الاثنين، 20 يناير 2025

اللواء خالد الشاذلي يكشف أسرار الثأر في الصعيد – فيديو حصري


الثأر في صعيد مصر ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو إرث ثقيل يحمل في طياته مآسي وأوجاع أجيال. في حوار استثنائي عبر بودكاست "أوراق القضية"، يتحدث اللواء خالد الشاذلي، مدير مباحث سوهاج السابق، مع الصحفي هيثم برعي عن تجربته الفريدة في التعامل مع حوادث الثأر في الصعيد. يعرض الحوار رؤى عميقة حول كيفية مواجهة هذه الظاهرة، مستعرضًا قصصًا مؤلمة وأخرى مُلهمة عن المصالحات التي أنهت نزيف الدماء. وفي لحظة مؤثرة خلال الحوار، تظهر دموع اللواء خالد الشاذلي، وهو يتحدث عن موقف عاشه بنفسه لن ينساه ابداً.


من هو اللواء خالد الشاذلي؟

اللواء خالد الشاذلي، مساعد وزير الداخلية الأسبق ومدير مباحث سوهاج السابق، هو شخصية أمنية بارزة نجحت في التعامل مع أكثر من 230 خصومة ثأرية خلال فترة عمله. نشأته في مركز دشنا بمحافظة قنا، حيث تسود القيم القبلية والنزاعات العائلية، أكسبته فهمًا عميقًا للعقلية الصعيدية، مما ساعده في احتواء العديد من الأزمات.


محاور الحوار مع اللواء خالد الشاذلي

في هذا اللقاء، تناول اللواء خالد الشاذلي عدة محاور هامة، منها:


1. دور الشرطة في القضاء على الثأر:

استعرض اللواء كيف يمكن للأجهزة الأمنية استخدام أدوات مثل المصالحات العرفية وحمل الكفن لاحتواء الصراعات.


2. دور المرأة في إشعال نار الثأر:

أكد اللواء أن المرأة الصعيدية تلعب دورًا خطيرًا في تأجيج الخصومات، سواء بالتحريض أو المشاركة المباشرة.


3. قضايا الثأر بين المسلمين والمسيحيين:

تطرق الحوار إلى حوادث ثأر بين عائلة مسلمة ومسيحية، وكيف تم احتواء هذه الخصومه الحساسة.


4. التعامل مع المحرضين:

ناقش اللواء كيفية مواجهة من يرفضون إنهاء الصراعات، سواء بدافع الكراهية أو لتحقيق مكاسب شخصية.

الثأر وتاريخه في صعيد مصر

الثأر هو أن يتولى أولياء الدم، أي أقارب القتيل، مهمة الانتقام بقتل القاتل نفسه أو أحد أقاربه، بدلاً من ترك الأمر للدولة لتنفيذ القصاص الشرعي. ويحدث القتل وفقاً لأعراف القبائل إما نتيجة انفعال مفاجئ، مثل شجار في السوق يتطور إلى مهاترات تنتهي بجريمة قتل، أو بسبب ما يُعرف بين القبائل بـ"العيب الأسود" أو "العيب الأجذم"، وهو قتل يُعد خيانة كبرى، مثل أن يقتل الرجل رفيقه في السير، أو نسيبه، أو شريكه في الطعام.


تجارة السلاح الرابح الأكبر من الصراعات الثأرية

ورغم أن قضية الثأر معروفة في المجتمعات العربية، إلا أنها في صعيد مصر اتخذت منحى أشد عنفاً. تأثر ذلك بانتشار تجارة الأسلحة، حيث استغل سماسرة السلاح النزاعات لتحقيق أرباح طائلة، مما أدى إلى تداول أسلحة ثقيلة مثل الجرينوف، والآر بي جي، والقنابل، في هذه النزاعات.


الثأر في صعيد مصر: حوادث لا تُنسى

1. حرب البسوس بجزيرة شندويل

في واحدة من أطول النزاعات الثأرية بصعيد مصر، استمر الصراع بين عائلتي "أبو موسى" و"الشويخات" بجزيرة شندويل بسوهاج لمدة 40 عامًا. بدأت الخصومة في ثلاثينيات القرن الماضي، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى. تأثر اقتصاد القرية وخدماتها بشكل كبير، حتى تدخل الرئيس الراحل أنور السادات شخصيًا لإنهاء النزاع.


2. مذبحة بيت علام

شهدت قرية بيت علام بسوهاج واحدة من أكثر حوادث الثأر دموية، حيث قُتل 23 شخصًا من عائلة واحدة أثناء توجههم لحضور محاكمة. امتد الصراع إلى دولة الكويت، حيث اقتتل أبناء العائلات هناك.


3. خصومة بسبب كارت شحن

في قرية "كوم هتيم" بمحافظة قنا، استمر النزاع بين عائلتي "الطوايل" و"الغنايم" لمدة 16 عامًا بسبب خلاف على كارت شحن هاتف محمول. سقط خلال النزاع 17 قتيلًا، وانتهى في 2020 بعد جهود مكثفة من القيادات الشعبية والدينية.


4. مأساة صلاة الجمعة في المنيا

في عام 1998، شهدت محافظة المنيا حادثة مروعة، حيث تربصت إحدى العائلات لأفراد عائلة أخرى أثناء خروجهم من صلاة الجمعة. أسفرت المعركة عن مقتل 24 شخصًا، في انتهاك صارخ لحرمة المسجد والأرواح.


5. قرية البربا بأسيوط: أرض النار والدم

قرية البربا بمركز صدفا في أسيوط شهدت على مدى عقود العديد من حوادث الثأر بين عائلتي "الهمامية" و"الضباعة". خلفت هذه النزاعات 23 قتيلًا و40 مصابًا. ومن أشهر الحوادث استشهاد المقدم عصام التهامي، رئيس مباحث مركز صدفا، أثناء محاولته ضبط أحد المتهمين.


6. صراع العمودية في المنيا

في قرية الدير بسمالوط، بدأ نزاع بين عائلتين بسبب التنافس على منصب العمودية منذ أكثر من 75 عامًا. أسفر الصراع عن مقتل 12 شخصًا من الطرفين، واستمر رغم محاولات الصلح المتكررة.


7. معارك بين محافظات مختلفة

شهدت سوهاج وقنا عام 1996 معارك بالأسلحة بين مركز أبو تشت وقرى البلابيش. كما اندلعت نزاعات بين قرى النواميس والنخيلة بأسيوط، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.


8. مذبحة أسوان

اندلعت مذبحة ثأرية بين قبيلتي "الهلايلة" و"الدابودية" في أسوان عام 2014، وأسفرت عن مقتل 26 شخصًا. تجددت الاشتباكات لاحقًا، ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا.


9. المرأة في مشهد الثأر

لا يقتصر دور المرأة على التحريض، بل قد تحمل السلاح بنفسها. قصة "ليلى" من قنا تعد مثالًا حيًا، حيث انتقمت لإخوتها الثلاثة بقتل 12 شخصًا من خصومها.

كانت ليلى في بداية الخمسينيات من عمرها، امرأة قوية ولها حضور طاغٍ في القرية. بعد مقتل إخوتها في حادث ثأري دموي، قررت أن تأخذ بثأرهم بيدها. لم يكن الأمر مجرد رد فعل عاطفي، بل كان نتيجة سنوات من المعاناة والانتظار. ليلى لم تكتفِ بالتحريض أو المساعدة من بعيد، بل أصبحت جزءًا من الصراع الدموي، حتى أنها شاركت في عمليات القتل بنفسها. استطاعت أن تقتل 12 شخصًا من خصوم عائلتها في سلسلة من الهجمات المنظمة، ما جعلها واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في المنطقة. ورغم أن المجتمع الصعيدي يرفض مثل هذه التصرفات من النساء، فإن ليلى كانت تعتبر نفسها المدافعة عن شرف عائلتها، وقد نالت احترامًا من بعض أفراد المجتمع المحلي، الذين كانوا يرون فيها رمزًا للانتقام العادل.


فديو الحوار الهام مع اللواء خالد الشاذلي 


10. المعابدة قنبلة موقوته

قرية المعابدة بمركز أبنوب في أسيوط تعاني من انتشار الخصومات الثأرية التي أثرت على حياة سكانها، حيث فقدت العديد من العائلات أبناءها بسبب هذه الخصومات. تشير تقارير أمنية إلى أن القرية كانت أول من نفذ الأحكام ضد مطلوبين هاربين، بلغ عددهم 1579 شخصًا. يعزو الأهالي هذه الظاهرة إلى العادات القديمة والجهل، رغم أن بعضهم يحمل مؤهلات علمية. يعتقد البعض أن هناك من يستفيد من إشعال الفتن، حتى في العائلات التي تسعى للصفح والعفو، ومع سقوط أول قطرة دم قصدا أو بغير قصد يتحول الجميع لأشبه بخلية النحل ويجتمع الناس ليفتحوا أنهاراً من الدماء التى لا تنتهى.


السلاح في أيدي الاطفال


11. في البداري الثأر لا يتأثر بمرور الزمن"

في مركز "البداري" بمحافظة أسيوط، يُعد الصراع بين عائلتي "النواصر" و"زناتي" من أقدم صراعات الثأر في المنطقة، حيث يعود تاريخ هذا النزاع إلى عام 1947. ويعتبر أفراد العائلتين أن الثأر هو رد فعل على المساس بالكرامة، ويرفضون حتى اليوم إدراج كلمة "مصالحة" في قاموسهم، رغم أن عدد ضحايا الصراع وصل إلى 27 قتيلاً.


"هذه مجرد أمثلة لبعض بلاد الصعيد، حيث يختلف مستوى الصراعات من مكان لآخر. فقد تظل بعض البلدان هادئة لعدة عقود، إلا أن موقفًا تافهًا بين صبية قد يكون الشرارة التي تشعل صراعًا، ليتورط فيه أفراد العائلات، وتسيل أنهار من الدماء."


أسباب استمرار ظاهرة الثأر

1. غياب العدالة السريعة:

يعتقد أهل القتيل أن القاتل لم ينل عقابه، مما يدفعهم إلى أخذ الثأر بأيديهم.


2. رفض الدية:

العصبية القبلية تجعل قبول الدية أمرًا مرفوضًا، حيث يُعتبر إهانة لشرف العائلة رغم أنها مشروعة شرعاً! .


3. ضعف الوعي المجتمعي:

استمرار التقاليد القديمة دون مراجعة يؤدي إلى توريث النزاعات للأجيال القادمة مع  العصبية القبلية .


الحلول المطروحة لإنهاء الثأر

المصالحات العرفية:

تعتمد على جلسات الصلح التي تجمع كبار العائلات والقيادات الشعبية.


اللواء خالد الشاذلي خلال مصالحه بين عائلتين


حمل الكفن:

يعبر عن التوبة والاعتذار، ويُعتبر أكثر قبولًا من الدية.

تعزيز الوعي المجتمعي:

من خلال التعليم والإعلام، يمكن تغيير المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالثأر.


لحظة تقديم الكفن 


الخاتمة:

الثأر في الصعيد ليس مجرد نزاع عائلي، بل هو قضية اجتماعية معقدة تتطلب جهودًا جماعية من الدولة والمجتمع. حوار اللواء خالد الشاذلي في بودكاست "أوراق القضية" يقدم رؤية شاملة لكيفية مواجهة هذه الظاهرة. 

شاركنا رأيك: هل يمكن للمجتمع الصعيدي تجاوز إرث الثأر، أم أن الحل يكمن في تطبيق أكثر صرامة للقانون؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك