ماذا ستقول لو سألك أحدهم عن الأندلس؟
هل ستحدثه عن حضارةٍ عابرة؟ أم عن ذكرياتٍ عتيقة؟ أم تكتفي بالقول إنها كانت؟
لكن الأندلس ليست مجرد مكان، إنها ذاكرة، دمعة، حسرة، ووعد لا يسقط بالتقادم.
هي ليست قصة تُروى على عجل، بل مرآةٌ لماضٍ عظيم خنقته الخيانة، وصوتٌ باكٍ في صدر كل مسلم يشعر بحرقة فقدها.
في زمن الوجع العربي الممتد، وفي ظل حاضرٍ تتشابه فيه الخيبات، لا بد أن نُعيد فتح جراحنا القديمة لنفهم حاضرنا الممزق.
اسأل نفسك، واسأل من حولك: هل نسينا الأندلس؟ وهل بتنا نعتاد فقد الكرامة قطعةً قطعة، من قرطبة حتى القدس؟
ماذا ستقول لو سألك أحدهم عن الأندلس؟
قل لهم إنها تلك الأرض التي ارتفعت فيها مآذن المساجد تُنادي: "حيّ على الفلاح" لثمانمئة عام، ثم خَفَتَ صوتُها فجأة، تحت صليل السيوف وصراخ محاكم التفتيش.
قل لهم إنها الأرض التي فتحها موسى وطارق، وفرّط فيها الصغير حين خضع، وخان حين وقّع، وباع حين ضعف.
قل لهم إنها الأرض التي استمر فيها الإسلام ثمانية قرون، قبل أن يُطرد أهلها ويُباد تاريخها، وتُسرق هويتها، وتُحرق كتبها، وتُطفأ أنوارها.
قل لهم إن الأندلس هي فلسطين اليوم، وإن "إسبانيا" ليست سوى صورة سابقة "للكيان الصهيوني"، وإن القتلة هم القتلة، وإن الخيانة تتكرر بتفاصيل مختلفة.
قل لهم إن الاحتلال لا يُغيّر من قداسة الأرض شيئًا، وإن من يسكن قرطبة وغرناطة اليوم ليسوا أبناءها، بل هم الغزاة الأوروبيون، بينما أهلها الأصليون – الموريسكيون – طُردوا منها، كما طُرد الفلسطينيون اليوم.
قل لهم إن من نَسِي الأندلس نَسِي القدس، وإننا حين أضعنا الأولى، كانت الثانية في الطريق.
حدثهم عن العظماء الذين صنعوا مجدها:
- عن طارق بن زياد، عن موسى بن نصير، عن مغيث الرومي
- عن السمح بن مالك، عن عبد الرحمن الغافقي، عن عنبسة بن سحيم
- عن صقر قريش عبد الرحمن الداخل، عن هشام الرضا، عن الناصر والمستنصر
- عن المنصور بن أبي عامر، عن المظفر، عن يوسف بن تاشفين وابنه، عن المنصور الموحدي والمريني
حدثهم عن المعارك والبطولات:
- عن بلاط الشهداء حيث توقفت الفتوحات لا لأننا لم نقدر، بل لأن قلوبنا وهنت
- عن شذونة، الزلاقة، الأرك
- عن مجازر "تولوز"، عن حصار غرناطة، عن خيانات الطوائف
حدثهم عن الفن والجمال والعلم:
- عن قصر الزهراء والحمراء، عن قصر الجعفرية وبرج الذهب
- عن المسجد الكبير بقرطبة، ومنارة المنصور بأشبيلية
- عن قنطرة قرطبة، عن قنطرة القنطرة
- عن ابن حزم، الزهراوي، ابن زهر، عن ابن رشد وابن طفيل، عن أبي بكر عبادة بن ماء السماء، شاعر الأندلس
ثم حدّثهم عن الألم:
- عن محاكم التفتيش
- عن النساء المغتصبات
- عن الأطفال المقتولين
- عن الرجال الذين أحرقوا أحياء، فقط لأنهم يُصلّون
- عن المساجد التي تحوّلت إلى كنائس، والمصاحف التي أُحرقت
- عن المآذن التي كُسرت أعناقها، وعن القرآن الذي صار يُقرأ همسًا، ثم نُسي
حدثهم عن الثورات التي لم تمت:
- عن البشرات، عن محمد بن أمية، عن عبد الله بن عبو، عن علي العطار، عن موسى بن أبي غسان الذي أبى أن يُسلّم فألقى نفسه من أعلى الحصن، شهيدًا لله وللأرض.
يا من تسأل عن الأندلس:
هي ليست حكاية غابرة، بل جرحٌ في القلب، وخيانة في الذاكرة، ودرسٌ لم يُفهم بعد.
وإذا كانت فلسطين اليوم تُنتهك باسم القوة، فقد انتُهكت الأندلس من قبل باسم السلام الكاذب، والاستسلام الخائن.
قل لهم، وقل لنفسك: إن الأندلس لن تسقط من قلوبنا، حتى وإن سقطت من الجغرافيا.
وأنها أرضٌ إسلامية، كما القدس، كما مكة، كما المدينة.
وأنها حقٌ لا يسقط، وعهدٌ لا يُنسى، ومجدٌ لن نكف عن البكاء عليه، حتى يعود.
"إني تذكرتُ والذكرى مؤرقةٌ
مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناهُ"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك