السبت، 12 يناير 2019

هل أنتم الانصار إم أوس و خزرج؟!

هل نحن أنصار اليوم أم أبناء فتنة الأمس؟


هل نحن أنصار اليوم أم أبناء فتنة الأمس؟


رغم أن الأوس والخزرج أبناء عمومة، يجمعهم نسب واحد متصل: فهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان؛ إلا أن بأسهم كان بينهم شديدًا، يتقاتلون كما لو كانوا غرباء لا يربطهم دمٌ ولا نسب!

وقد تعددت الحروب والنزاعات فيما بينهم، فكل فخذ من القبيلة يسعى لهدم الآخر، بل كان الأفرع داخل البيت الواحد تشتبك كما تفعل الجبال حين تصطدم. وهذا المشهد المؤلم يعيد نفسه في واقعنا اليوم، حين نرى الصراعات بين القيادات، والعائلات، بل وأبناء العمومة داخل البيت الواحد، يتنازعون ويتحاسدون، ويتنافسون على الدنيا حتى ينهار البناء من الداخل.

لقد كانت يثرب قبل الإسلام ساحة للصراعات بين الأوس والخزرج، حتى استغل اليهود هذا التناحر، وأشعلوا بينهم نيران الفتنة، ليفتنوهم عن صلات الدم والرحم. ولم يكن لهم شوكة بين العرب، ولا قوة تهابها القبائل، حتى أتى النور المحمدي، وجاء الإسلام برسالته العظيمة، فصهرت العقيدة قلوب الأوس والخزرج في بوتقة الإيمان، وتحولوا من أعداء إلى أنصار، أحبّوا من هاجر إليهم، وآووا ونصروا حتى قال سلمان الفارسي رضي الله عنه مفتخرًا: "سلمان منا آل البيت، سلمان منا معشر الأنصار".

فبنى الإسلام وحدةً قوية جعلت من يثرب "مدينةً" حقيقية، مدينة الأخوّة والإيمان، مدينة الأنصار الذين غيّروا ميزان القوى في الجزيرة. لقد أرعبت وحدتهم قبائل قريش كلها، من بني عبد مناف، وبني عبد شمس، وبني نوفل، وبني أسد، وبني عبد الدار، وبني زهرة، وبني تيم، وبني مخزوم، وبني عدي، وبني سهم، وبني عامر، وبني الحارث، وبني جمح، وبني محارب، وغيرهم، حتى اجتمعوا ذات يوم في تحالف عدواني لمواجهة هذا الخطر الجديد.

كانوا يعلمون أن الأوس والخزرج – بعد أن أصبحوا الأنصار – أهل بأسٍ وشجاعة، وأنهم إن اتحدوا فلن تُهزم لهم راية. وقد ثبت ذلك يوم بدر، حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، لا يملكون سوى فرسين وسبعين بعيرًا، ليواجهوا جيشًا قوامه ألف رجل، معهم مئتا فرس. وعلى الرغم من هذا الفارق المهول في العدد والعدة، انتصر المسلمون، وكان من أعمدة هذا النصر قوة الأنصار بإيمانهم، وانضباطهم، وطاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن حين تخل الأنصار يوم أحد عن هذا النهج، ومالت قلوب بعضهم إلى الدنيا، وخالف الرماة أمر النبي الصريح بعدم مغادرة أماكنهم، كانت الهزيمة نتيجةً حتمية لهذا الخلل.

ويوم حنين، لما وزع النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم على حديثي العهد بالإسلام من قريش وسائر العرب، ولم يكن للأنصار منها نصيب، وجد بعضهم في أنفسهم شيئًا، فذهب سيدهم سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك. فجمع النبي الأنصار في الحظيرة، وخطب فيهم خطبةً خالدة، تهز القلوب، وتدمع لها العيون، وقال:

"يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضلالًا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟"

فقالوا: بلى، المنّ لله ولرسوله.

فقال: "أوَجدتم في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً، ووكلتكم إلى إيمانكم؟ أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟"

ثم قال كلمته الخالدة:

"والذي نفسي بيده، لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً، لسلكت وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار."

فبكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا جميعًا: رضينا بالله ربًا، وبرسول الله قسماً وحظًا.

فانظروا رحمكم الله، إلى قلوبٍ أُنيرت بالإيمان، ونفوسٍ زهدت في الدنيا ورضيت برسول الله نصيبًا، إلى رجالٍ كان همّهم الدين لا المتاع، والوحدة لا الفُرقة، والسمع والطاعة لا الجدل والمراء.

فما بالنا اليوم؟!

هل نحن على خُطا الأنصار، الذين قدّموا الإيثار، ونصروا الدين، وفتحوا صدورهم قبل ديارهم لمن هاجر إليهم؟
أم نحن أشبه بالأوس والخزرج قبل الإسلام، نتنازع على الجاه والمكانة، ونتقاتل على مواريث باطلة وألقاب فارغة؟
هل وُجِدَ فينا اليوم من يحمل روح الأنصار؟ أم أن اللقب يُعلّق على الجدران ولا يسكن في الوجدان؟

فمن لم يجد في نفسه خلق الأنصار، فليدع عنه لقبهم، وليسمي نفسه بالأوسي أو الخزرجي، لأن الأنصار لم يكونوا نسبًا فقط، بل سلوكًا وإيمانًا وموقفًا.

وفي الختام، نرفع أكف الضراعة إلى الله:

اللهم ارزقنا صدق النية، ونقاء السريرة، ووحدة الصف، واجعلنا ممن يتبعون سنة نبيك صلى الله عليه وسلم في القول والعمل. اللهم لا تزين لنا عمل السوء، وذكرنا دائمًا بأن الدنيا زائلة، فاصرف عنا زينتها، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بقلم / محمد أبوشافعين الأنصاري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك