السبت، 1 فبراير 2025

تحية التقبيل في الخليج والعالم العربي: بين التراث والتغيرات الحديثة

تحية الخشم في الخليج


تعد طرق التحية في مختلف الثقافات تعبيرًا عن القيم والتقاليد المتوارثة، وتكشف عن طبيعة العلاقات الاجتماعية ومدى التقارب بين الأفراد. في العالم العربي، تتميز كل منطقة بعادات خاصة في التحية، حيث يتنوع السلام بين التقبيل على الخد، وتقبيل اليد احترامًا للكبار، والمصافحة الرسمية، وصولًا إلى تحية الأنف التي تشتهر بها دول الخليج، والمعروفة بـ "السلام بالخشوم". هذه العادات ليست مجرد إجراءات شكلية، بل هي تعبير عن الهوية والثقافة والانتماء، وتختلف وفقًا للعمر والجنس والمكانة الاجتماعية.

1. تحية التقبيل في العالم العربي

دول الخليج العربي: المخامشة والسلام بالخشوم

في السعودية والإمارات وقطر وعمان، يعد السلام بالخشوم من العادات الراسخة التي تعبر عن الاحترام والتقدير المتبادل بين الرجال. تتم هذه التحية عبر ملامسة الأنف مرتين أو أكثر، مع إبقاء العينين مفتوحتين لتجنب سوء التقدير في المسافة. تعكس هذه العادة مفهوم "الأنفة" الذي يشير إلى العزة والكرامة، حيث يمثل الأنف الجزء الأبرز في الوجه، وبالتالي يصبح في مقدمة التحية كرمز للشرف والمكانة.

إلى جانب ذلك، تنتشر في الخليج تحية التقبيل على الخد بين الأصدقاء، وتختلف عدد القبلات باختلاف درجة القرب الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، يكتفي الأفراد بالمصافحة، خاصةً في المناسبات الرسمية.

مصر والسودان: التقبيل والمصافحة حسب الموقف

في مصر والسودان، يعتبر التقبيل على الخد وسيلة شائعة للتحية بين الأصدقاء والمقربين من نفس الجنس، وغالبًا يكون مرتين أو ثلاثًا. أما في اللقاءات الرسمية أو بين الأشخاص غير المقربين، فتكون المصافحة هي الخيار الأكثر شيوعًا، حيث تعكس الاحترام مع الحفاظ على المسافة الاجتماعية.

بلاد الشام: ثلاث قبلات متتابعة

في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، يُستخدم التقبيل على الخد كتحية رئيسية، ويكون عادةً ثلاث مرات، تبدأ من الخد الأيمن. هذا التقليد يعبر عن المودة والدفء الاجتماعي، لكنه قد يختلف حسب العادات الأسرية والفردية، حيث يكتفي بعض الأشخاص بالمصافحة فقط، خاصةً في البيئات الرسمية أو بين الرجال الذين لا يعرفون بعضهم جيدًا.

المغرب العربي: قبلة اليد احترامًا للكبار

في المغرب والجزائر، تُعتبر قبلة اليد علامة على الاحترام، خاصةً تجاه كبار السن أو الشخصيات الدينية. أما التقبيل على الخد، فيختلف بين العائلات والمجتمعات، حيث يكون مزدوجًا أو ثلاثيًا حسب درجة القرب والحميمية. في تونس وليبيا، قد تقتصر التحية على المصافحة في الأوساط الرسمية، بينما يبقى التقبيل شائعًا بين الأصدقاء والعائلة.

اليمن والعراق: التقدير من خلال المخامشة وتقبيل الكتف

في اليمن، تُمارس عادة "المخامشة" أو ملامسة الأنف بين الرجال كدليل على الاحترام والتقدير، وتُستخدم خاصةً في اللقاءات القبلية والمناسبات الاجتماعية. وفي بعض الحالات، يُضاف إليها تقبيل الكتف كرمز للخضوع والاحترام الكبير.
أما في العراق، فالتقبيل على الخد شائع بين الرجال، وغالبًا ما يكون ثلاث مرات، بينما تفضل بعض القبائل المصافحة فقط، خاصةً في المناسبات الرسمية.


2. السلام بالخشوم: تحية عربية أصيلة

يعد السلام بالخشوم من أقدم طرق التحية في الجزيرة العربية، وهو تقليد يجمع بين العزة والتقدير والمكانة الاجتماعية. ويقتصر على العائلة والعشيرة والأصدقاء المقربين، ولا يُمارس عادةً مع الغرباء. كما أنه وسيلة رمزية لإنهاء الخصومات، حيث يعبر عن طيّ صفحة الخلافات والعودة إلى العلاقات الودية.

تشابه ثقافي مع تحية "الهونغي" لدى الماوريين

تتجاوز هذه العادة حدود الجزيرة العربية، حيث نجد لها تشابهًا مع تحية "الهونغي" لدى شعب الماوري في نيوزيلندا. في هذه التحية، يقوم الشخصان بملامسة أنفيهما للحظات مع إغماض العينين، وأحيانًا يلمسان الجبهة أيضًا، كرمز للتواصل الروحي ومشاركة الأنفاس والحياة. الفرق الأساسي أن الماوريين يرون في هذه العادة وسيلة للتقرب من الأجداد واستحضار أرواحهم، بينما في الخليج العربي، تعكس هذه التحية مكانة الشخص واحترامه في المجتمع.


3. تأثير العولمة وجائحة كورونا على عادات التقبيل

رغم رسوخ هذه العادات في المجتمعات العربية، إلا أنها شهدت بعض التغيرات بفعل العولمة والتغيرات الصحية، خاصةً مع انتشار فيروس كورونا. في ظل الجائحة، أصبح الكثيرون أكثر حرصًا على تجنب التقبيل المباشر، واتجهوا نحو التحية عن بُعد أو الاكتفاء بالمصافحة السريعة.

إجراءات الوقاية للحفاظ على العادات دون مخاطر

وضعت بعض الجهات الصحية توصيات للحد من انتقال الفيروس مع الحفاظ على هذه التقاليد، ومن أبرزها:

  • غسل اليدين قبل وبعد التحية.
  • تجنب السلام بالخشوم إذا كان أحد الطرفين مريضًا.
  • تعقيم اليدين بشكل منتظم.

رغم هذه الاحتياطات، لا تزال طرق التحية التقليدية تلعب دورًا مهمًا في ترسيخ الروابط الاجتماعية، حيث تعتبر جزءًا من الهوية الثقافية التي تميز كل مجتمع عن الآخر.


ختامًا: هل تؤثر التغيرات الحديثة على العادات المتوارثة؟

تظل عادات التقبيل والتحية جزءًا لا يتجزأ من الهوية العربية، حيث تعكس الاحترام والمودة والانتماء الاجتماعي. ومع ذلك، تطرح العولمة والتطورات الصحية الحديثة تساؤلات حول مستقبل هذه التقاليد، ومدى تأثرها بالمخاوف الصحية والتغيرات الاجتماعية.

برأيك، هل يمكن أن تستمر هذه العادات في ظل التحديات الحديثة، أم أن المستقبل يحمل بدائل جديدة لتحية تعكس القيم العربية بطرق مختلفة؟


لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك