ريان حماد عايد الهواري. وقد توالت العمدية في هذه العائلة حتى يومنا هذا. ومن أبرز الشخصيات التي اشتهرت من بني عايد هو شيخ العرب ريان حماد عايد الهواري، الذي كان شيخ مشايخ عربان أسيوط وحاكم مقاطعة دير أبومقروفة (دير الجنادلة حاليًا). وقد قام ببناء المسجد الكبير في الدُوير، والذي يُعد أول مسجد في المنطقة.
شخصيات بارزة من قبيلة هوارة عايد
اشتهر من أبناء بني عايد العديد من الشخصيات البارزة، مثل شيخ العرب أبو عاشور، الذي تولى الحكم والعمدية بعد أبيه، وكان معروفًا بقوته وحكمته. كما اشتهر شيخ العرب أبو يوسف، الذي كان أكثر إخوته ثراءً، حيث حاز آلاف الأفدنة من الأراضي. ومن الشخصيات الأخرى شيخ العرب مكي، الذي كان أصغر إخوته، وشيخ العرب حمد حماد عايد الهواري، الذي أنجب العديد من العائلات التي انتشرت في الدُوير وخارجها.
الدُوير عايد في العصر الحديث
تفتخر قرية الدُوير عايد بأنها واحدة من أكبر القرى في جنوب أسيوط، حيث يتجاوز عدد سكانها الخمسين ألف نسمة، وتضم أكثر من عشرة آلاف فدان من الأراضي الزراعية. كما تشتهر القرية بأسواقها العامرة، والتي تجذب السكان من القرى المجاورة. وقد دخلت الكهرباء إلى الدُوير قبل مركز أبوتيج، مما يدل على تقدمها وازدهارها.
ويفتخر أهالي الدُوير بأنهم أول من استوطن المنطقة من العرب، حيث حازوا الأراضي واستقروا فيها، تليهم بعد ذلك العائلات والقبائل الأخرى التي جاءت بمهنها وحرفها. ويذكر التاريخ أن إبراهيم باشا، ابن محمد علي باشا، حاول أن يصاهر عائلة أبو يوسف عايد الهواري، ولكنهم رفضوه لأنه كان ألبانيًا تركيًا مجهول النسب، وليس عربيًا من أصل هواري معروف.
الخلاصة
تعد قرية الدُوير عايد واحدة من القرى العريقة في صعيد مصر، والتي تحمل في طياتها تاريخًا غنيًا بالأحداث والشخصيات البارزة. من نزول عرب عايد فيها وصولًا إلى سيادتهم على المنطقة، مرورًا ببناء المساجد وإدارة الأراضي، كل هذه الأحداث جعلت من الدُوير عايد قرية ذات مكانة خاصة في تاريخ الصعيد. ولا تزال القرية حتى اليوم تحتفظ بهويتها التاريخية والعربية، مما يجعلها واحدة من أهم القرى في محافظة أسيوط.
لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك