الغلام الذي تحدّى الصـليبيين
في ليلةٍ هادئةٍ، وعلى ضوء المشاعل الخافتة، كانت قافلة كبيرة تتحرك ببطء عبر الممرات الوعرة بين الجبال، متجهة من تكريت إلى حلب. وسط القافلة، كان هناك فتى صغير في الحادية عشرة من عمره، عيناه تلمعان بذكاءٍ، وملامحه تحمل إرادةً صلبة رغم صغر سنه. لم يكن هذا الغلام سوى يوسف بن أيوب، الذي سيُعرف لاحقًا بـصلاح الدين الأيوبي، وكان يسافر بصحبة خادمه وبعض الجنود المكلفين بحماية القافلة.
اللقاء مع الصـ ليبيين
لم تمضِ دقائق قليلة حتى تبدّد ظلام الليل بأضواء المشاعل، وارتفعت أصوات صاخبة في الأفق. توقفت القافلة فجأةً عندما خرج من بين الأشجار مجموعة من الجنود الصـ ليبيين يرتدون دروعًا معدنيةً عليها علامة الصـ ليب، وخوذاتهم تعكس ضوء القمر. كانوا مدججين بالسيوف والرماح، وعلى رأسهم فارس ضخم، يركب حصانًا بني اللون، ويبدو على وجهه غرور المنتصرين.
ثم رفع سيفه وضرب الشيخ العجوز على كتفه بقوة، فوقع الرجل على الأرض متألمًا، بينما تدفقت الدماء من جرحه. نظر الجنود إلى المشهد في صمتٍ، بينما بدأ الصـ ليبيون يسخرون بصوتٍ عالٍ.
وقف يوسف يراقب الرجال وهم يمرون تحت الرمح واحدًا تلو الآخر، منكسي الرؤوس، بينما كانت ضحكات الصـ ليبيين تتعالى كلما رأوا رجلاً ينحني للمرور. غلى الدم في عروقه، وشعر بالغضب يجتاح قلبه الصغير. لم يستطع أن يتحمل هذا المشهد المهين.
رفض الانحناء
واندفع بحصانه نحو يوسف، ملوّحًا بسيفه، لكن الفتى لم يتحرك، لم يغمض عينيه، ولم يهرب. ظل واقفًا في مكانه، يحدّق مباشرةً في عيني الفارس بثباتٍ غريبٍ لرجلٍ بالغ، وليس لصبيٍ صغير.
وافق الخادم على مضضٍ، ودفع ثلاثين دينارًا عنه وعن يوسف، وانصرف الجنود الصـ ليبيون بعد أن جمعوا المال، وأخذوا بعض البضائع.
ظل يوسف واقفًا، والرجال ينظرون إليه بإعجابٍ. لقد كان أصغرهم سنًا، لكنه الأكثر شجاعةً. في تلك اللحظة، فهم يوسف درسًا لن ينساه ما دام حيًا: المسلم لا ينحني إلا لله، ولن تتوقف هذه الإهانات إلا إذا امتلك المسلمون القوة التي تجعلهم أعزاء في أرضهم.
المستقبل العظيم
مرت السنوات، وكبر يوسف ليصبح صلاح الدين الأيوبي، الرجل الذي حمل على عاتقه مسؤولية توحيد المسلمين، وقيادتهم لتحرير أراضيهم من الصـ ليبيين.
قاد صلاح الدين جيشه في معارك لا تُحصى، وأشهرها كانت معركة حطين، التي كانت انتقامًا لكل لحظة إذلالٍ تعرض لها المسلمون على يد الصـ ليبيين. كان يرى في مخيلته ذلك الفارس المتغطرس الذي أرغم الرجال على الانحناء، وكان يعرف أن الوقت قد حان لكي ينحني الصـ ليبيون هم تحت سيوف المسلمين.
وفي يوم فتح القدس، أمر صلاح الدين بأن يدخل الصـ ليبيون المدينة وهم يدفعون الجزية، وأن يخرجوا منها منكسي الرؤوس، كما كانوا يفعلون بالمسلمين. عندها فقط، شعر أن انتقامه قد اكتمل، ليس لنفسه فقط، ولكن لكل مسلمٍ أُهين وأُجبر على الركوع.
رسالة إلى الأمة
إن الأمة التي أنجبت صلاح الدين الأيوبي قادرة على إنجاب آلافٍ مثله، إذا ربّى الآباء أبناءهم على العزة والكرامة، وعلموهم أن المسلم لا ينحني إلا لله. فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، ومن لا يدافع عن كرامته اليوم، سيعيش ذليلًا غدًا.
فهل سنرى يومًا قائدًا جديدًا يحمل راية العزة، كما فعل يوسف بن أيوب، الذي وقف وحده ذات يومٍ، وقال بفخر: "لن أنحني!"
لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك