الخميس، 30 يناير 2025

أسماء بنت يزيد الأنصارية .. المرأة التي سألَت فأجابت عنها السماء

 


قدوة النساء: ليت المسلمات يفهمن قول النبي لها

("افهمي، أيتها المرأة، وأَعْلِمى مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها وطلَبها مرضاته واتباعَها موافقته يَعْدِل ذلك كلّه")

إنها الصحابية الجليلة أسماء بنت يزيد الأنصارية، التي عرفت بفصاحتها وجرأتها، حتى لقبت بـ "خطيبة النساء"، وكانت نموذجًا للمرأة المسلمة التي توازن بين دورها في الأسرة ودورها في المجتمع. لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت صاحبة عقل راجح ولسان فصيح وقلب شجاع، سخرت كل ذلك في خدمة الإسلام والدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة وإيمان.

نشأتها وإسلامها

ولدت أسماء بنت يزيد في بيئة أنصارية مميزة، حيث كانت عائلتها من أوائل من أسلموا من المدينة المنورة. كانت من أسرة كريمة شريفة، عرفت بالإيمان والتضحية في سبيل الله. نشأت على حب الإسلام منذ نعومة أظافرها، وما إن أشرقت شمس الهجرة حتى كانت من أولى النساء اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان، تلك البيعة العظيمة التي شهدت على صدق إيمان الصحابة والصحابيات الذين جددوا عهدهم مع رسول الله على التضحية في سبيل الله.

الابتلاء والصبر

رغم أن أسرتها كانت مسلمة، إلا أن ذلك لم يمنعها من مواجهة المحن والابتلاءات، فقد فقدت في يوم واحد والدها يزيد بن السكن، وعمها زياد بن السكن، وأخيها عامر بن يزيد في معركة أحد، حيث استشهدوا جميعًا في سبيل الدفاع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عندما جاءها الخبر، لم تَجْزَع ولم تنهَر، بل وقفت موقفًا بطوليًا لا يصدر إلا عن قلب امتلأ بالإيمان واليقين، وكان أول ما تفوهت به عندما رأت النبي صلى الله عليه وسلم سالمًا: "كل مصيبة بعدك جلل"، أي أن كل مصيبة تهون ما دام رسول الله بخير.

فصاحتها وحكمتها: خطيبة النساء

عرفت أسماء بنت يزيد بذكائها وبلاغتها، وكانت لا تتردد في طرح الأسئلة التي تعكس وعيها وحرصها على تعلم أمور الدين، حتى إنها جاءت ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت:

"يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضي شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجًا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير؟"

فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟"، ثم التفت إليها وقال: "افهمي، أيتها المرأة، وأَعْلِمى مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها وطلَبها مرضاته واتباعَها موافقته يَعْدِل ذلك كلّه".

أول معتدة في الإسلام

لم يقتصر دور أسماء على الخطابة والتعليم فقط، بل كانت أيضًا صاحبة سبق في التشريعات الإسلامية، حيث كانت أول امرأة يطبق عليها حكم العدة في الإسلام. فقد روت أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هناك حكم واضح لعدة المطلقة، فأنزل الله تعالى قوله في سورة البقرة: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، وهكذا أصبحت أول امرأة تعتد وفق هذا الحكم الشرعي.

دورها في الجهاد

لم يكن اهتمام أسماء بنت يزيد بالعلم والخطابة فقط، بل كانت أيضًا مجاهدة شجاعة، شاركت في غزوات كثيرة مثل غزوة الخندق، وخيبر، والحديبية، ولكن دورها الأبرز كان في معركة اليرموك، حيث لم تكتفِ بمداواة الجرحى وسقاية العطشى، بل حملت عمود خيمة واستخدمته في قتال الأعداء، حتى قيل إنها قتلت تسعة من جنود الروم بيديها في تلك المعركة العظيمة.

مكانتها في رواية الحديث

روت أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم 81 حديثًا، وكان لها دور كبير في نقل تعاليم الإسلام إلى النساء، خاصة فيما يتعلق بأحكام النساء وأمور الحياة الزوجية. من بين الأحاديث التي روتها عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدًا، ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتًا في الجنة".

وفاتها وإرثها العظيم

عاشت أسماء بنت يزيد حياة مليئة بالعطاء والجهاد والتعليم، وكانت مثالًا يُحتذى به في الصبر والثبات والعلم والعمل. ويُقال إنها توفيت في سنة 70 هـ في بلاد الشام، تاركة خلفها إرثًا عظيمًا من المواقف والبطولات والدروس التي تستحق أن تُروى للأجيال.

الدروس المستفادة من حياة أسماء بنت يزيد

  1. المرأة تستطيع أن توازن بين دورها في بيتها وبين دورها في المجتمع، فقد كانت أسماء مثالًا في حسن التبعل لزوجها، كما كانت مثالًا في الجهاد والخطابة والتعليم.
  2. طلب العلم والسؤال عن أمور الدين من علامات الفهم العميق، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن دور النساء في الإسلام، فكانت سببًا في توضيح مكانة المرأة ودورها العظيم.
  3. الصبر عند المصائب من علامات الإيمان الحقيقي، فقد فقدت أسماء ثلاثة من أقرب الناس إليها في يوم واحد، ومع ذلك صبرت واحتسبت.
  4. الشجاعة ليست حكرًا على الرجال، فقد كانت لها مواقف بطولية في معارك الإسلام، لا تقل فيها عن شجاعة الرجال.
  1. حسن الخلق والقدرة على التأثير باللسان سلاح قوي في نشر الدعوة، فقد لقبت بخطيبة النساء بسبب بلاغتها وقوة حجتها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك