الخميس، 10 يناير 2019

مع الفتن والشائعات والهرج.. ماذا نفعل؟

في زمن كثرت فيه الفتن: كيف نثبت على الحق؟



نحن نعيش اليوم في زمن كثرت فيه الفتن وتنوعت، حتى صار من الصعب أن نفرق بين الحق والباطل، إلا من رحم ربي. فتن دماء وقتل، وفتن إعلامٍ مضلل، وأخرى عبر منصات الإنترنت، يكتب فيها الناس ما يشاؤون بلا ضمير أو وازع ديني. أمام هذا الواقع المضطرب، نلجأ إلى نور النبوة، مسترشدين بهدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبوصايا أهل العلم الربانيين، علّنا نجد فيها النجاة والثبات.

1. التمسك بما نعرفه من الحق

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم...»
[صحيح ابن ماجه: 3211]
في هذا الحديث النبوي الشريف، يوصينا النبي بالثبات على ما نعرفه من الحق، وترك ما نجهله. فالمسلم في زمن الفتن يجب أن يلتزم بالكتاب والسنة، وألا ينجرف وراء الشبهات أو البدع.

2. ترك ما نُنكره ونرتاب منه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»
[سنن الترمذي – حسن صحيح]
وفي الحديث الآخر:
«الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس»
[صحيح مسلم]
ما ارتبت فيه نفسك فدعه، فالطمأنينة في الصدق، والريبة في الباطل.

3. اللجوء إلى العلماء الربانيين

العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أهل الفقه في الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»
[صحيح ابن ماجه – حسن]
ففي زمن الفتن نحتاج من يدلنا على الطريق، ويوجهنا وفق هدي الشرع.

4. التركيز على النفس والأهل وترك أمر العوام

قال علي رضي الله عنه:
"الناس ثلاث: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق..."
في أوقات الفوضى، عليك بأهلك ومن حولك، ولا تشتغل بما يعمّ الناس من بلبلة وفتن.

5. التقوى والإيمان سبيل النجاة

قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ...}
[الحديد: 28]
فالتقوى نورٌ يُبصر به المسلم الطريق وسط الظلمات.

6. التوكل على الله عز وجل

قال تعالى:
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
[الطلاق: 3]
من فوض أمره لله كفاه، وأعانه على الثبات مهما عظمت الفتن.

7. اعتزال الفرق والأحزاب حال غياب الجماعة

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:
«تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، فاعتزل تلك الفرق كلها...»
[صحيح البخاري: 7084]
حين تشتد الفتن وتنقسم الأمة، يصبح العزلة منجاة.

8. الاستغفار واللجوء إلى الله بالدعاء والصلاة

قال تعالى:
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ... فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}
[الأنبياء: 87-88]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل يستغفر ويدعو ويقول:
«سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن...»
[صحيح البخاري: 1126]
فالقيام والدعاء من أنفع ما يُدفع به البلاء.

9. الاستعاذة من الفتن

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمغرم، والمأثم، ومن فتنة النار، وفتنة القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، ومن فتنة المسيح الدجال...»
[صحيح البخاري]

10. جواز تمني الموت خوفًا من الفتنة

قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به...»
[صحيح البخاري: 6351]
لكن إذا خشي المسلم على دينه وفتنته، جاز له أن يسأل الله الوفاة على خير، كما قال يوسف عليه السلام:
{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}
[يوسف: 101]

11. الفرار بالدين من مواطن الفتنة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال... يفر بدينه من الفتن»
[صحيح البخاري: 7088]
في بعض الأحوال، تكون العزلة هي الحل الأنسب لحفظ الدين.

12. الحذر من الشائعات والقصص المكذوبة

في زمن الفتن تنتشر القصص والروايات دون تثبّت، ويكثر القصّاص الذين يضلّون الناس، وقد ذكر ابن عمر أن القصص انتشرت بعد عهد الخلفاء الراشدين، في زمن ظهور الفتن.


وأخيرا في زمنٍ اختلط فيه الحق بالباطل، وتكاثرت الفتن من كل حدب وصوب، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، تبقى الوصايا النبوية المنيرة نبراسًا يهدي الحائرين، ويثبّت المؤمنين على طريق الحق. لقد رسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم خارطة واضحة للنجاة، تبدأ بالتثبّت من الدين، والتمسك بالجماعة، وملازمة العلماء، والابتعاد عن الشبهات، وتوقير العلماء الربانيين، وحسن الظن بالله، وكثرة الدعاء، والتمسّك بكتاب الله وسنة نبيه.


إن هذه الوصايا ليست مجرّد كلمات تروى في الخطب والدروس، بل هي زاد المؤمن في زمن التلون والانقلاب، ونجاة لكل من أراد السلامة لنفسه وأهله في أوقات الحيرة والتيه. فمن أخذ بها نجا، ومن أعرض عنها هلك، كما أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.


فلنجعل هذه الوصايا منهجًا لحياتنا، لا سيما في زمن غلبت فيه الأهواء، وتزيّن فيه الباطل برداء الحق، وقلّ فيه الناصح الأمين، وكثر فيه دعاة الفتنة والضلال. ولنتضرع إلى الله عز وجل أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن يحيينا على الإسلام، ويميتنا على الإيمان، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه

سؤال لك عزيزي القارئ:
كيف تتعامل مع الفتن التي تعيشها في زمانك؟ وهل وجدت وسيلة عملية للثبات على الحق وسط هذا الزخم من الضلال؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك