نرجو ربط الأحزمة لنبحر بكم الليلة في رحلة عبر الزمن لنعود الي ليلة من ليالي عام 1935م قبل 87 عام من الأن لنرافق الزعيم مصطفى النحاس باشا في زيارتة الى مدينة طهطا.
📜 في طهطا
يا لها من مدينة زاهرة أبت إلا أن نبقى فيها إلى نحو الساعة الرابعة صباحا ، فسهرنا و سهرت معنا على أروع ما تكون حماسة في الشعور و أبداعاً في الاستقبال ، و لست أبالغ إذا قولت أنه ما هجع فيها هاجع، ولا أوى إلى مخدعه نائم في تلك الليلة الساهرة ، الاي لبست طهطا فيها طهطا زخرفه وأزينت ، وأضاءت شوارعها وطرقاتها و أزدحمت بأهلها الكرام طيلة ذاك الليل الميمون.
وصلت باخرة الرئيس إلى طهطا عند الساعة العاشرة مساء أذ أخرتها الرياح الهوج في النيل إلى تلك الساعة المتأخرة ، ولم يكن وصولها إلى طهطا مباشرة لأن المدينة لا مرسى لها ، وإنما كان الوصول الى مرسى (شطوره) الذي يبعد عن مدينة طهطا مسافة سبعة كيلو مترات ، وما أن وصلنا (شطوره) حتى رأينا شاطئها قد ازدحم بالجماهير مصفقة هاتفة حاملة المشاعل و المصابيح ، و قد أقيمت على الشاطئ أقواس النصر ورفعت الأعلام وأمتدت إلى مسافة طويلة على ذلك الشاطئ المبتهج المشاعل وطنية و سروراً ، ولما هم دولة الرئيس حفظه الله بمغادرة الباخرة و برفقته صاحبه الأمين ( يقصد : مكرم عبيد ) صدحت الموسيقات، و دوت الطلقات النارية ، وارتفعت أصوات الطبول و الزمور ، ورأينا في طليعة المستقبلين حضرات شيوخ تلك المنطقة ونوابها السابقين وأعضاء اللجان فيها و الأعيان و الأطباء والمحامين ...الخ الخ
وأستقل دولته السيارة بين التهليل و التكبير فأنطلقت و حولها الألوف من أهل المدينة يحوطها فرسانهم ، وتدوى حولها طلقاتهم ، ويحف بها من جميع الجهات هذا الزحام الذي وصفنا إلى أن وصل الركب الميمون إلى مدينة طهطا فأذا هي قائمة قاعدة تسقبل الزعيم أستقبالا نادر المثال ، ففي ظاهر المدينة طلبة معهدها الديني ينشدون أناشيد الترحيب ، وتلميذات مدارسها كذلك ينشدون الأناشيد، وأعضاء لجان الشبان يستقلون العربات المزينه ويسيرون في طليعة الموكب العظيم ، والزينات والأنوار تعم المدينة كلها في شكل رائع بديع والسيدات يزغردون من نوافذ الدور ، وسيارة الرئيس وسط هذه المظاهر كلها تسير ببطء ثم تتوقف عن المسير ، وهكذا وهكذا حتى وقف الركب عنه دار الوجيه المأسوف عليه فريد سمعان يسي فغادر الرئيس وصاحبه مكررا العزاء لآل يسي في فقيدكم ، وواصل الركب سيره تحط به الألوف الى دار حضرة الوجيه الكماندور سابا يسي ملبياً الدعوة لتناول العشاء مع وجهاء المدينة وصفوة رجالها في مقصف فاخر أعده الأستاذ سابا لنحو مائتين من المدعوين:
وبعد العشاء تفضل دولته فأجاب رجاء لجنة الوفد في زيارة بعض أصحاب البيوتات الكريمة في مدينة طهطا ، وأستقل دولته العربة المعدة لركوبه وأحاطه شبان المدينة بالعربة يخففون من هول الزحام عنها حتى وصل الركب إلى دار حضرة الحسيب النسيب أحمد عابدين الشريف نقيب أشراف مديرية جرجا فزاره دولة الرئيس و الأستاذ مكرم بين الترحيب و الأجلال ، ثم قصد الركب الى دار حضرة الأستاذ الفاضل رافع محمد رافع المحامي وعضو نقابة المحامين فزاره الرئيس وسط عاصفة من الحفاوة أحاطت بدولته هناك ، ثم زار دولته بعد ذلك مسجد السيد أبي القاسم ، فدار حضرة الشيخ أحمد عبد الرحيم رئيس لجنة الوفد الفرعية بطهطا ، فدار حضرة صاحب العزة عبد العزيز بك الأنصاري ، فدار حضرة الحسيب النسيب السيد محمود عنبر مدير معهد طهطا الديني وعضو مجلس مديرية جرجا سابقاً وقد حفلت دار فضيلته بطلابه و تلاميذه ومحبيه العديدين بطهطا و كاد الرجل يطير فرحاً و سروراً و أغتباطاً بزيارة الرئيس و صحابه مكرم لداره ، دار العلم و الفضل التي يحبها الرئيس كما يحبها الطهطاويون و يتبركون بالحج اليها ، وقد ألقى السيد محمود عنبر كلمة ترحيب بالرئيس بليغة وألقى نجله العزيز قصيدة رقيقة الأبيات تعبر عن سرور أهل البيت الكريم بزيارة الزعيم العظيم ، ثم زار دولته دار حضرة علي أفندي إبراهيم المحلاوي عضو مجلس مدرية جرجا السابق فدار حضرة السيد فتحي رفاعة حفيد المغفور له رفاعه بك رافع الطهطاري أحد أئمة النهضة العلمية في مصر ، ثم زار دولته دار آل الببلاوي لتحلية أسرة المغفور له ويصا واصف بك ، فدار حضرة الوجيه الشيخ سيد عثمان رئيس لجنة الوفد بناحية نزلة عمارة حيث قدم لدولته الشاي في مقصف أعد لنحو مائة من أعيان المدينة و تجارها وعمد البلاد المجاورة ، وقد رحب حضرة صاحب الفضيلة الشيخ أحمد خليل أبو سديرة عضو مجلس النواب الأسبق بدولة الرئيس الجليل في كلمة بليغة ألقاها بالنيابة عن صاحب الدار ، وقصد بعد ذلك دولته السرادق الفخم الفسيح الذي أقامته لجنة الوفد ولجنة الشبان الوفديين وعج بالألوف لتحية زعيم الأمة و صاحبه الأمين فما إن دخل دولته السرادق حتى عصفت عواصف التصفيق الحاد و الهتاف الصاعد ووصل الرئيس وصحبه و سط ضجة عالية من التحيات المباركات ، و لما أستقر بدولته المقام وقف حضرة الأستاذ سابا يسي عضو مجلس النواب الأسبق عن مدينة طهطا وألقى بين يدي دولته كلمة ترحيب قيمة بالنيابة عن أهل طهطا و البلاد المجاورة لها ، و تلاه حضرة الأستاذ رافع محمد رافع المحامي فألقى كلمة حماسية أعرب فيها عن مشاعر الطهطاويين وصادق ولائهم ، ثم وقف صاحب حضرة الفضيلة محمود عنبر مدير معهد طهطا الديني فألقى خطبة شائقة ملئت بآيات الأخلاص الذي تنطوي عليه جرائح الشيخ ، وتلاه حضرة الأستاذ فؤاد نجيب المحامي فألقى كلمة بليغة.
المراجع
📖 كتاب (الزعيم في الصعيد ١٩٣٥) حسني عبد الحميد _ ص ١٠١ إلى ١٠٣ تاريخ النشر عام 1936م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك