الجمعة، 31 يناير 2025

بين الحقيقة والمبالغة: الانتقادات الموجهة لنقابة الأشراف في توثيق الأنساب


تُعد نقابة الأشراف في مصر واحدة من أبرز المؤسسات الاجتماعية والدينية التي تهتم بالأشراف وأحفاد آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم. على مر العصور، شهدت النقابة العديد من التحولات، ابتداءً من دورها في العصر الفاطمي وصولًا إلى دورها في العصر الحديث. كما أن النقابة، التي تمثل مرجعية كبيرة في المجتمع المصري، لم تخلُ من الانتقادات التي تتعلق بتساهلها في منح النسب الشريف والتحقيق في صحة الأنساب، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عن مدى نزاهة وشفافية عملياتها. في هذا المقال، نستعرض تاريخ نقابة الأشراف في مصر، دورها في تحقيق الأنساب، بالإضافة إلى الانتقادات التي توجه إليها في العصر الحديث.

تاريخ نقابة الأشراف في مصر

تعود أصول نقابة الأشراف في مصر إلى عصور قديمة، حيث كان يُعتَبر أبناء آل البيت النبوي الشريف فئة متميزة في المجتمع. ورغم أن النقابة شهدت تطورات عدة على مر العصور، فإنها كانت دائمًا تحتفظ بمكانة مرموقة، نظرًا لدورها الكبير في الحفاظ على النسب الشريف وتنظيم شؤون أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم.

العصر الفاطمي: بداية تنظيم النقابة

تعود أولى محاولات تنظيم نقابة الأشراف إلى العصر الفاطمي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). كان الفاطميون يتبعون نظامًا إداريًا دقيقًا، وكانوا يعينون شخصًا يسمى "نقيب الأشراف" ليتولى مسئولية تنظيم شؤون الأشراف، بما في ذلك حفظ الأنساب. وكان هذا النقيب يمثل الأشراف في المحافل الرسمية ويعمل على حماية حقوقهم.

العهد المملوكي والعثماني: استمرار دور النقابة

مع قدوم العهد المملوكي والعثماني، استمر دور نقيب الأشراف في التوسع والانتشار. في هذه الفترات، كانت النقابة تُشرف على الأنساب وتتابع شؤون الأشراف من خلال تدوين سجل شامل يضم كل العائلات المنتسبة إلى آل بيت النبي. وقد كان هناك اهتمام خاص بحفظ الأنساب، باعتبار أن هذا الأمر يعتبر من الأمور الدينية المهمة في المجتمع المصري.

العصر الحديث: إصدار قانون رسمي للنقابة

في عام 1946، أُصدر قانون رقم 101 الذي منح نقابة الأشراف شكلًا قانونيًا رسميًا. هذا القانون جعل من نقابة الأشراف مؤسسة رسمية تحت إشراف الدولة، ومنحها صلاحيات واسعة في التحقق من صحة الأنساب ومنح شهادات النسب الشريف للأفراد والعائلات الراغبة في الانتساب إلى آل البيت.

قواعد منح النسب الشريف والتحقيق في صحة النسب

تعتبر عملية التحقق من صحة النسب الشريف من أبرز مهام نقابة الأشراف، وقد تطورت هذه العملية على مر العصور لتشمل إجراءات دقيقة ومعقدة لضمان صحة الأنساب. في الوقت الراهن، تتطلب النقابة مستندات ووثائق رسمية لتوثيق نسب الأفراد والعائلات، وذلك لضمان صحة النسب وتحقيق العدالة في عملية منح النسب الشريف.

المستندات المطلوبة لإثبات النسب الشريف

تتطلب نقابة الأشراف من الأشخاص الراغبين في الانضمام إلى النقابة تقديم مجموعة من المستندات الرسمية التي تؤكد صحتهم النسبية. وتشمل هذه المستندات:

1. صور البطاقة الشخصية أو العائلية: هذه المستندات تساعد في تحديد هوية الأفراد وتوثيق أصولهم.

2. أصل صك النسب أو شهادة النسب: وهذه هي الوثيقة الأساسية التي تُثبت الانتساب إلى آل البيت، ويجب أن تكون هذه الوثيقة موثقة من قبل الجهات الرسمية.

3. شهادات الميلاد والوفاة: تُستخدم هذه الوثائق لتوثيق التواريخ والعلاقات العائلية بين الأفراد.

4. شهادات النقابة الفرعية: يتم تقديم شهادة من النقابة الفرعية الخاصة بالمحافظة التي ينتمي إليها مقدم الطلب لتوثيق صحة النسب.

5. شهادات الشهود العدول: يتطلب الأمر شهادات من شهود موثوقين يُؤكدون صحة النسب وانتساب الشخص إلى آل البيت النبوي.

عملية التحقق: كيف تتم؟

عملية التحقق تتم بعناية شديدة وتشمل التدقيق في المستندات المقدمة، ودراسة الأنساب عبر سجلات النقابة الموثقة. كما يتم فحص العائلات عبر البحث في سجلات الأرواق التاريخية والمشجرات العائلية التي تحتوي على بيانات مهمة تخص الأشراف. وعادةً ما تتم هذه العملية بالتعاون مع عدد من الخبراء والمؤرخين المتخصصين في الأنساب الإسلامية.


الانتقادات التي تواجهها نقابة الأشراف في العصر الحالي

رغم تاريخها الطويل وأهميتها الاجتماعية والدينية، فإن نقابة الأشراف تواجه عدة انتقادات في الوقت الراهن، تتعلق أساسًا بتساهلها في تحقيق الأنساب ومنح شهادات النسب الشريف. ومن أبرز هذه الانتقادات:

  1. تساهل النقابة في منح النسب

من أبرز الانتقادات التي وُجهت إلى نقابة الأشراف هي تساهلها في منح النسب الشريف، حيث يُعتقد أن بعض الأفراد والعائلات قد حصلوا على شهادة النسب الشريف دون إجراء تحقيقات دقيقة. هذا التساهل في التحقيقات أدى إلى انضمام عائلات لا تمت بصلة للأشراف، مما أثر على مصداقية النقابة. في بعض الحالات، تم تقديم شهادات نسب غير موثقة أو غير دقيقة بناءً على معلومات عائلية غير رسمية أو حتى على بعض التقاليد الشعبية التي قد تكون بعيدة عن التحقيق العلمي الدقيق.

  1. انضمام عائلات حديثة إلى النقابة
في السنوات الأخيرة، بدأت عائلات حديثة تدعي الإنتماء إلى الأشراف، وتقديم مستندات غير كافية أو غير موثقة لدعم هذه الادعاءات. ونتيجة لذلك، انضم العديد من الأفراد والعائلات التي لا تُثبت وثائقهم أو أدلتهم نسبة واضحة إلى آل البيت. هذا الأمر أثار تساؤلات كبيرة حول معايير قبول النسب في النقابة. بعض العائلات التي تقدمت للحصول على شهادات نسب لم تملك أدلة قاطعة أو موثقة تؤكد هذا الانتماء، مما يفتح المجال للمزيد من التشكيك في نزاهة النقابة وقدرتها على إدارة هذه المسألة الحساسة.

  1. غياب الشفافية في التحقيقات
من بين الانتقادات الأخرى التي تواجه نقابة الأشراف هو غياب الشفافية في بعض عمليات التحقيق، إذ يشعر البعض أن هناك نقصًا في المراجعة الدقيقة والشفافة للمستندات المقدمة من قبل المتقدمين للحصول على شهادة النسب الشريف. قد يؤدي غياب هذه الشفافية إلى تساؤلات حول كيفية اتخاذ القرارات وفرض معايير القبول والرفض. هذا الوضع يساهم في نشر الشكوك حول نزاهة العمليات المتعلقة بتوثيق النسب.

  1. انتشار النسب المزيف

في الآونة الأخيرة، تزايدت حالات النسب المزيف، حيث تم اكتشاف أن بعض الأشخاص قد حصلوا على شهادات نسب مزيفة تُثبت انتماءهم إلى آل البيت رغم أنهم لا يمتلكون أي صلة بهم. هذا النوع من التلاعب ساهم في تشويه صورة النقابة وأدى إلى انعدام الثقة في قدرتها على تحديد الأنساب بدقة. تم تداول حالات عديدة لشهادات نسب غير صحيحة تم الحصول عليها من خلال تقارير مزورة أو شهادات شهود غير موثوقين.

  1. تحكمات ومجاملات شخصية

أحد الانتقادات المهمة التي وُجهت إلى نقابة الأشراف في العصر الحديث هو التأثيرات الشخصية والمجاملات التي قد تلعب دورًا في منح شهادات النسب. يُعتقد أن هناك بعض الأشخاص الذين لديهم نفوذ داخل النقابة قد تمكنوا من الحصول على شهادة النسب الشريف رغم عدم وجود أساس تاريخي أو ديني قوي لهذا النسب. هذا يشير إلى مشكلة في نظام الحوكمة داخل النقابة، حيث يمكن أن تؤثر العلاقات الشخصية والمجاملات على قرارات النقابة.

  1. الفساد الإداري

تعد الممارسات الفاسدة إحدى القضايا التي تطرح بشكل متكرر في النقابة. في بعض الحالات، تم رصد شكاوى تتعلق بممارسات فساد في التعامل مع الطلبات والتقارير المتعلقة بالأنساب. الفساد الإداري أدى إلى تعزيز القلق من إمكانية حصول أفراد غير مستحقين على شهادات النسب الشريف.

زيادة كبيرة في عدد الأشراف!! 

من بين القضايا المثيرة التي تطرح تساؤلات حول مصداقية النظام داخل النقابة هو الزيادة الكبيرة في عدد الأشراف المسجلين. ففي عام 1905م، كان عدد الأشراف في مصر 15,000 شخص فقط، كما هو موضح في الوثيقة المنشورة (كما هو موضح بالوثيقة المرفقة). 


مقال منشور عام 1905

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية حديثة، فإن التقارير المتوفرة تشير إلى أن عدد الأشراف المسجلين في النقابة في عام 2009م وصل إلى 750,000 شخص، بمعدل زيادة يُقدر بـ 7,068 عضوًا سنويًا على مدار 104 سنوات، وهو معدل كبير مقارنة بمعدل الزيادة السكاني الطبيعي. هذا الأمر يثير تساؤلات حول أعداد الأشراف الجدد وكيفية قبولهم ضمن النقابة. رابط المقال المنشور في "المصري اليوم" [مقال المصري اليوم: نقابة الاشراف.. وما ادراك ما نقابة الأشراف ].

زيادة غير مبررة في العدد

من بين الأمور التي تزيد من تعقيد الوضع هو السماح للكثيرين بالتحقيق في نسب الأشراف، مثل المهندس أيمن زغروت الحسيني صاحب كتاب "معجم قبائل مصر" الذي ذكر أكثر من ألف عائلة شريفة، مما يزيد بشكل غير دقيق من العدد الكلي للأشراف. بعض الأشخاص قدروا العدد بما يصل إلى 6 ملايين، بينما تقديرات أخرى تشير إلى 30 مليون شخص! هذا النوع من التلاعب يساهم في نشر الشائعات ويعقد الأمور أكثر، مما يزيد من التشكيك في مصداقية النقابة.


الحلول المقترحة لتطوير نقابة الأشراف

في ظل هذه الانتقادات والتحديات التي تواجه نقابة الأشراف في مصر، هناك عدة حلول مقترحة لتحسين آليات العمل داخل النقابة وضمان نزاهة التحقيقات ومنح الأنساب:

1. تعزيز تدقيق المستندات والتحقيقات


يجب أن تعمل النقابة على تشديد الرقابة على المستندات المقدمة من المتقدمين للحصول على شهادة النسب، بما في ذلك فحص الأدلة التاريخية والوثائق العائلية بدقة أكبر. يمكن تشكيل لجان من المتخصصين في الأنساب الإسلامية لضمان دقة التحريات.

2. تفعيل دور الباحثين المتخصصين


من المفيد توظيف باحثين متخصصين في الأنساب للقيام بعمليات التحقق من الأنساب بشكل أكثر تخصصًا، وذلك لضمان صحة البيانات. يمكن أيضًا تنظيم دورات تدريبية للأعضاء العاملين في النقابة لرفع مستوى الخبرة لديهم.

3. زيادة الشفافية في العمل


يجب على النقابة تحسين الشفافية في عملية منح النسب، بحيث تكون جميع العمليات قابلة للمراجعة من قبل الجمهور أو المتخصصين. يمكن نشر تقارير دورية توضح كيفية سير العمل داخل النقابة، إضافة إلى نشر نتائج التحقيقات لتفادي أي اتهامات بالتحايل أو الفساد وكذلك أعلان أحصاء سنوي بعدد السادة الأشراف بجمهورية مصر العربية عامة و عدد المنتسبين الجدد خاصة وبذلك تقطع النقابة الطريق علي المتقولين والأفاقين و يعود لهذا الكيان العظيم رونقه و يعود دورها في الساحة التي غابت عنها وتركت حفنه تتحدث بأسم السادة آل بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

4. توسيع دور النقابة في التوعية


على النقابة أن تقوم بحملات توعية للمجتمع حول كيفية التحقق من النسب وأهمية الحفاظ على صحة الأنساب. يمكن أيضًا نشر محتوى علمي يوضح كيف يتم فحص الأنساب والطرق المتبعة لضمان صحتها.

5. استخدام التكنولوجيا


من الممكن استخدام التكنولوجيا مثل قواعد البيانات الرقمية لتخزين الأنساب ومراجعتها، مما يسهل التحقق من الأنساب القديمة والجديدة بشكل أسرع وأكثر دقة.

في الختام، تُعتبر نقابة الأشراف في مصر من أعرق وأهم المؤسسات الاجتماعية التي تساهم في الحفاظ على الأنساب والتأكد من صحة الانتساب إلى آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ورغم تاريخها الطويل ونجاحاتها، فإن النقابة تواجه تحديات كبيرة في العصر الحالي، تتمثل في تساهل التحقيقات وصعوبة التحقق من صحة بعض الأنساب. يجب على النقابة أن تبذل جهدًا أكبر لتحسين آليات عملها وتطوير أساليب التحقيق، وذلك للحفاظ على مصداقيتها وضمان نزاهتها في منح شهادات النسب الشريف.


"هل تعتقد أن نقابة الأشراف بحاجة إلى تحسين آلياتها في التحقيق في الأنساب؟ وما هي الحلول التي ترى أنها قد تسهم في رفع مستوى الشفافية والدقة في منح النسب الشريف؟ شاركونا آرائكم في التعليقات."


إبراهيم باشا وشجاعة الهواري: محاكمة جندي من قبائل الصعيد في قلب المعركة ضد الجيش التركي


في صفحات نادرة من التاريخ، نجد أنفسنا أمام واحدة من أبرز وقائع العدل والشجاعة، التي جرت على يد القائد المصري البارز إبراهيم باشا. في عام 1832م، كان الجيش المصري يواجه تحديات كبيرة على الأرض، وكان في طريقه لملاقاة جيش العدو التركي في معركة حاسمة. لكن هذه المرة، كانت المحاكمة داخل المعسكر العسكري هي ما جذب انتباه الجميع. في هذا النص، نستعرض لكم تفاصيل محاكمة الجندي إسماعيل الهواري الجرجاوي، أحد جنود إبراهيم باشا، الذي اتُهم بقتل جندي مصري في صفوف الجيش. ولكن ماذا وراء هذه القضية؟ وما هي القيم والعادات التي ألقت بظلالها على محاكمة هذا الجندي؟ تابعوا معنا لتتعرفوا على تفاصيل هذه الحكاية التي تمتزج فيها الشجاعة بالعدل والتقاليد.

من هو إبراهيم باشا؟ هو القائد العسكري الشجاع والابن البار لمحمد علي باشا، والذي قاد الحملات العسكرية ضد القوى العثمانية في المنطقة. كان دائمًا يسعى إلى فرض النظام والعدالة داخل جيشه، وعلى الرغم من انتصاراته المتعددة، فإنه لم يتوانَ عن محاسبة المقصرين داخل صفوفه. في هذا السياق، تتكشف أمامنا محاكمة جندي يدعى إسماعيل الهواري الجرجاوي، الذي جاء من صعيد مصر، وكان يحمل في قلبه إرثًا من تقاليد قبيلته، ليتسبب هذا الإرث في إحداث تغييرات كبيرة في سير المعركة القادمة ضد الجيش التركي.

في قلب الليل، حيث تهمس الرياح بين جنبات الخيام، وحيث يرقب الجند ألسنة النار المتراقصة فوق الحطب المتقد، جلس إبراهيم باشا في مجلسه الصارم، تحيط به هالة من المهابة والجلال. كان ضوء المشاعل الخافت يرسم ظلالًا متراقصة على وجوه الجنود المتحلقين، بينما امتزج صمت الليل بصوت نيران التدفئة المتوهجة.

في وسط ذلك المشهد، وقف شاب نحيل، بالكاد يُرى وجهه تحت وهج المشاعل، عيناه تلتمعان بمزيج من الخوف والرجاء. كان إسماعيل الهواري الجرجاوي، جندي من عامة الجيش، يقف أمام القائد العظيم، متأثرًا بوقع اللحظة. لم يكن يدري إن كان الليل سيطوي ساعاته على براءته أم أن القدر قد كتب له مصيرًا آخر.

كل العيون كانت شاخصة إلى هذا المشهد، تنتظر كلمات إبراهيم باشا التي ستحدد مصير الشاب الواقف أمامه. هل سيجد الرحمة في عين القائد؟ أم أن قوانين الحرب لا تعرف الشفقة؟

وإليكم تفريغ نص الحكاية كما جائت في صفحات التاريخ


في الخامس عشر من شهر يوليه (تموز) ١٨٣٢م، دخل إبراهيم باشا حلب الشهداء فأحتلهت بلا قتال، وأعد له السكان استقبالاً حافلاً ومظاهرَ فرحٍ واجتمعوا به. ودخلت المدينة في حظيرة الدولة المصرية، أسوة بأخواتها. وأعاد إبراهيم إليها ميزانَ العدل والإنصاف والنظام، الذي فقدته منذ زمن بعيد.  

وأراد القائد أن يأخذ جيشه الباسل قسطاً وافراً من الراحة، استعداداً للمعارك المقبله ، فأصدر بذلك بياناً إلى جنوده، فأعلن لهم أنه يُطلق لهم حريتهم أياماً معدودة، على شرط أن يحترموا الأرواحَ والأعراضَ والأموالَ.  

واستغل إبراهيم باشا الفرصةَ للنظر في أمر الجنود الذين خرجوا على النظام، وارتكبوا مخالفاتٍ يُؤاخَذون عليها. فعقد مجلساً من كبار قواده.  

وزعماء المتطوعين من أبناء البلاد، تبوأ فيه مقعد الرئاسة ، وطلب إلى قواد الجيش وضباطه أن ييسطوا أمام المجلس ما لديهم من شؤون وشكايات. 

ما أسم هذا الجندى ؟  
— إسماعيل الجرجاوي
 
والتهمة الموجهة إليه ؟  
— القتل 

والقتيل ؟  
— جندى مصرى من رجال المدفعية.

وتفصيل الحادث ؟ وأسباب الاعتداء ؟  
— لا نعم ياموالي إلا شيئاً واحداً. وهو أن هذا الجندى قد أنقض على زميله بعد معركة حمص، وأمسك بعنقه ، وخنقه بأسرع من لمح البصر.  
  
أهو من رجال المدفعية ؟  
— كلا . بل من المشأة. 

مشهد محاكمة ابراهيم باشا للحندي اسماعيل الهواري الجرجاوي

سكت ابراهيم بعد أن أفضى إليه الضابط الشاكي بهذه التفاصيل .  
  
ونظر إلى الجندي المتهم ، وقال له بلهجة المعاتب المؤنب :
 
أليس من العار أن يقال عن جندي مصري إنه اغتال رفيقاً له في النصر والجهاد؟
دافع عن نفسك. فأن هذا المجلس بم يصدر قبل الآن حكماً على مذنب ، دون أن يصغي إلى دفاعه ويزن أقواله . 
  
رفع الجندى رأسه ، ونظر إلى إبراهيم ، فإذا يعينيه تدمعان، وإذا به شاحب اللون مختلج الشفتين.

وقال بصوت منبعث من أعاق صدره :  
نعم . انني قاتل يا موالى . لـكن فعلة القتل الى أقدمت عليها. ليست أثماً أستحق من أجله أن ينظر الي الناس نظرهم إلى مجرم سفاح.  
__ كلا، بل هي في عرف عشيرتي فضيلة وشارة شرف أُفاخر بها.  

__ وأية عشيرة تلك التي يُعتبر فيها القتل فضيلة؟  

__ الهوارة يامولاي، فأسماعيل الجرجاوي، الماثل في حضرتك الآن، تنتني إلى تلك القبائل العربية، إلى نزح أجدادها من الصحراء إلى الصَّعَد، حيث طابت لهم الإقامة، فحطوا رحالهم في وادي النيل. لكن تقاليدهم الموروثة ظلت في نفوسهم حيةً مرعيةً محترمة، وقد غرسوها في ذلك الصَّعَيد كما غرسوا فيه أطناب الخيام.  

فأدرك إبراهيم أنه أمام رجل من أولئك العربان الذين لا ينامون على ضيم ولا يسكنون عن دمٍ مطاول. فقد يثأر الواحد منهم لقتيلٍ بعد أيامٍ أو شهورٍ أو أعوام. وهذه العادة قد امتزجت بدمائهم فلا سبيل إلى إزاحتها، والأنباء يتوارثونها عن الآباء. والإحجام عن الأخذ بالثأر يعد في نظرهم عارٌ لا عار بعده، وجبناً يستحق من يصم نفسه به أن يوليه القوم ظهورهم امتهاناً واحتقاراً.  

فقال إبراهيم:  
__ قص عليَّ قصتك يا اسماعيل، وسنرى فيها رأينا.  

كان الرجل قد استعاد ثباته ومسح دموعاً خائنةً نفرت من عينيه بالرغم منه، فشبك ذراعيه على صدره وقال: 

ــــ قُتِل أبي منذ ثمانية أعوام يا مولاي، وكنت حينذاك في الثالثة عشرة من عمري، ضعيف البنية، مريضاً، لا أدرك للأخذ بالثأر معنى، ولا أقم للتقاليد الموروثة وزناً. وبقيتُ بعد قتل أبي وحيد أمي، التي لم يكن لها في القرية معينٌ ولا نَصير. فجعلت تبث في روحي الأنتقام ، وترعى صحتي بعنايتها، وتسهر على راحتي ونشأتي. فترعرعتُ في كَنَفِها، وكأن الله عز وجل قد أراد أن يستجيب دعاء تلك الوالدة الثكلى.  

ويجعل مني أداة للأنتقام من القاتل الأثيم، فكنت استعيد قواي شيئاً فشيئاً، وأشعر مع الأيام بأن واجباً عظيماً قد فرض علي القيام به.  

و أدركت بعد حين أن أبناء العشيرة ينظرون الينا – والدتي وأنا – نظرة من ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وخيم عليهم العار، وطبعهم الجبن بطبعه. ولما بلغت العشرين من العمر، خاطبتني أمي قائلة: ( لقد حان الوقت وأذنت الساعة الرهيبة يا بني. إني أعرف القاتل الذي سفك دماء أبيك، وجعلنا سخرية بين الناس وهدفا لازدرائهم. إن القاتل يمرح الآن حراً طليقاً، بينما جثة أبيك المسكين ترقد تحت الرمل، هناك، طعمة للحشرات، دون أن يقوم على القبر '' شاهِد '' ، أو تذبخ عليه ذبيحة!  
ولن نستطيع أن تفعل ذلك، إلا إذا انتقمت لأبيك من قاتله، وثأثرت له ثأراً دموياً، يمحو العار الذي يكتنفنا، ويمكننا من النظر إلى الناس وجها لوجه بلا خوف ولا وجل! اذهب يا بني ولا تعد إلا ويدك مخضبة بدم ذلك القاتل الجبان! أما إذا لقيت حتفك، فأنني أقضي بقية عمري هنا، في البكاء والنحيب! )

هذا ما قالته لي أمي يا مولاي، فأقسمت لها أنني سأثأر لأبي. وأسرعت في طلب الغريم، فعلمت أنه جندي في المدفعية، وأن فرقته مع الجيش الزاحف بقيادتك. قلت في نفسي: (لو أحجمت عن اللحاق به، لافلت من الثأر وضاع علي الانتقام) . ومنذ ذلك الوقت، صحت عزيمتي على التطوع في الجيش، لا حباً بالحرب فقط، حيث أجد السلوى التي أتوق إليها، بل أيضاً سعياً وراء الثأر الذي أنشده، والترضية التي أرغب فيها. لقد حاربت يا مولاي واستبسلت في القتال. سل ضباط جيشك عن فعالي في الميادين، وعما إذا كنت قد تنحيت يوماً عن مواطن الخطر، أو وليت مدبراً في الأوقات العصيبة. لقد قمت بواجبي كجندي. وعندما حان الوقت للقيام بواجبي كأبن بار بأبيه، لم أحجم عن ذلك، بل أنتهزت الفرصة، وقتلت قاتل أبي، وأرويت ظمئي من دمه. بحثت عنه طويلا حتى اهتديت اليه. ولم أشأ أن ألحق به أذى في مستهل المعركة، بل انتظرت الى نهايتها، وتركته يقوم بواجبه بين رفاقه رجال المدفعية. وبعد ما أنتهى كل شيء، وانهزم العدو أمامنا، ودخلنا مدينة حمص منتصرين، وثبت به، وقبضت على عنقه، وانتزعت روحه انتزاعاً. هذه قصتي يا مولاي، لا زيادة فيها ولا نقصان. فحياتي الآن بين يديك . ولك أن تصنع بها ما تشاء، فأنت السيد الأمير المطاع!  

*****  

تشاور إبراهيم مع قواده وأنصاره. ثم أصدر حكمه على الجندي القاتل المنتقم: 

إن القتل في عرفنا يا اسماعيل جريمة لا تغتفر، أيا كان الداعي إليها؛ وإيا كانت الظروف المحيطة بها. والقاتل يقتل. أمستعد أنت للقاء العقاب؟ 

نعم يا مولاي. 

وإرادتك الأخيرة؟ 

لم تقم أمي مأتما بعد مصرع ابي. فكل ما أرجوه الآن أن تبعث إليها خبري، فتعلم اني قد رحلت عن هذا العالم بعد أن ثأرت لأبي من قاتله، وتقيم في البيت مأتما، وتضع على قبر الميت شاهداً، وتذبح عليه الذبيحة الأولى، وتخضب الشاهد بدم تلك الذبيحة ! 

سأفعل ذلك يا أسماعيل. أما تنفيذ الحكم فيك، فأني أعهد به اليك، لأنني لا أريد أن تموت ميتت المجرمين السفاكين، وإن كنت في نظرى مجرماً سفاكاً. بعد أيام سنلاقي العدو من جديد في الميدان. ينبغي أن تلج القتال، وتخوض غمار المعركة بما عهد فيك من شجاعة وإقدام، وإلا تعود من الميدان حيا! هكذا أرغب اليك أن تكفر عن ذنبك، وتمحو سيئتك. أتعدني بذلك؟

_ أقسم لك يا مولاي أنني سأستشهد في الميدان وسيكون رفافي على ذلك شهوداً.

****

2 ربيع الأول ۱٢٤٨هـ _ ٢٩ يوليو ١٨٣٢م
بيلان .. .. مضيق موحش، تسلكه القوافل بين الاسكندرونة وحلب. وهو معقل منيع وحصن حصين، وممر الغزاة الفاتحين على مر الأجيال . رأت هضبة الشماء جحافلهم، وسمعت صخوره الصماه وقع حوافر خيولهم، منذ أن عرف التاريخ إلى الآن. ففي ذلك المضيق مر الأشوريون والبابليون الفراعنة والفرس والأسكندر والصليبون وإبراهيم يسلك الطريق الذي سلّكه هؤلاء.  

ستون الفاً من الاتراك ربضوا في ذلك المعقل الحصين، ومعهم مائه وستون مدفعاً، في أنتظار أبراهيم وجيشه.  

لكن نظامهم مختل، وإدارة جيشهم رديئة، والقوة المعنوية معدومة من نفوس الجنود.  

وصل إبراهيم قبالة المضيق، جيشه اقل عددا وعدة من جيش خصمه حسين باشا، لكنه يفوقه نظاماً وإدارة وقوة معنوية.  

أهمل القائد التركي احتلال بعض الرتفعات الشرفة على السهل، فأستفاد القائد المصري من ذلك الإهمال.  

وفي الساعة الثالثة بعد الظهر، دون أن يترك إبراهيم لجيشه الوقت الكافي للراحة، أصدر أمره بالهجوم.  

كان حسين باشا قد حشد قواه جميعاً في القلب، وترك جناحيه في حالة ضعف بين، اعتقاداً منه أن عدوه سيهاجم القلب دون الجناحين. وهذا ما تظاهر به إبراهيم.  

معركة بيلان لين الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا ضد الجيش التركي بقيادة حسين باشا

لكنه شطر جيشه شطرين، قام أحدها بهجوم عنيف على قلب الجيش التركي ، بنيا كان الأخر يلتف حول ذلك الجيش ، فأحاطه بدائرة من حديد ونار ، وقطع عليه خط الرجعة من جهة الاناضول وبعد ساعتين فقط ، تضعضع الجيش الرتكي واضطربت صفوفه ، فضاعف المصريون نيرانهم . وما اقبلت الشمس على المغيب ، حتى كان جنود (السردار أ كرم) ، يولون وجوههم شطر الساحل ، ويفرون من الميدان زرافات ووحداناً ، على أمل ان يصلو الى الاسكندرونة ، ويحتموا بالاسطول القادم اليها من الاستانة.  

وخسروا في تلك الموقعة الهائلة خسارة جسيمة ، وتركوا بين إيدى المصريين أكداساً مكدسة من الاسلاب الغنائم. 

وفر حسين باشا كغيره من الضباط والجنود . ومنذ ذلك الوقت لم يقف له أحد على أثر . ويقال أن جنوده قد فتكوا به في الطريق ، طمعا في الاستيالاء على ما كان يحمله معه من أموال طائلة. 

أما الجيش المنهزم ، فقد تفرق في وهاد الاناضول وبطاحة .
 وفي يوم ٣٠ يوليه ( تموز ) ۱۸۳٢م دخل المصريون ثغر الاسكندرونة ، واستولوا على المراكب السبعة التي ارسلها السلطان لنجدة سرداره ! وسير إبراهيم فريقا من جيشه إلى بياس ، حيث فاز بمن التجأ هناك من الأعداء ، وتم له القضاء على الجيش العثماني قضاء كاملاً. 

******  

دخل الضابط على إبراهيم وقال :  

مولاي . أمرتني أن آتيك خبر إسماعيل الجرجاوي ، بعد معركة بيلان ، وأن أفضي اليك بتفاصيل سلوكه في الميدان.
 لقد حارب ذلك الجندى ببسالة لم أعهدها من قبل في جندي سواه . وعندما أصدرت الينا أمرك بمهاجمة المدفعية التركية ، رأيت ذلك الشاب الشجاع يقتحم الصفوف والمعاقل ، والسيف يقطر بيده دماً . وقد سقط صريعاً في المعركه. أنتهى

الخاتمة:

تظل قصة إسماعيل الهواري الجرجاوي واحدة من أبرز الشهادات على كيفية التوفيق بين القيم الشخصية والتقاليد القبلية من جهة، وبين قوانين الجيش والعدالة العسكرية من جهة أخرى. ورغم أن حكم إبراهيم باشا قد حمل في طياته شجاعة في اتخاذ القرار، إلا أنه كان يعكس أيضًا الفهم العميق لواقع الرجال الذين يقودهم، ما جعله يمنح الجندي فرصة للثأر والبراءة في ميدان المعركة.

لكن، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تظل القيم الشخصية والقبلية قادرة على التماشي مع قوانين المجتمع العادل، أم أن الواقع يفرض تحديات قد تجبر الأفراد على التخلي عن تقاليدهم لصالح النظام الأكبر؟ كيف يمكننا، في عصرنا الحالي، أن نوازن بين العادات الشخصية والعدالة في مجتمعاتنا المختلفة؟



صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


الخميس، 30 يناير 2025

أسماء بنت يزيد الأنصارية .. المرأة التي سألَت فأجابت عنها السماء

 


قدوة النساء: ليت المسلمات يفهمن قول النبي لها

("افهمي، أيتها المرأة، وأَعْلِمى مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها وطلَبها مرضاته واتباعَها موافقته يَعْدِل ذلك كلّه")

إنها الصحابية الجليلة أسماء بنت يزيد الأنصارية، التي عرفت بفصاحتها وجرأتها، حتى لقبت بـ "خطيبة النساء"، وكانت نموذجًا للمرأة المسلمة التي توازن بين دورها في الأسرة ودورها في المجتمع. لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت صاحبة عقل راجح ولسان فصيح وقلب شجاع، سخرت كل ذلك في خدمة الإسلام والدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة وإيمان.

نشأتها وإسلامها

ولدت أسماء بنت يزيد في بيئة أنصارية مميزة، حيث كانت عائلتها من أوائل من أسلموا من المدينة المنورة. كانت من أسرة كريمة شريفة، عرفت بالإيمان والتضحية في سبيل الله. نشأت على حب الإسلام منذ نعومة أظافرها، وما إن أشرقت شمس الهجرة حتى كانت من أولى النساء اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان، تلك البيعة العظيمة التي شهدت على صدق إيمان الصحابة والصحابيات الذين جددوا عهدهم مع رسول الله على التضحية في سبيل الله.

الابتلاء والصبر

رغم أن أسرتها كانت مسلمة، إلا أن ذلك لم يمنعها من مواجهة المحن والابتلاءات، فقد فقدت في يوم واحد والدها يزيد بن السكن، وعمها زياد بن السكن، وأخيها عامر بن يزيد في معركة أحد، حيث استشهدوا جميعًا في سبيل الدفاع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عندما جاءها الخبر، لم تَجْزَع ولم تنهَر، بل وقفت موقفًا بطوليًا لا يصدر إلا عن قلب امتلأ بالإيمان واليقين، وكان أول ما تفوهت به عندما رأت النبي صلى الله عليه وسلم سالمًا: "كل مصيبة بعدك جلل"، أي أن كل مصيبة تهون ما دام رسول الله بخير.

فصاحتها وحكمتها: خطيبة النساء

عرفت أسماء بنت يزيد بذكائها وبلاغتها، وكانت لا تتردد في طرح الأسئلة التي تعكس وعيها وحرصها على تعلم أمور الدين، حتى إنها جاءت ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت:

"يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضي شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجًا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير؟"

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟"، ثم التفت إليها وقال: "افهمي، أيتها المرأة، وأَعْلِمى مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها وطلَبها مرضاته واتباعَها موافقته يَعْدِل ذلك كلّه".

أول معتدة في الإسلام

لم يقتصر دور أسماء على الخطابة والتعليم فقط، بل كانت أيضًا صاحبة سبق في التشريعات الإسلامية، حيث كانت أول امرأة يطبق عليها حكم العدة في الإسلام. فقد روت أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هناك حكم واضح لعدة المطلقة، فأنزل الله تعالى قوله في سورة البقرة: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، وهكذا أصبحت أول امرأة تعتد وفق هذا الحكم الشرعي.

دورها في الجهاد

لم يكن اهتمام أسماء بنت يزيد بالعلم والخطابة فقط، بل كانت أيضًا مجاهدة شجاعة، شاركت في غزوات كثيرة مثل غزوة الخندق، وخيبر، والحديبية، ولكن دورها الأبرز كان في معركة اليرموك، حيث لم تكتفِ بمداواة الجرحى وسقاية العطشى، بل حملت عمود خيمة واستخدمته في قتال الأعداء، حتى قيل إنها قتلت تسعة من جنود الروم بيديها في تلك المعركة العظيمة.

مكانتها في رواية الحديث

روت أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم 81 حديثًا، وكان لها دور كبير في نقل تعاليم الإسلام إلى النساء، خاصة فيما يتعلق بأحكام النساء وأمور الحياة الزوجية. من بين الأحاديث التي روتها عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدًا، ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتًا في الجنة".

وفاتها وإرثها العظيم

عاشت أسماء بنت يزيد حياة مليئة بالعطاء والجهاد والتعليم، وكانت مثالًا يُحتذى به في الصبر والثبات والعلم والعمل. ويُقال إنها توفيت في سنة 70 هـ في بلاد الشام، تاركة خلفها إرثًا عظيمًا من المواقف والبطولات والدروس التي تستحق أن تُروى للأجيال.

الدروس المستفادة من حياة أسماء بنت يزيد

  1. المرأة تستطيع أن توازن بين دورها في بيتها وبين دورها في المجتمع، فقد كانت أسماء مثالًا في حسن التبعل لزوجها، كما كانت مثالًا في الجهاد والخطابة والتعليم.
  2. طلب العلم والسؤال عن أمور الدين من علامات الفهم العميق، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن دور النساء في الإسلام، فكانت سببًا في توضيح مكانة المرأة ودورها العظيم.
  3. الصبر عند المصائب من علامات الإيمان الحقيقي، فقد فقدت أسماء ثلاثة من أقرب الناس إليها في يوم واحد، ومع ذلك صبرت واحتسبت.
  4. الشجاعة ليست حكرًا على الرجال، فقد كانت لها مواقف بطولية في معارك الإسلام، لا تقل فيها عن شجاعة الرجال.
  1. حسن الخلق والقدرة على التأثير باللسان سلاح قوي في نشر الدعوة، فقد لقبت بخطيبة النساء بسبب بلاغتها وقوة حجتها.


الأربعاء، 29 يناير 2025

العراق والقبائل العربية: نظرة على أكبر العشائر في مختلف المحافظات

اكبر عشر قبائل في كل محافظة عراقية


يعد العراق موطنًا للعديد من القبائل العربية العريقة التي تمتد جذورها إلى قرون طويلة، حيث لعبت هذه القبائل دورًا بارزًا في التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد. وتنتشر القبائل في مختلف المحافظات، ولكل منها تاريخها وتأثيرها في المجتمع المحلي. فيما يلي قائمة بأكبر القبائل في كل محافظة، مع نبذة عن طبيعة كل محافظة وتركيبتها القبلية. 


محافظة بغداد

بغداد عاصمة العراق وأكبر مدنه، وتضم العديد من القبائل ذات التأثير السياسي والاجتماعي.

أكبر القبائل في بغداد:

1. قبيلة بني لام

2. قبيلة زبيد

3. قبيلة بني هاشم

4. قبيلة طيء

5. قبيلة قيس

6. قبيلة خزرج

7. قبيلة كنانة

8. قبيلة بني كعب

9. قبيلة بني عقبة

10. قبيلة بني أسد


محافظة واسط

تقع محافظة واسط في وسط العراق، وتتميز بأراضيها الزراعية الخصبة لوقوعها على نهر دجلة، كما أنها تُعد نقطة ربط بين الجنوب والوسط. تسكنها العديد من القبائل العربية التي تمتد جذورها إلى العصور الإسلامية الأولى.

أكبر القبائل في واسط:

1. قبيلة بني لام

2. قبيلة ربيعة

3. قبيلة كريش

4. قبيلة مياح

5. قبيلة السادة

6. قبيلة عقبة

7. قبيلة عكيل

8. قبيلة كعب

9. قبيلة زبيد

10. قبيلة خفاجة


محافظة نينوى (الموصل)

تُعرف الموصل بأنها ثاني أكبر مدينة في العراق، وتضم تنوعًا سكانيًا واسعًا من العرب والأكراد والأقليات الأخرى. تعد القبائل العربية جزءًا رئيسيًا من نسيجها الاجتماعي، حيث تمتلك تاريخًا طويلًا في المنطقة.

أكبر القبائل في الموصل:

1. قبيلة النعيم 

2. قبيلة فضول بني لام

3. قبيلة الجبور

4. قبيلة عنزة

5. قبيلة الحديديين

6. قبيلة الجحيش

7. قبيلة البو حمدان

8. قبيلة السبعاويين

9. قبيلة الحياليين

10. قبيلة البو بدران


محافظة صلاح الدين

تشتهر محافظة صلاح الدين بتاريخها العريق، حيث إنها مسقط رأس القائد صلاح الدين الأيوبي. تضم العديد من القبائل التي لعبت دورًا مهمًا في تاريخ العراق السياسي والاجتماعي.

أكبر القبائل في صلاح الدين:

1. قبيلة الجبور

2. قبيلة الخزرج

3. قبيلة بني تميم

4. قبيلة طيء

5. قبيلة اللهيب

6. قبيلة جيس

7. قبيلة النعيم

8. قبيلة العزة

9. قبيلة العبيد

10. قبيلة شمر


محافظة الديوانية

تقع في جنوب العراق، وتتميز بأراضيها الزراعية الخصبة، حيث يعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي. تعد القبائل العربية عنصرًا أساسيًا في تركيبتها السكانية.

أكبر القبائل في الديوانية:

1. قبيلة خزاعة

2. قبيلة بني لام

3. قبيلة آل شبل

4. قبيلة آل بدير

5. قبيلة خفاجة

6. السادة الميال

7. العوابد

8. بني سلامة

9. قبيلة الجبور

10. قبيلة بني خالد


محافظة النجف

تعتبر النجف مركزًا دينيًا مهمًا، حيث تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب. تسكنها العديد من القبائل العربية العريقة التي ساهمت في تاريخها الديني والاجتماعي.

أكبر القبائل في النجف:

1. قبيلة بني حسن

2. قبيلة آل شبل

3. قبيلة بني لام

4. قبيلة طيء

5. الأشراف بمسمياتهم

6. قبيلة الغزالات

7. قبيلة آل فتلة

8. قبيلة الكلابيين

9. قبيلة بني طرف

10. قبيلة الزرفات


محافظة المثنى

تقع المثنى في الجنوب، وتشتهر بحلفي بني حجيم وبني زريج، اللذين يضمان العديد من القبائل الكبيرة. يعتمد سكانها على الزراعة والرعي.

أكبر القبائل في المثنى:

1. قبيلة بني رزيح

2. قبيلة بني لام

3. قبيلة قيس

4. قبيلة طيء

5. قبيلة عنزة

6. قبيلة غزية

7. قبيلة البدور

8. السادة آل ياسر

9. قبيلة خفاجة

10. قبيلة آل حافظ


محافظة الأنبار

تُعد الأنبار أكبر محافظة في العراق من حيث المساحة، وتتميز بطابعها العشائري القوي، حيث تسكنها قبائل عربية أصيلة.

أكبر القبائل في الأنبار:

1. قبيلة دليم

2. قبيلة فضول بني لام

3. قبيلة البو عيسى

4. قبيلة جميلة

5. قبيلة عنزة

6. قبيلة الجغايفة

7. قبيلة الكبيسات

8. قبيلة راوة

9. قبيلة الموالي

10. قبيلة الغساسنة


محافظة ديالى

تتميز ديالى بتنوعها السكاني بين العرب والكرد والتركمان، وتنتشر فيها العديد من القبائل العربية ذات التاريخ العريق.

أكبر القبائل في ديالى:

1. قبيلة بني تميم

2. قبيلة العزة

3. قبيلة بني لام

4. قبيلة بني جميل

5. قبيلة طيء

6. قبيلة قيس

7. قبيلة القره غول

8. قبيلة عبادة

9. قبيلة بني زيد

10. قبيلة القراغول


محافظة ميسان

تقع في الجنوب الشرقي للعراق، وتشتهر بزراعة الأرز والتمور، كما أنها موطن للعديد من القبائل العريقة.

أكبر القبائل في ميسان:

1. قبيلة بني لام

2. قبيلة بني كعب

3. قبيلة السراي

4. قبيلة السواعد

5. قبيلة الفريجات

6. قبيلة البو محمد

7. قبيلة كنانة

8. قبيلة السودان

9. قبيلة البو دراج

10. قبيلة آل أزيرج


محافظة ذي قار

تعد ذي قار مهد الحضارات السومرية، كما أنها موطن للعديد من القبائل العربية الكبيرة.

أكبر القبائل في ذي قار:

1. قبيلة بني لام

2. قبيلة بني خيكان

3. قبيلة بني مالك

4. قبيلة بني سعيد

5. قبيلة الأجود

6. قبيلة آل أزيرج

7. قبيلة البدور

8. قبيلة الشويلات

9. قبيلة عبودة

10. قبيلة بني ركاب


محافظة البصرة

تعتبر البصرة الميناء الرئيسي للعراق، وهي غنية بالتنوع القبلي.

أكبر القبائل في البصرة:

1. قبيلة بني لام

2. قبيلة عبادة

3. قبيلة بني مالك

4. قبيلة كعب

5. قبيلة بني منصور

6. قبيلة بني تميم

7. قبيلة السواعد

8. قبيلة السادة

9. قبيلة الكرامشة

10. قبيلة مياح


يُعد التنوع القبلي في العراق جزءًا أساسيًا من نسيجه الاجتماعي، حيث تمتلك كل قبيلة تاريخًا عريقًا وأثرًا واضحًا في تشكيل الهوية العراقية. ورغم التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها العراق، لا تزال القبائل تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على التقاليد والقيم الاجتماعية.

فهل يمكن أن تستمر هذه القبائل في التأثير على المشهد الاجتماعي والسياسي في المستقبل، أم أن التطورات الحديثة ستؤدي إلى تراجع دورها التقليدي؟


ليلة من ليالي طهطا: كيف استقبلت المدينة الزعيم مصطفى النحاس باشا في سنة 1935 م

 


 نرجو ربط الأحزمة  لنبحر بكم الليلة في رحلة عبر الزمن لنعود الي ليلة من ليالي عام 1935م قبل 87 عام من الأن  لنرافق الزعيم مصطفى النحاس باشا في زيارتة الى  مدينة طهطا.

                       📜 في طهطا

يا لها من مدينة زاهرة أبت إلا أن نبقى فيها إلى نحو الساعة الرابعة صباحا ، فسهرنا و سهرت معنا على أروع ما تكون حماسة في الشعور و أبداعاً في الاستقبال ، و لست أبالغ إذا قولت أنه ما هجع فيها هاجع، ولا أوى إلى مخدعه نائم في تلك الليلة الساهرة ، الاي لبست طهطا فيها طهطا زخرفه وأزينت ، وأضاءت شوارعها وطرقاتها و أزدحمت بأهلها الكرام طيلة ذاك الليل الميمون.

وصلت باخرة الرئيس إلى طهطا عند الساعة العاشرة مساء أذ أخرتها الرياح الهوج في النيل إلى تلك الساعة المتأخرة ، ولم يكن وصولها إلى طهطا مباشرة لأن المدينة لا مرسى لها ، وإنما كان الوصول الى مرسى  (شطوره) الذي يبعد عن مدينة طهطا مسافة سبعة كيلو مترات ، وما أن وصلنا (شطوره) حتى رأينا شاطئها قد ازدحم بالجماهير مصفقة هاتفة حاملة المشاعل و المصابيح ، و قد أقيمت على الشاطئ أقواس النصر  ورفعت الأعلام  وأمتدت إلى مسافة طويلة على ذلك الشاطئ المبتهج المشاعل وطنية و سروراً ، ولما هم دولة الرئيس حفظه الله بمغادرة الباخرة و برفقته صاحبه الأمين ( يقصد : مكرم عبيد ) صدحت الموسيقات، و دوت الطلقات النارية ، وارتفعت أصوات الطبول و الزمور ، ورأينا في طليعة المستقبلين حضرات شيوخ تلك المنطقة ونوابها السابقين وأعضاء اللجان فيها و الأعيان و الأطباء والمحامين ...الخ الخ

وأستقل دولته السيارة بين التهليل و التكبير فأنطلقت و حولها الألوف من أهل المدينة يحوطها فرسانهم ، وتدوى حولها طلقاتهم ، ويحف بها من جميع الجهات هذا الزحام الذي وصفنا إلى أن وصل الركب الميمون إلى مدينة طهطا فأذا هي قائمة قاعدة تسقبل الزعيم أستقبالا نادر المثال ، ففي ظاهر المدينة طلبة معهدها الديني ينشدون أناشيد الترحيب ، وتلميذات مدارسها كذلك ينشدون الأناشيد، وأعضاء لجان الشبان يستقلون العربات المزينه ويسيرون في طليعة الموكب العظيم ، والزينات والأنوار تعم المدينة كلها في شكل رائع بديع   والسيدات يزغردون من نوافذ الدور ، وسيارة الرئيس وسط هذه المظاهر كلها تسير ببطء ثم  تتوقف عن المسير ، وهكذا وهكذا حتى وقف الركب عنه دار الوجيه المأسوف عليه فريد سمعان يسي فغادر الرئيس وصاحبه مكررا العزاء لآل يسي في فقيدكم ، وواصل الركب سيره تحط به الألوف الى دار حضرة الوجيه الكماندور سابا يسي ملبياً الدعوة لتناول العشاء مع وجهاء المدينة وصفوة رجالها في مقصف فاخر أعده الأستاذ سابا لنحو مائتين من المدعوين:

    وبعد العشاء تفضل دولته فأجاب رجاء لجنة الوفد في زيارة بعض أصحاب البيوتات الكريمة في مدينة طهطا ، وأستقل دولته العربة المعدة لركوبه وأحاطه شبان المدينة بالعربة يخففون من هول الزحام عنها حتى وصل الركب إلى دار حضرة الحسيب النسيب أحمد عابدين الشريف نقيب أشراف مديرية جرجا فزاره دولة الرئيس و الأستاذ مكرم بين الترحيب و الأجلال ، ثم قصد الركب الى دار حضرة الأستاذ الفاضل رافع محمد رافع المحامي وعضو نقابة المحامين فزاره الرئيس وسط عاصفة من الحفاوة أحاطت بدولته هناك ، ثم زار دولته بعد ذلك مسجد السيد أبي القاسم ، فدار حضرة الشيخ أحمد عبد الرحيم رئيس لجنة الوفد الفرعية بطهطا ، فدار حضرة صاحب العزة عبد العزيز بك الأنصاري ، فدار حضرة الحسيب النسيب السيد  محمود عنبر مدير معهد طهطا الديني وعضو مجلس مديرية جرجا سابقاً وقد حفلت دار فضيلته بطلابه و تلاميذه ومحبيه العديدين بطهطا و كاد الرجل يطير فرحاً و سروراً و أغتباطاً بزيارة الرئيس و صحابه مكرم لداره ، دار العلم و الفضل التي يحبها الرئيس كما يحبها الطهطاويون و يتبركون بالحج اليها ، وقد ألقى السيد محمود عنبر كلمة ترحيب بالرئيس بليغة وألقى نجله العزيز قصيدة رقيقة الأبيات تعبر عن سرور أهل البيت الكريم بزيارة الزعيم العظيم ، ثم زار دولته دار حضرة علي أفندي إبراهيم المحلاوي عضو مجلس مدرية جرجا السابق فدار حضرة السيد فتحي رفاعة حفيد المغفور له رفاعه بك رافع الطهطاري  أحد أئمة النهضة العلمية في مصر ، ثم زار دولته دار  آل الببلاوي لتحلية أسرة المغفور له ويصا واصف بك ، فدار حضرة الوجيه الشيخ سيد عثمان رئيس لجنة الوفد بناحية نزلة عمارة  حيث قدم لدولته الشاي في مقصف أعد لنحو مائة من أعيان المدينة و تجارها وعمد البلاد المجاورة ، وقد رحب حضرة صاحب الفضيلة الشيخ أحمد خليل أبو سديرة عضو مجلس النواب الأسبق بدولة الرئيس الجليل في كلمة بليغة ألقاها بالنيابة عن صاحب الدار ، وقصد بعد ذلك دولته السرادق الفخم الفسيح الذي أقامته لجنة الوفد ولجنة الشبان الوفديين وعج بالألوف لتحية زعيم الأمة و صاحبه الأمين  فما إن دخل دولته السرادق حتى عصفت عواصف التصفيق الحاد و الهتاف الصاعد   ووصل الرئيس وصحبه و سط ضجة عالية من التحيات المباركات ، و لما أستقر بدولته المقام وقف حضرة الأستاذ سابا يسي عضو مجلس النواب الأسبق عن مدينة طهطا وألقى بين يدي دولته كلمة ترحيب قيمة بالنيابة عن أهل طهطا و البلاد المجاورة لها ، و تلاه حضرة الأستاذ رافع محمد رافع المحامي فألقى كلمة حماسية أعرب فيها عن مشاعر الطهطاويين وصادق ولائهم ، ثم وقف صاحب حضرة الفضيلة محمود عنبر مدير معهد طهطا الديني فألقى خطبة شائقة ملئت بآيات الأخلاص الذي تنطوي عليه جرائح الشيخ ، وتلاه حضرة الأستاذ فؤاد نجيب المحامي فألقى كلمة بليغة.


المراجع

📖 كتاب (الزعيم في الصعيد ١٩٣٥)  حسني عبد الحميد _ ص ١٠١ إلى ١٠٣ تاريخ النشر عام 1936م.

الأحد، 26 يناير 2025

تاريخ جرجا: علماء، شيوخ، وأمراء على مر العصور

كانت مديرية جرجا مركزًا حضاريًا بارزًا في صعيد مصر، حيث جمعت بين الأهمية الإدارية والاقتصادية والدينية. إلى جانب دورها في إدارة شؤون الإقليم


 كانت مديرية جرجا مركزًا حضاريًا بارزًا في صعيد مصر، حيث جمعت بين الأهمية الإدارية والاقتصادية والدينية. إلى جانب دورها في إدارة شؤون الإقليم، برزت جرجا كمنارة للعلم والثقافة، بفضل العلماء والمشايخ الذين أسهموا في نشر التعليم الديني والعلوم الشرعية. ومع ذلك، تأثرت هذه المنطقة بفترات من التدهور الإداري والمالي، مما دفع السلطان برقوق إلى اتخاذ خطوات جادة لإصلاح أوضاعها. كما لعبت جرجا دورًا محوريًا في مقاومة الاحتلال الفرنسي، حيث انضمت قبائلها وعلماؤها إلى صفوف المجاهدين دفاعًا عن الدين والوطن.

و جاء عن جرجا وعلماءها من السادة الأشراف والسادة الانصار مثل الشيخ خالد الأنصارى الأزهرى والشيخ الشريف محمد المصرى والشيخ الاصيلى والشيخ عبدالجواد وغيرهم  وذكر انزال الظاهر برقوق الهواره إليها بعد واقعه بدر بن سلام وحكم هواره لفترات من الزمن لجرجا وذكرنسبهم وسبب منعهم عنها بعد انتشار ظلمهم وجورهم على الشعب  وذكر اول من تولى منهم الأمير  اسماعيل بن مازن الذى قتله  على بن غريب من هواره وذكر أن توليهم كان مقابل التزامهم بجمع الغلال والجبايات من الشعب للسلطان 


"نقدم لكم نصًا عن تراجم علماء وأعيان مديرية جرجا، الذين ساهموا في جعلها منارة للعلم والثقافة ومركزًا حضاريًا بارزًا في صعيد مصر، حيث جمعوا بين الريادة الدينية والإدارية، وواجهوا التحديات بخدمة المجتمع وتعزيز التعليم الشرعي."


 ======= { النص } ======

( جرجا ) مدينة قديمة بالصعيد على الشاطئ الغربي للبحر الاعظم قبلى أسيوط بمسافة يومين وهى بجيم فراء مهملة فجيم فألف مقصورة كما هو المتعارف بين العامة وفي بعض كتب الافرنج انها أخذت هذا الاسم من اسم ماري جرجس أحد مقدسى النصارى والذي في كتب التواريخ والوثائق القديمة انها دجرجا بدال مهملة قبل الجيم قال في مراصد الاطلاع دجرجا بفتح الدال المهملة فكسر الجيم فسكون الراء فجيم  فألف بلدة بالصعيد انتهى وهى من أشهر مدن الصعيد سيما في الازمان السابقة فانها كانت مدينة الصعيد قبل شهرة أسيوط وهى رأس مديريتها وان كان ديوان المديرية انتقل الآن الى سوهاج لكن الاسم لم يزل لجرجا وبها عدة جوامع نحو العشرين تشبه جوامع القاهرة منها جامع كانت حيطانه بالقيشاني ويعرف بجامع الصينى ومنها جامع يعرف بالجامع المعلق تحته حوانيت يباع فيها العطريات ونحوها و بها جميع أنواع المتاجر المصرية والاروباوية والسودانية والحجازية وغيرها وبها عدة أسواق وحوانيت وخانات وقهاوى وخمارات و حمام ودورها مبنية غالبا بالطوب الاحمر والبياض والزجاج على طبقتين وثلاثة وبها عدة مخابز منها مخبز للبقسماط الابيض كان يأخذ منه الحجاج وقت ان كانوا يكثرون سلوك طريق القصير وكان ذلك من أسباب ثروتها ومن حين قلة سلوك هذه الطريق نقصت شهرتها وبها من قديم الزمان صنائع شتى مثل صنعة الجلود تعمل منها مخدات نفيسة  وسفر الاكل برسومات متنوعة وصنعة النجارة في غاية الدقة والاتقان وأكثر أهل هذه الصنعة أقباط وفي زمن العزيز محمد على كان قد توجه عليها البحر فأكل أكثرها وذهب في ذلك كثير من الجوامع الفاخرة والقيساريات والحمامات والدور والخانات وفي زمن الخديوى اسماعيل باشا عملت لها الطريقة المستلزمة لحفظها فرمى في ذلك المحل مقدار عظيم من الدبش فتحول البحر عنها وهي مشهورة بالعلماء الاعلام من قديم الزمان ما بين مؤلف و مدرس و قاض و مفت و من علمائها كما فى الضوء اللامع الشيخ خالد بن عبدالله بن أبي بكر الشافعى النحوى المعروف بالوقاد ولد تقريبا سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بهذه البلدة وتحول وهو طفل مع أبيه الى القاهرة فقرأ القرآن وفقه الشافعي والعربية والمنطق والاصول ومن مشايخه الشمني والمناوى والجوجرى والعجلوني ولازم تغري بردي القادري فقرره في المسجد الذي بناه الدوادار بخان الخليلى ومشى حاله به وبغيره قليلا ونزل فى سعيد السعداء وغيرها وشرح الآجرومية وغيرها وكتب على التوضيح لابن هشام وهو انسان خير انتهى. 

ولم يذكر تاريخ موته في النسخة التي بيدنا ومن أكبر علمائها الشيخ الأصيلي شارح متن خليل المالكى ومن ذريته الشيخ الأصيلي أحد علماء الازهر ومن أجلهم أيضا العمدة الفاضل والملاذ المبجل المرحوم الشيخ عبد الجواد بن محمد بن عبد الجواد الانصاري الجرجاوى من بيت الفضل والثروة مالكي الجدود كان من أهل المأثر فى إكرام الضيوف والوافدين له حسن توجه الى الله وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلوا القرآن والاحزاب وورد مصر مرار أو فى آخر عمره إنتقل إليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد فى دروس العلماء مع اكرامهم ثم توجه الى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات  فقتلوه غيلة في سنة ألف ومائتين وأربعة انتهى جبرتي وهو من عائلة بيت  الأصيلي ومن أجل علمائها أيضا شيخ المشايخ الشيخ عبد المنعم رحمه الله كان قرين اللشيخ الدردير والشيخ الامير ومعاصرا لهـما و من تلامذته العلامة الشيخ محمد المصرى المالكي كان قرينا للشيخ الأمير الصغير وكان يدرس بجرجا الكتب الكبيرة مثل المطول والاطول والبخارى والعلامة الشيخ الصاوى صاحب الحاشية على الشرح الصغير للشيخ الدردير في مذهب مالك وكان يدرس بها الفقه وغيره ومنها العالم الفاضل الشيخ اسماعيل الجرجاوى والد الشيخ حسن الجرجاوى الشهير بالقاهرة والشيخ عبد المنعم المتوفى بالقاهرة أيضا من نحو عشر سنين والى الآن بها علماء ودروس منتظمة وأشراف وأمراء مشهورون وبه اللميرى مصالح عديدة من ذلك شونة لمهمات الميرى من غلال ونحوها و ديوان المديرية بجميع لوازمه وقشلاق للعساكر والصناجق ومحل المجلس والحكيم والمهندس والمحكمة الشرعية وهى ولاية كبيرة قاضيها مأذون بتحرير الحجج وسماع الدعاوى عموما ولكن بعد انتقال المديرية الى سوهاج صار عقد بيع الاطيان ممنوعا فيها الان لا يكون  الا بحضرة المدير أو وكيله ومثلها محكمة طهطا ويقرب منهما محكمة اخميم ومحكمة برديس ومحكمة طما وكان بها فوريقة لنسج القطن من انشاء العزيز محمد على باشا استعملت مدة ثم بطلت و آثارها باقية الى الآن وكانت جرجا سابقا كثيرة العقارب والبراغيث بسبب كثرة أسباخها ورداءة هوائها وقد قل ذلك الآن بواسطة وجود الحكماء وادامة النظافة في الحارات والشوارع وازالة التلول و بها مقام الشيخ أبي عمرة شهير يزار وله جامع متسع جدا قد هدم بنية تجديده والى الان لم يجدد و كان العازم على تجديده حميد بك أبو ستيت البرديسى مدير جرجا سابقا بمعونة بعض أكابر تلك الجهة وقد منعته عن ذلك صروف الزمان وله مولد حافل كل سنة وسوقها العمومي كل يوم خميس يباع فيه كل شي سيما السمن فانه يوجد هناك كثيرا و يكون فيها رخيص او خارج البلد من الجهة القبلية وابور عمله بعض امرائها لسقى المزارع ثم تركة و أشجار وبساتين ممتدة الى قريب من برديس وفى شمالها حديقة يفصل بينها و بينها فم ترعة حوض المنشاه المشهورة بترعة العسيرات وفي غربيها ترعة الزرزورية التي فها عند ترعة الكسرة وتروى حوض الحميدى وحوض العسيرات وعرابة أبى كريشة ومن جرجا الى الجبل الغربي مسافة نحو ثلاث ساعات على جسر البربا وهي قرية صغيرة بقية بلدة قديمة كانت لها الشهرة هناك قبل ظهور مدينة جرجا و بجوار البربا من الجهة البحرية قنطرة بخمس عيون تأخذ من ترعة الزرزورية لرى حوض العرابة والعسيرات ومن البربا الى الجبل جسر يقسم حوض العربات وفي شمال مدينة جرجا ناحية بندار بأكثر من نصف ساعة فيها أبنية مشيدة لعمدتها عيسى أبي سلطان تولى الحكم مدة وفي مقابلة بندار يكون الجبل الشرقي قريبا من البحر فيرد الريح على مدينة جرجا فيغير اعتدال هوائها وعند العسيرات يقرب الجبل من البحر جدا ثم ان فى كثير من كتب التواريخ أن مدينة جرجا كانت من قديم الازمان محلا لاقامة الصناحق والأمراء وخصوصا العاصين منهم وكان حاكمها ينزل من القاهرة فيحكم فيها و في بلاد هوارة المجاورة لها و البعيدة عنها بل كان له التكلم على أهل الواحات القبلية والوادى الكبير الذي في طريق القافلة السودانية وفى رأس المائتين بعد الألف كان ذلك الوادى قليل السكان وكان حاكم جرجا يبعث اليه من طرفه من يحكمه ويجمع أمواله وكانت قبل ذلك تحت حكم مشايخ العرب كغيرها من بلاد الصعيد ففى ابن اياس أنه لما انكسر السلطان طومان باى فى وقعة المطرية التي كانت بينه و بين أبن عثمان وقتل أكثر عساكره وفره و بنفسه صعد فى الجهات القبلية حتى وصل الى جرجا و الحاكم فيها يومئذ شيخ العرب على بن عمر شيخ هوارة خرج الى السلطان طومان باى و منعه من دخولها ولم يضيفه وقال له لا نؤوى من عصى السلطان لئلا نبتلى ببلائه انتهى وكان ذلك في سنة اثنين وعشرين بعد التسعمائة وقد رأيت في كتاب لم أقف على اسمه ولا اسم مؤلفه ان أولاد عمر طالت مدة حكمهم بعد ذلك في بلاد الصعيد فان فيه انه كتب للحكام بالصعيد الأعلى في أواخر ذى الحجة سنة ۹۸۳ لولاية الباشا سليمان امين الاقليم ما صورته صدر هـذا المرسوم الى مفاخر القضاة والحكام معادن الفضل والكلام حكام الشرع الشريف بجرجا والسيوطية وقنا زيدت فضائلهم وأكابر المشايخ المعتبرين والعمال والكتاب والمباشرين يتضمن اعلامهم ليس بخاف عنهم ان مشيخة الصعيد الاعلى كانت فى تصرف أولاد العرب وضبطهم والتزامهم بالمال والغلال أبا عن جد مدة مديدة ولما حصل منهم الافعال المخالفة المترتب عليه ما تخلخل نظام الاقليم وقلة الأهتمام بالاموال السلطانية والغلال الديوانية وكثرة البواقى التي لا تعد ولا تحصر والتقصير في ضبط المال والغلال والجبايات الظاهرة وحصول الخسارة الزائدة والظلم المترادف لعامة الرعايا وكافة البرايا وكل من رأوا عنده فرسا جيدة أو عبد أنيقا أخذوه منه جبر او قهرا ولا يقدر على منعهم من ذلك كبير ولا صغير والحضرات السلطانية خلدت خلافتها تأبى ذلك وليس لها رضا بأدنى شئ من ذلك وبسبب ذلك منع واورة . وا من الأقليم ومن جملة خبث أفعالهم عدم اهتمامهم بجرف الجسور وتعطيلها وخراب القناطر وابطالها وذلك كله مما يؤدى لخراب البلاد وضررا العباد وضياع أوقاف المسلمين وتعطيل الجوامع الإسلامية والمدارس الدينية فكان منعهم ورفعهم من الاقليم فرضا لازما وعين للولاية المذكورة لاجل عمارتها وتوطين رعاياها وجرف جسورها واتقان قناطرها و حفظ الاموال السلطانية والغلال الديوانية وردع المفسدين وقطاع الطريق والسراق بمقتضى الشرع الشريف والقانون المنيف قدوة الأمراء الكرام وعمدة الكبراء الفخام ذى القدر والاحترام المخصوص بعناية الملك المنان أمير اللواء الشريف السلطاني الامير سليمان أمين ولى حكم الصعيد الاعلى دام عزه على أن يكون متصرفا في جميع ما كان يتصرف فيه أولاد عمر فلازم نفوذ كلامه وامتثال أوامره وبذل الجد والاجتهاد فى تحصيل الاموال السلطانية والغلال الديوانية على المنهج القويم والقانون المستقيم فانه حاكم الاقليم مقبول الكلام لا يخرج عنه من مصالح الاقليم ذرة كل ذلك على العوائد القديمة المعتبرة وعرف البلاد وليس بخاف عنه ما اشتملت عليه الشيم الشريفة الخاقانية من حب العدل والميل اليه وبغض الظلم وعدم الركون اليه وميل الحضرات السلطانية بالمحبة الى كل من اشتهرت أحكامه بالعدل وانتسب اليه فان الحضرات السلطانية خلدت خلافتها الا ترضى بأدنى ظلم يحصل الفرد من أفراد الرعايا فيتعين على قدوة الأمراء الكرام سليمان امين بيك الموصى اليه أن ينشر معدلته في الاقليم حتى يتصل ذلك بمسامع الحضرات السلطانية فيكون ذلك سببا له في كل خير عميم بحيث يلهج بذلك ألسنة الرعايا ومشايخ عرب هوارة وغيرهم لما نالهم من العدل والامان وعدم الجور والظلم وحسن الاطمئنان ونرجو بذلك بياض الوجه عند الحضرات السلطانية والترقى إلى أعلى درجة ينالها أصحاب الألوية الخاقانية فليبذل الجد والاجتهاد و العمل ان شاء الله تعالى بما فيه بلوغ القصد والمراد فليعتمد تحريرا انتهى وقد تكلم المقريزى فى رسالة البيان والاعراب عما بأرض مصر من الاعراب على نسب هوارة ونزولهم بناحية جرجا فة الى بعد كلام طويل والاشبه بالصواب ان  هوارة من ولد هوار بن أوريغ بن برنس بن صری بن وجبك بن مادعس بن برين بديان بن كنعان بن حام بن نوح وهوارة تتناسب بطونها وأصل ديارها من آخر عمل سرت الى طرابلس ثم قدم منهم طوائف الى أرض مصر ونزلوا بلاد البحيرة وملكوها من قبل السلطان وهوارة التي ببلاد الصعيد  أنزلهم الظاهر برقوق وأبوه المنصور منذ وقعة بدر بن سلام هناك فى سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة تخمينا بل فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة وذلك انه أقطع اسماعيل بن مازن من هوارة ناحية جرجا وكانت خرابا فعمروها وأقاموا بها حتى قتله على بن غريب فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهوارى حتى مات فولى بعده ابنه محمد المعروف بأبي السنون وهم أمره وكثرت أمواله فانه أكثر من زراعة النواحى وأقام دواليب السكر واعتصاره حتى مات فولى بعده أخوه عمر بن يوسف انتهى. 

وفى تاريخ الجبرتي انه كان بها فى شهر رجب من سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وقعة بين الفرنساوية ورجل من المغاربة يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة وحاصل ذلك انه  وردت أخبار الفرنسيس الى الديار الحجازية وانهم ملكوا مصر انزعج أهل الحجاز لذلك وصار الشيخ المذكور يعظ الناس ويدعوهم الى الجهاد و يحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ لهم كتابا م وانها في ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم واجتمع معه نحو ستمائة من المجاهدين وركبوا البحر الى القصير و انضم معهم جملة من أهل ينبع وجاؤا إلى تلك الجهة وانضم اليه أيضا جملة من هوارة الصعيد و المغاربة والاتراك والغز وحاربوا الفرنسيس بالناحية المذكورة فلم تثبت الغز كعادتهم بل انهزموا وتبعتهم هوارة الصعيد و من اجتمع معهم من القرى والبلدان وثبت أهل الحجاز ثم انكفو لقلتهم ووقع بين الحجازيين والفرنسيس بعض حروب بعدة مواضع غير هذه الناحية وينفصل الفريقان بدون طائل انتهى'' 

نقلا عن "تراجم علماء وأعيان مديرية جرجا-دجرجا".


النتائج المستخلصة

▪️ التدهور الإداري وتأثيره على العلم: أدى الفساد وسوء الإدارة إلى تراجع دور العلماء وضعف دعم المؤسسات التعليمية والدينية مثل الجوامع والمدارس.



▪️ دور السلطة المركزية: تدخل السلطان برقوق بتعيين قيادات جديدة كان هدفه إعادة بناء النظام الإداري والمالي للإقليم وتحقيق العدالة.



▪️ أهمية قبائل هوارة: لعبت قبائل هوارة دورًا بارزًا في استيطان صعيد مصر وتطويره، حيث أقطعهم السلطان أراضي في جرجا التي عمروها وزرعوها.



▪️ مشاركة القبائل في المقاومة: أظهر النص مشاركة هوارة وأهل الصعيد في مقاومة الاحتلال الفرنسي، بالتعاون مع القبائل الأخرى وأهل الحجاز، ما يعكس وعيهم السياسي والاجتماعي.



▪️ التأثير السلبي للانقسامات: رغم الجهود المبذولة للمقاومة، أدت الانقسامات بين القبائل والجماعات المشاركة إلى عدم تحقيق نتائج حاسمة ضد الفرنسيين.

▪️ دور العلماء في جرجا: كانت جرجا موطنًا للعلماء والمشايخ الذين ساهموا في تعزيز التعليم الديني ونشر العلوم الشرعية، مما أكسبها مكانة دينية وثقافية متميزة.

▪️ التكامل بين العلم والإدارة: يُبرز النص أهمية التعاون بين العلماء والقيادات الإدارية لتحقيق التنمية والاستقرار في الإقليم.


الخاتمة

كانت مديرية جرجا نموذجًا متكاملاً للتفاعل بين العلم والإدارة في صعيد مصر، حيث ساهم العلماء والمشايخ في نشر التعليم الديني وتعزيز القيم المجتمعية. وعلى الرغم من فترات التدهور التي شهدتها المنطقة، إلا أن الإصلاحات التي نفذتها السلطة المركزية أعادت لجراجا مكانتها كمركز حضاري. كما أثبت العلماء دورهم التاريخي في مواجهة الاحتلال والدفاع عن مصالح الأمة، مما يجعلهم ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار والتنمية لأي مجتمع.


قصر الحمراء: كنز إسبانيا الذي يروي تاريخ الإسلام



قصرُ الحمراء هو قصرٌ أَثري وحصن شَيَّده الملك المسلم العربي أبو عبد الله محمد الأول محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر بين 1238-1273 في مملكة غرناطة خِلالَ النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي.


 يعد الآن من أهم المعالم السياحية بأسبانيا ويقع على بعد 267 ميلًا (430 كيلومتر) جنوب مدريد. تعود بداية تشييد قصرِ الحمراء إلى القرن الرابع الهجري، الموافق للقرن العاشر الميلادي، وترجع بعض أجزائه إلى القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي. وقد أستغرق بناؤه أكثر من 150 سنة.

غرناطة 

اكتسبت شخصيتها التاريخية كمنارة للعلم وحاضنة للمعرفة، حتى غدت أكثر جامعات العالم تفرداً في عهدها، في عهد بني الأحمر بعد ذلك بقرابة القرنين من السنين.


من الصحيح أيضاً أن غرناطة بني الأحمر وحواضر عربية وإسلامية أخرى كانت حلقة الوصل المعرفية التي انتقلت بأوروبا كلها من مخاض العصور الوسطى بجهلها الشديد و قذارتها القبيحة؛ إلى عصر النهضة و التفتح و الرقي،


 لم تغب غرناطة عن وجدان العرب و المسلمين حتى يومنا هذا و ها هو الشاعر المهجري فوزي المعلوف يتوعد بعودته إليها ليثأر لأجداده 


  غرناطةٌ لعبَ الزمانُ بشملِنا 

                             وقضى القضاءُ فما لعهدك مرجعُ 


 ما أَنتِ بعد دريدَ إلّا مَهمهٌ 

                               قفر ُ  وما مغناكِ إلّا بلقعُ 


 سأعودُ لكن كالصواعقِ حاملاً 

                             ناراً تصُبُّ على بنيك فتَصرعُ 


 متحفِّزاً للثأر وحشا ً ضارياً 

                              يحلُو لهُ كرع ُ الدماءِ فيكرعُ” 


واللافت في أمر هذه القصيدة، التي كُتبت في عهد الاستعمار الفرنسي، أمران: 

يتمثل الأول في الردّ على الاحتلال الناشئ في أرض الوطن بـ “عودة” إلى “غرناطة” التي أُخرج منها العرب حتى لو كانت امرأة محلوم بها وليست وطنا أو مدينة إنما ينبغي استعادتها.. 


الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضها

                         والزركشات على السقوف تنادي 


  قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا

                           فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي  


 عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها 

                          رجلاً يسمـى “طـارق بن زياد”   

(* نذار قباني)


 من سِمات العمارة الإسلامية الواضحة في أبنية القصر؛ استخدام العناصر الزُخرفية الرقيقة في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية، بل حتى بعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء كابن زمرك، وتحيط بها زخارف من الجص الملون الذي يكسو الجدران، وبلاطات القيشاني الملون ذات النقوش الهندسية، التي تغطي الأجزاء السفلى من الجدران.


في سنة 2007، اُخْتِيرَ قصرُ الحمراء ضِمن قائمة كنوز إسبانيا الإثنى عشر في استفتاءٍ صوّت فيه أكثر من تسعة آلاف شخص.


ثمة خلاف بشأن سبب تسمية هذا المعلم البارز باسم قصر الحمراء، فهناك من يرى أنه مشتق من بني الأحمر، وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 629 -897 هـ / 1232 - 1492م، 


بينما يرى آخرون أن التسمية تعود إلى التربة الحمراء التي يمتاز بها التل الذي تم تشييده عليها. من التفسيرات الأخرى للتسمية أن بعض القلاع المجاورة لقصر الحمراء كان يُعرف منذ نهاية القرن الثالث الهجري، الموافق للقرن التاسع الميلادي؛ باسم المدينة الحمراء.


بدايةً لم يكن قصرُ الحمراء سوى جزءا من مدينةِ الحمراء أو "قصبة الحمراء" التي تشمل قصر الحاكم والقلعة التي تحميه. وكانت مباني دور الوزراء والحاشية تتطور مع الوقت حتى غدت قاعدة ملكية حصينة.


لما دخل القائد العربي أبو عبد الله محمد الأول غرناطة والمعروف أيضا باسم محمد بن نصر والملقب بالأحمر،نسبة للون لحيته الحمراء حكم غرناطة، بعد سقوط الدولة الموحدية، رحب به الشعب بهتافات :مرحبا بك يا أيها المنتصر، والذي أجاب: لا غالب اليوم إلا الله، وهذا هو الشعار المكتوب في جميع أنحاء الحمراء.


أنشأ سورًا منيعًا حول الهضبة التي قامت عليها "قلعة الحمراء"، وبنى داخل هذا السور قصرًا أو مركز حكومته، وسميت القلعة "القصبة الحمراء"، وصار قصر الحمراء جزءًا منها، وغدت معقل غرناطة الهام.


في أواخر القرن السابع الهجري، أنشأ محمد بن محمد بن الأحمر الغالب بالله ـ ثاني سلاطين غرناطة ـ مباني الحصن الجديد والقصر الملكي، ثم أنشأ ولده (محمد) في جوار القصر مسجدًا قامت محلّه فيما بعد (كنيسة سانتاماريا )


تم الانتهاء من بناء المسجد قبل نهاية حكم المسلمين في الأندلس؛ 


بني على يد يوسف الأول (1333-1353)م (7333-754) هجري ومحمد الخامس سلطان غرناطة (1353-1391) ميلادي (754-7922) هجري مع انقطاع بين سنتي 760 و763 خُلع خلالهما عن الحكم، ثم عاد إليه مجددًا ليبدأ في المرحلة الثانية من حكمه أهم التطويرات، ويكتب أغلب الأشعار التي يزدان بها القصر.


🔹 هذه القصيدة مما يزين بها نقوش القصر : 


ألهِمْ جَنانَ مُحِبٍّ قدْ سَمَا بِهوًى      

                            يَسقِيْ رُبوعَكَ إنْ ناديتَ تَحْنانا


اُسْكُنْ بقلبِ كَسيرٍ قدْ رَأى نُزُلاً    

                            مِن النَّعيمِ بأرضِ الغَربِ وَلْهَانا


في أرضِ أندلُسٍ قد قمتَ مفتخِراً      

                          تَسْبِيْ العيونَ ، تَفُوقُ الوَصفَ أحْيَانا


فِيْكَ الأزاهيرُ والأشْجَارُ في وَلَهٍ    

                          والماءُ يُرخِيْ سُدُوْلَ العطفِ مُزْدَانا


أحجارُكَ الغُرُّ تَبدوْ وهْيَ قائمةٌُ 

                           تِيجانَ عِزٍّ عَلَتْ بالمجدِ أَكوانا


فِيكَ النسائمُ تَهفوْ في خمائلِها    

                               آياتُ عشقٍ تُثيرُ الوَجْدَ ألوانا


حتّى اللياليْ غدَتْ فجْرًا مُزغردةً    

                          معَ المَداخِلِ أسرارًا وأشجانا


فاشمَخْ بأرضٍ سَبَاها الكُفر، مُنتصراً، 

                         بَشِّرهُمُ بقُدُومِ النُّورِ طُوْفانا


طوفانَ حقٍّ يُعيدُ المجدَ، يَصنَعُهُ 

                        لدينِ حقٍّ تَسامَى في حَنايانا


لا تَبْكِ إنّ بَهيمَ الليلِ يُشعِرُنا

                         أنّ الصَّباحَ سيعلُوْ الأُفْقَ إيذانا


.. إنْ كان عندهُمُ زَيفٌ فإنَّ لَنا 

                          للدِّينِ جَيشًا وأنصاراً وأعوانا


آتُونَ نُحْييْ لكَ الآمالَ نُرْجِعُها

                        كَيْمَا نُسَطِّرَ فيكَ المجدَ عُنوانا


نَقولَُ لِلكَونِ -فلْيَشْهَدْ مآثرَنا-: 

                           هذِيْ سِمَاتُ جُنودِ اللهِ بُرهانا


فاللهُ أعطَى وُعُودَ النصرِ كاملةً 

                         للمُتّقينَ.. ونَصرُ اللهِ قَدْ حَانا