السبت، 15 فبراير 2025

إرث عبد العزيز بك راشد في تاريخ ملوي والأشمونين

عبد العزيز بك راشد، عمدة الأشمونين في ملوي، كان شخصية بارزة في التاريخ المصري، حيث أسهم في تطوير المنطقة من خلال أعماله الخيرية وإدارة الشؤون المحلية بحكمة.

تُعتبر قرية الأشمونين، التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا، واحدة من القرى ذات التاريخ العريق، حيث تمتد جذورها إلى العصور الفرعونية. كانت تعرف في مصر القديمة باسم "خمون"، وعُرفت في العصر اليوناني باسم "هرموبوليس ماجنا"، وكانت مركزًا دينيًا وعلميًا هامًا لعب دورًا كبيرًا في الحضارات المتعاقبة. ومن بين العائلات العريقة التي استوطنت الأشمونين، برزت عائلة الراشد، التي كان لها تأثير كبير في تاريخ المنطقة، ومن أبرز رجالها عبد العزيز بك راشد، عمدة الأشمونين وأحد الشخصيات البارزة التي تركت بصمة في تاريخ الصعيد ومصر بشكل عام.

نشأة عبد العزيز بك راشد وتعليمه

وُلد عبد العزيز بن راشد بن الحاج فراج بن الحاج إسماعيل بن الحاج بدوي بن الحاج محمد بن الحاج فراج بن الحاج إسماعيل بن الحاج محمد بن الأستاذ نجم الدين في قرية الأشمونين سنة 1286 هـ. نشأ في بيئة تتسم بالعلم والدين والوجاهة الاجتماعية، وكان لعائلته دور بارز في الشؤون المحلية، حيث كانت تتقلد مناصب إدارية وسياسية مهمة.

عندما بلغ السابعة من عمره، ألحقه والده بالمعهد العلمي في الأشمونين، حيث كان في القرية معهد يضم عشرة من العلماء، فانتظم عبد العزيز في سلك تلاميذه، وتلقى العلوم الأولية في اللغة والدين والعلوم الأخرى. وبعد أن أنهى دراسته في المعهد، لم يتجه إلى العمل الإداري أو الديني كما كان متوقعًا، بل اختار العمل في الزراعة، ليكون قريبًا من أهل بلدته ومن مشاكلهم اليومية.

توليه العمودية ودوره في استقرار الأشمونين

في عام 1306 هـ، تم تعيين عبد العزيز بك راشد عمدة للأشمونين خلفًا لجده الحاج فراج، حيث كان والده قد ارتقى إلى وظيفة ناظر. في ذلك الوقت، كانت الأشمونين تابعة لتفتيش الروضة، ولذلك تم تعيينه بموجب قرار صادر عن التفتيش، ولكن عندما أُضيفت الأشمونين إلى مركز أسيوط، صادقت نظارة الداخلية على تعيينه رسميًا عمدةً لها بتاريخ 2 صفر سنة 1310 هـ.

كان لعمدة الأشمونين دور بارز في حفظ الأمن والاستقرار في البلدة، حيث أصدر نظارة الداخلية قرارًا بتاريخ 20 رمضان سنة 1312 هـ بمنحه سلطة الأحكام المدنية، أي أن يكون مسؤولًا عن الفصل في النزاعات المحلية، وهو ما جعله شخصية محورية في حل النزاعات، مما أدى إلى استتباب الأمن في منطقته.

التكريمات والأوسمة

بفضل جهوده في الحفاظ على الأمن وتحقيق العدالة، حظي عبد العزيز بك راشد بتقدير السلطات الحاكمة في ذلك الوقت، حيث أنعم عليه الخديوي عباس حلمي الثاني بالرتبة الثانية في 10 صفر سنة 1311 هـ، تقديرًا لخدماته وإخلاصه في إدارة شؤون بلدته. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حصل أيضًا على رتبة المتمايز الرفيعة في 10 رجب سنة 1331 هـ، وهو ما يدل على مكانته المرموقة في المجتمع.

أعماله الخيرية ومساهماته في المجتمع

لم يكن عبد العزيز بك راشد مجرد عمدة يسعى للحفاظ على الأمن، بل كان أيضًا رجل خير بذل ماله وجهده في سبيل تطوير المجتمع المحلي ومساعدة المحتاجين. ومن أبرز أعماله الخيرية:

  1. دعم المستشفيات والمؤسسات الصحية:

    • ساهم بماله في بناء مستشفى الرمد في أسيوط، والتي كانت من أوائل المستشفيات المتخصصة في علاج أمراض العيون في المنطقة.
    • قدم دعمًا ماليًا لإنشاء مستوصف للأطفال في أسيوط، لتقديم الرعاية الصحية للأطفال الفقراء.
    • دعم بناء المستشفى الأهلي في ملوي، ليكون مركزًا للرعاية الطبية لأهالي المنطقة.
  2. دعم التعليم والمؤسسات الخيرية:

    • كان من الداعمين الرئيسيين لمدرسة ملوي الإسلامية الخيرية، والتي كانت تهدف إلى نشر التعليم بين أبناء الفقراء.
  3. دعم الجمعيات الإنسانية:

    • قدم مساعدات مالية لجمعية الهلال الأحمر لمساعدة منكوبي الحرب الطرابلسية، والتي كانت بين الدولة العثمانية وإيطاليا عام 1911.
    • تبرع لجمعية الصليب الأحمر لدعم منكوبي الحروب الأوروبية.
    • دعم جمعية الرفق بالحيوان، مما يدل على وعيه الإنساني وأخلاقه الرفيعة.

الأشمونين: قرية التاريخ والعراقة

تُعد الأشمونين إحدى القرى ذات الطابع الأثري والتاريخي الفريد في مصر، حيث كانت في العصور الفرعونية عاصمة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا، المعروف بإقليم الأرنبة. ازدهرت الأشمونين في مختلف العصور، بدءًا من الفراعنة، مرورًا بالعصر اليوناني والروماني، وحتى الفتح الإسلامي.

تضم الأشمونين العديد من المواقع الأثرية المهمة، منها:

  • معبد رمسيس الثاني ومعبد سيتي الأول، اللذان يعكسان عظمة الفراعنة.
  • تمثال قرد البابون، وهو رمز للإله تحوت، إله الحكمة والكتابة.
  • مقابر تونا الجبل، التي كانت جبانة الأشمونين القديمة.

مكانته وتأثيره في المجتمع

من خلال تتبع مسيرة عبد العزيز بك راشد، نجد أنه لم يكن مجرد عمدة في قريته، بل كان رجل دولة حقيقيًا ساهم في تنمية مجتمعه على مختلف الأصعدة. لقد كان نموذجًا للعمدة المصلح الذي لم يكتفِ بممارسة سلطته التقليدية، بل استثمر منصبه في تحسين حياة أبناء قريته، سواء من خلال تحقيق الأمن أو تقديم الخدمات الصحية والتعليمية.

الخاتمة

يظل عبد العزيز بك راشد أحد الشخصيات البارزة في تاريخ الأشمونين، حيث جمع بين الحكمة والقيادة والعمل الخيري. لم يكن مجرد عمدة، بل كان إداريًا ناجحًا، وقائدًا حكيمًا، ورجلًا معطاءً. ترك إرثًا خالدًا في ذاكرة الأشمونين، ليس فقط بصفته مسؤولًا إداريًا، ولكن أيضًا كأحد أبناء القرية الذين بذلوا جهدهم في سبيل رفعة مجتمعهم.

ويبقى السؤال: هل يمكن أن نستلهم اليوم من شخصية عبد العزيز بك راشد روح المسؤولية والتفاني في خدمة المجتمع؟


لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك