صور النادرة من مجلة "نور الإسلام" التي توثق هذا الصلح التاريخي بين الأشراف والحميدات |
تُعَدُّ محافظة قنا من أهم مناطق الصعيد المصري، حيث تلتقي فيها العديد من القبائل العربية العريقة التي تميزت بتاريخ طويل من النزاعات والصراعات، ولكن أيضًا من محاولات التعايش السلمي والصلح بين القبائل المختلفة. من بين هذه القبائل، تبرز قبيلتا الأشراف والحميدات، اللتان تتمتعان بتاريخ طويل وعميق في المنطقة، تخللته العديد من الأزمات والصراعات التي كان لها تأثير كبير في الحياة الاجتماعية والسياسية في قنا. في هذا المقال، نستعرض تاريخ الصراع بين هاتين القبيلتين، بالإضافة إلى محاولات الصلح بينهما وكيفية تعزيز قيم الصلح في ضوء تعاليم الإسلام.
نسب قبيلة الأشراف في قنا
قبيلة الأشراف في قنا تعتبر من أكبر وأهم القبائل التي تنحدر من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي تتميز بتاريخ طويل من الجهاد والعلم والقيادة. فالأشراف في قنا ينتمون إلى ذرية الحسن والحسين رضي الله عنهما، ويُقسمون إلى عدة فروع هامة، منها:
- الأشراف الجمامزة: وهم ينحدرون من الأمير جمال الدين جماز.
- الأشراف البحرية: الذين يسكنون قرى مثل المخادمة والبطاطخة والشويخات.
- الأشراف القبلية: الذين يعيشون في قرى مثل الخربة والدغيمات.
- الأشراف الشرقية: التي تضم مناطق مثل نجع الحي ونجع حمد الله.
- الأشراف الغربية: الذين يعيشون في قرى مثل الكراوين والعسيلية.
تُقدَّر أعداد قبيلة الأشراف في قنا بحوالي خمسين ألف نسمة، وتُعد هذه القبيلة من القبائل ذات الأثر الكبير في تاريخ المنطقة، حيث ساهم أفرادها في مختلف المجالات من علماء وأعيان وقادة.
نسب قبيلة الحميدات في قنا
أما قبيلة الحميدات في قنا، فهي تُعتبر من قبائل الهوارة، و يقال إن الحميدات يعودون إلى حميد بن سالم بن لبيد، ويُقسَمون إلى عدة فروع بارزة مثل:
- أولاد سالم: الذين يعودون إلى حميد بن سالم بن لبيد.
- العقارية العجوز: التي تضم عائلات مثل الهوادي.
- النصيرات: التي تشمل عائلات مثل آل حارس وآل أبو السعود.
- جزيرة النصيرات: التي تضم عائلات مثل آل أبو زيد.
تنتشر عائلات الحميدات في عدة مناطق في قنا، مثل مركز دشنا وقرى قنا وقوص، ويُقدَّر تعدادهم بحوالي ثلاثين ألف نسمة.
الصراع بين الأشراف والحميدات في قنا
على الرغم من الجذور المشتركة التي تجمع الأشراف والحميدات في قنا، إلا أن العلاقة بين القبيلتين شهدت العديد من النزاعات والصراعات التي تعود إلى اختلافات في النفوذ على الأراضي والمراعي، إلى جانب قضايا اجتماعية وعشائرية. في بداية القرن العشرين، اندلعت صراعات كبيرة بين الأشراف والحميدات، وبلغت ذروتها في عام 1921، عندما نشبت اشتباكات دموية بين الطرفين بسبب قضايا الثأر والكرامة العشائرية. هذه الصراعات استمرت حتى عام 1940، عندما تم التوصل إلى صلح تاريخي بين القبيلتين، وهو ما شكل نقطة تحول هامة في تاريخ المنطقة وظل هذا الصلح محترم وقائم علي مدار عشرات السنين بغض النظر عن المناوشات التي قد تقع علي أحقاب متباعدة وبشكل أسري لا يمتد الي عموم القبيلتين اللتان الي الأن يحترمون أتفاق الأجداد من مشايخهم.
محاولات الصلح بين الأشراف والحميدات
على الرغم من النزاعات العديدة التي نشبت بين الأشراف والحميدات، إلا أن العديد من محاولات الصلح قد بُذلت طوال العقود الماضية. في عام 1921م، وفي عام 1940، تم التوصل إلى صلح تاريخي بين الطرفين، حيث تم الاتفاق على إنهاء حالة العداء بينهما وتسوية جميع القضايا العالقة، سواءً تلك المتعلقة بالأراضي أو الثأر أو الحقوق العشائرية. وقد جرت هذه المفاوضات تحت إشراف كبار رجال الأزهر والدولة والصعيد وشيوخ القبيلتين، الذين عملوا جاهدين على ضمان نجاح هذا الصلح.
تُعدُّ الصور النادرة التي نشرتها مجلة "نور الإسلام" في تلك الفترة بمثابة وثائق ثمينة توثق تلك الفترة التاريخية الهامة في حياة قبيلتي الأشراف والحميدات، وتعكس الجهود الكبيرة التي بذلها الزعماء من كلا القبيلتين من أجل التوصل إلى حل سلمي. في تلك الفترة، كان واضحًا أن قادة الأشراف والحميدات كانوا يدركون أهمية الحفاظ على السلام والعدالة بين أفرادهم، بعيدًا عن العنف والصراع.
جدير بالذكر التعريف بالمصدر مجلة "نور الإسلام" هي مجلة إسلامية شهرية تأسست في عام 1930م تحت إشراف الأزهر الشريف، وهدفت إلى نشر الفكر الإسلامي الوسطي وتعليم القيم الدينية والثقافية. قدمت المجلة محتوى متنوعًا يشمل مواضيع دينية، ثقافية، وتعليمية واجتماعية، مما جعلها مصدرًا هامًا للتوجيه في ذلك الوقت. توقفت المجلة عن الصدور في عام 1971م، لكنها تركت بصمة واضحة في تاريخ الصحافة الإسلامية.
الصلح والسلام من أخلاق الإسلام
في الإسلام، يُعتبر السلام والصلح من القيم الأساسية التي يُحث المسلمون على العمل بها. فقد أوصى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بضرورة إصلاح ذات البين وتحقيق السلام بين الناس، سواءً كانوا أفرادًا أو قبائل.
إضافةً إلى ذلك، فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية التسامح والعفو بين الناس، مؤكدًا أن "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، مما يعكس أن الإسلام يدعو إلى نبذ العنف والصراعات، ويحث على العيش في سلام ووئام.
الخاتمة
إن تاريخ الصراع والصلح بين قبيلتي الأشراف والحميدات في قنا يُعدُّ مثالًا حيًّا على كيفية تعامل المجتمعات مع التحديات والصراعات. ورغم أن النزاع بين القبيلتين استمر لعدة عقود، إلا أن جهود الصلح التي تم التوصل إليها في عام 1940 كانت خطوة هامة نحو تحقيق السلام في المنطقة. ومن خلال تلك الجهود، يمكننا أن نرى بوضوح كيف أن قيم الصلح والسلام، التي جاء بها الإسلام، يمكن أن تكون الحل الأمثل لحل النزاعات وإنهاء الحروب بين الناس.
إن الإسلام يُعلمنا أن السلام ليس فقط غاية، بل هو أسلوب حياة. وقد تم تجسيد هذه القيم في التصالح بين الأشراف والحميدات، وهو ما يعكس أن النبل والكرامة لا يأتون إلا من خلال التعاون والاحترام المتبادل. فالإصلاح بين القبائل والعشائر هو من أسمى الأعمال التي تضمن التعايش السلمي وتحقيق الأمان للمجتمع ككل.
هل توافقون على أن السلام هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستقرار المجتمعي، وأنه يجب العمل بكل جدية على تعميم ثقافة الصلح بين القبائل في مناطق أخرى؟