قال الشاعر كمال الدين جعفر الادفوي (وهو من شعراء العصور الوسطى):
إنزل بقوص فإنما ** هي منزل الفطن الحكيم
واشرب مياهاً قد أتت ** من طيب جنات النعيم
رقت وراقت فأحسها ** يا صاح في الليل البهيم
وانشق شذا عرف الريا ** حسن يفوح مع لطف النسيم
من هذا المنطلق واستكمالًا لما كنا قد بدأناه في عدد سابق لنحكي _ لك عزيزي القارئ _ حكاية قرية، فقد استمعنا لنصيحة شاعرنا الجميل واتجهنا إلى مدينة قوص بجمهورية مصر العربية لنتناول في هذا العدد حكاية قرية "حجازة" والتي تتبع كما قلنا مدينة قوص التي تقع على الضفة الشرقية للنيل إلى الجنوب من مدينة قنا بحوالى ثلاثين كيلو مترًا. وقوص اشتق اسمها الحالي من الاسم الهيروغليفي "جوص" الذي ورد تحت اسم "كوس" في النصوص القبطية، أما الإغريق فأطلقوا عليها اسم "أبوللينوبوليس بارفا" أي مدينة أبوللو الصغرى. وهي مدينة لها تاريخ حافل فقد كانت المدينة الثانية بعد الفسطاط في العصر الإسلامي وكانت محط كل الوافدين ومعبر الحجاج إلى البحر الأحمر. فيقول عنها عباس محمود العقاد: «ليس في وادي النيل بلد أوفى أخبارًا من قوص في المراجع العربية بعد القاهرة والإسكندرية»، وقد ذكرها العديد من المؤرخين والرحالة، حيث زارها الشريف الإدريسي وأوردها في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» فقال: «ومدينة قوص مدينة كبيرة»، بينما يقول عنها العلامة القلقشندي في موسوعته «صبح الأعشى في صناعة الإنشا»: «مدينة جليلة في البر الشرقي من النيل، ذات ديار فائقة ورباع أنيقة ومدارس وربط وحمامات يسكنها العلماء والتجار وذوو الأموال، وبها البساتين المستحسنة».
كان لموضع مدينة قوص وسط الصعيد الأعلى وإشرافها على طرق مناجم التبر والزمرد بالإضافة إلى دورها التجاري كمركز مالي واقتصادي هام أثر كل ذلك في اختيارها لتكون المدينة الأولى بالصعيد وثالث مدن مصر في إنشاء دار لسك العملة وضربها. ويشير المقريزي إلى أن كل ما يصل إلى "...اليمن والحجاز وعدن من دنانيز ودراهم مسكوكة بقوص" دلالة على أهمية المدينة كأحد المراكز الرئيسية التي تسك بها العملة حيث تشكل أهم الوظائف الحضرية خلال هذه الفترة.
وتوضح هذه الوظيفة التي اضطلعت بها قوص خلال مرحلة اتخاذها قاعدة لعمل القوصية ومدينة الصعيد الأولى مما حدا بالحكام والولاة إلى اختصاصها بواحدة من الوظائف المتفردة "ضرب أو سك العملة" المتداولة وهي من الوظائف التي اختصت بها فقط كل من القاهرة والإسكندرية ثم قوص كما يذكر المقريزي.
يعود إنشاء "دار سك العملة" بقوص إلى بداية القرن السادس الهجري (12م) وتحديدًا في عام (516هـ / 1122م).
وقرية_حجازة هي إحدى قرى شرق مدينة قوص وكانت تسمى فيما مضى "دمرس". أغلب سكانها وافدون من الجزيرة العربية وتقع على مسافة 12 كم جنوبًا. يحدها من الناحية القبلية قرية العيايشة، ومن الناحية البحرية قرية الكلالسة، ومن الناحية الغربية قرى المسيد والكلالسة والمعرى وشنهور، ويحدها من الناحية الشرقية جبال البحر الأحمر، حيث كانت حجازة طريق القبائل التي تتنقل ما بين الحجاز وبلاد المغرب العربي.
ذكرها علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية 1886م: {حجازة} قرية من قسم قوص بمديرية قنا بقرب الجبل الشرقي في داخل حوض قفط وأبنيتها من اللبن وقليل من الآجر وبها مساجد عامرة ونخيل وأكثر أهلها مسلمين ولهم شهرة بالكرم والشجاعة واقتناء جياد الخيل وأصائل الإبل بسبب نزول بها كثير من العرب ويجتمع بها قوافل الحجيج...
حجازة تيمنا ببلاد الحجاز
حجازة هي بعض حلف من عرب قبيلة جهينة وقبيلة حرب والجهنوة جاءوا إلى مصر منذ زمن الفتوحات الإسلامية بجيش الراية بقيادة الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه سنة 43هـ، ثم امتدت بعدها جهينة إلى منطقة الأشمونين جنوب المنيا، ثم اتجهت جنوبًا باتجاه سوهاج وقنا والنوبة.
تتواجد الآن في مصر بسوهاج، وقنا وهناك عائلات من جهينة في محافظات الشرقية وقنا والقليوبية، كما لا يزال معظمهم يحتفظون باسم قبيلة جهينة، ولكن من بين أهم قبائل جهينة في مصر العوامرة ورفاعة وحبيش والحصينات.
خلال خلافة معاوية بن أبي سفيان عام 44 هـ، تولى الصحابي عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه ولاية مصر، ولما وردت أخبار الفرنسيين إلى بلاد الحجاز وأنهم ملكوا الديار المصرية، أخذ الشيخ محمد الهاشمي يجوب ديار قبيلة حرب بفذهب إلى الصفراء وبدر ورابغ وخليص يدعو إلى الجهاد فتطوعوا بأموالهم وأنفسهم رغم ما هم فيه من ضيق العيش وقلة المال، ولما طاف ديار جهينة أنشد محمد الجهني:
فَأَبْلِغْ بَنِي الْتَامِيْز عَنّـا وَحِلْفَهُمْ
بِبَارِيسَ أَنْبَاءِ النّذِيـر الْمُصَدِّقُ
عَشِيّةَ يَحِدُونَ الأَسَاطِيْلَ شُرْعَاً
عَلَى أَلِيَمَّ تَحْبُو فِي الْحَدِيدَ الْمُطْبَقُ
هَلْ الْحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُزَوِّقُ
فَسَائِلْ بِنَا أَعْلاجُ لَنْدَنَ هَلْ وَفَوْا
بِعَهْـدٍ لَنَا بَيْـنَ الْأَنَامِ وَمُوثَقُ
فاجتمع 7000 مقاتل حجازي من جهينة وحرب ذهبوا عبر ميناء ينبع لقتال الفرنسيين.
ويروى في الأخبار أن من هؤلاء المجاهدين 6 فرسان من جهينة وحرب قائدهم كان سعيد بن زاهر بن زهير الحصيني القوفي بن مالك الجهيني استقروا بمنطقة قنا وسموا المنطقة التي يسكنوها حجازة نسبة للحجاز وأحفاد سعيد معروفين في حجازة وفي كثير من محافظات مصر باسم البصيلات حصينات جهينة و(المراوين) (وسنان معروفين باسم سنادله) (ورفاعة).
كما تحتفل محافظة سوهاج بعيدها القومي في العاشر من أبريل من كل عام وهو تاريخ انتصار أبنائها على الحملة الفرنسية في معركة جهينة سنة 1799م حين هزم أبناء قبيلة جهينة جيش الحملة الفرنسية.
والى قبيلة حرب بحجازة يرجع (الهداليل) (والصبحات) (وأحفاد الفارس منصور الحربي) (والسبابغة).
وبحجازة قبيلة اللهبة الهاشمية من ذرية عتبة بن أبي لهب وآل الشيخ مبارك ويرجع نسب هذه العائلة إلى الشيخ مبارك عبيد على عبيد الله والذي نزح من ديار مكة من وراء سوق جدة القديم، ويعد من أعلامها على إبراهيم عمدة حجازة قبلي عضو مجلس شورى النواب في عهد الخديوي إسماعيل من (1866م) لمدة أربعين عامًا كما ذكر في كتاب (عصر الخديو إسماعيل للكاتب عبد الرحمن الرافعى). والكثير من العائلات ذات الأصول الحجازية.
وحجازة هي حجازة بحري وحجازة قبلي ويبلغ تعدادها السكاني 16 ألف نسمة تقريبًا ومساحتها 12 كيلو متر عرض × 5 كيلو متر طول، ومساحة الرقعة الزراعية توازي 12 ألف فدان تقريبًا. ويتبع حجازة بحري 10 نجوع وهي السلامنة، الزير، السباعي، السيديس، حسن الأعرج، العاقولة، الحجيرات، السند، العبابدة ونجع العرب. كما يتبع حجازة قبلي 12 نجعًا وهي العوارة، شاموم، الحنانيف، النجاجرة، الضريخة، نجع محمود، المراشدة، السبابكة، القاعة، رضوان، صلاح الدين، بالإضافة إلى نجوع الجبل. ويتبع العليقات 14 نجعًا وهي سندل، المنشية، غلاب، معوض، البراوات، الحاج أحمد، السواقى، العمدة، الأنصار، محمد خير، الراوي، الرباط، عطيتو ونجع العزب.
وتعتمد القرية على زراعة القصب بشكل أساسي إلى جانب العديد من الزراعات الأخرى كالقمح والفول والذرة الشامية والرفيعة والسمسم وغيرها من الحبوب والبقوليات.
والى لقاء آخر مع قرية جديدة من قرى صعيد مصر.
