بحور الدم بين قبائل قنا الثلاث «عرب وأشراف وهوارة» لا تنتهى، والصراعات تتجدد بين الحين والآخر، بسبب مواقف صبيانية فى كثير من الأحوال، لكنها تتحول إلى برك من الدماء لا تجف حتى يتساوى المتناحرون فى عدد القتلى، أو تتدخل جلسات الصلح التى تنتهى بتقديم الكفن لصاحب الدم ليعفو عن القاتل.
بدأ الثأر فى الصعيد، حينما توافدت القبائل العربية أثناء الفتح الإسلامى لمصر من شبه الجزيرة العربية والقبائل الأمازيغية من بلاد المغرب العربى، ومنها قبائل قنا من العرب والأشراف والهوارة، ونقلت معها هذا الموروث من أيام الجاهلية بكافة أسبابه.
حروب الباسوس في قنا
وقعت حرب البسوس التى بدأت عام 494 ميلادية قبل ظهور الدين الإسلامى السمح، بين قبيلة «تغلب بن وائل» وأحلافها، وقبيلة «بنى شيبان» وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل بعد قتل الجساس بن مرة الشيبانى البكرى لكليب بن ربيعة التغلبى ثأراً لخالته البسوس بنت منقذ التميمية بعد أن قتل كليب ناقة جارها سعد بن شمس الجرمى، واستمرت 40 عاماً، قتل فيها من قتل، حسبما روى الرواة عبر التاريخ. وتعد قنا من أكثر محافظات الصعيد الثمانى، التى يتربع فيها الثأر من شمالها إلى جنوبها، وفقاً للتقارير الأمنية الراصدة للحالة الأمنية فى المحافظة، من ضمنها الخلافات بين العائلات والقبائل، التى أكدت وجود 30 خلافاً ثأرياً قبل ثورة يناير وتضاعف الرقم إلى 62 خلافاً ثأرياً، ووفقت لجنة المصالحات فى المحافظة، التى تضم رموز القبائل وبعض رجال الدين، فى إنهاء 26 خصومة فى العام الثانى من ثورة 25 يناير.
الصراع بين "العرب" و"الهوارة".. صراع دامي قديم فبرغم أن فترة حكم شيخ العرب همام الهواري كانت علاقات قبائل الهوارة بالقبائل العربية قوية حيث أن شيخ العرب همام أقام تحالفات قوية مع مختلف القبائل العربية في حربه على المماليك الأ أن الصراع كان موجودا بسبب العصبيات القبلية ..مثلا في خمسينيات القرن الماضي أشتغل الصراع بين القبيلتين في البلابيش، بمنطقة الياسنية بمدينة دشنا شمال محافظة قنا، والذي راح ضحيته وقتها العشرات من العائلتين فضلا عن إصابة المئات من أبناء القبيلتين، بسبب الصراع بينهما على أحد الأراضي التي لم تكن ملكا لأحد بجبال منطقة "حمرة دوم"، وحينها قامت الحكومة المصرية بمحاصرة المنطقة الواقعة في نطاق الاشتباكات، حتى استقرت الأوضاع نسبيا.
مراكز الدم
و فى دشنا ونجع حمادى وأبوتشت بشمال قنا، حيث توجد بها مراكز الصراعات بين قبيلتى «العرب والهوارة». بدأ صراع عائلتى المخالفة والسحالوة فى مدينة فرشوط شمال قنا، المنتميتين لقبيلة العرب، منذ أكثر من 3 أعوام، بسبب «رشة ميه» بين أبناء العائلتين، تطورت إلى مشادة كلامية وألفاظ جارحة بين رجال العائلتين، حتى سقطت أول ضحية من عائلة المخالفة، وتوالى سقوط الضحايا بين الطرفين حتى وصل إلى 10 قتلى وأكثر من 35 مصاباً، منهم 4 من السحالوة، و6 من المخالفة.
وقف حال خراب بيوت
تتوقف كافة مظاهر الحياة تماماً حينما يتجدد الخلاف بين العائلتين، تغلق كافة المحال التجارية، الأمر الذى أدى إلى تراجع المستوى الاقتصادى للمدينة صاحبة لقب «مركز تجارة قنا»، إضافة إلى غلق المصالح الحكومية والمدارس، حتى تم وضع مدارس فرشوط تحت القبضة والحراسة الأمنية لتأمين سلامة الطلاب من الصراع الدائر الذى قد ينفجر فى أى لحظة. وفشلت لجان المصالحات فى رأب صدع هذه الخلافات التى لا تتوقف، والتى تحولت إلى صراع وجود، رغم تدخل لجنة من مشيخة الأزهر لإنهاء التناحر بين الطرفين، إلا أن تعنتهما عاق الصلح ووصل إلى طريق مسدود.
الضحايا يتساقطون
دشنا أحد مراكز شمال قنا،من أكثر المراكز التى تشهد خلافات ثأرية بين قبيلتى العرب والهوارة، ففى مركز دشنا هناك خصومة ثأرية بين قرى أبودياب شرق «هوارة»، وقرية العزب المصرى المنتمية لقبيلة العرب، والمتمثلة فى «نجع عتمان»، التى راح ضحيتها 4 أفراد من الطرفين، منهم 3 من العرب وواحد من نجع عتمان، بسبب الصراع على قطعة أرض، وما زال الصراع مستمراً. كما يوجد صراع فى قرية نجع سعيد بين عائلة حسن المنتمية لقبيلة العرب، وعائلة الطويل المنتمية لقبيلة الهوارة، وراح ضحيته شخص، بسبب الصراع على رى أرض. وانفجر صراع جديد منذ أكثر من أسبوع فى منطقة أبومناع شرق، بين قرية نجع عبدالقادر، المنتمية لقبيلة الهوارة، وقرية ألميات المنتمية لقبيلة العرب، بسبب الخلاف على أملاك دولة فى جبل أبومناع، وراح ضحيته شخص وأصيب آخر من قبيلة العرب، ليتأزم الصراع بين العرب والهوارة فى كافة أركان مركز دشنا. كما اشتعل مؤخراً الخلاف بين أبناء العتامنة وأبناء عائلة «عبدالقادر»، وكلاهما من قبيلة «هوارة» بقرية المعيصرة التابعة لمركز دشنا، وأدى هذا الصراع إلى مقتل وإصابة العشرات من الطرفين، إضافة إلى أن صراعهما أدى إلى وقف حركة القطارات خشية من الرصاص الطائش من الطرفين، ولم يتم التصالح حتى الآن. وهناك صراع طويل بين قبيلة الحميدات، أحد بطون قبيلة الهوارة، وعزبة حامد المنتمية لقبيلة الأشراف، بمدينة قنا منذ ستينات القرن الماضى، وقد يتجدد الصراع بسبب لفظ قبلى جارح من أحد أطراف القبيلتين، ومنه تتحول مدينة قنا إلى ما يشبه حرب الشوارع، وتتوقف كافة مظاهر الحياة. آخر الصراعات بين قبيلة الحميدات التابعة لقبيلة العرب، والأشراف، التابعتين لمركز قنا، وقعت منذ عامين، بسبب الخلاف على قطعة أرض تفصل بين حدود زمام القبيلتين، وأدى الأمر إلى مقتل شخص من قبيلة الأشراف، ولكن الرموز القبلية اتفقت على التهدئة حتى لا تتحول البلاد إلى بركان والسعى فى الصلح. كما تؤدى الأراضى الصحراوية، إلى أغلب الخلافات الثأرية فى كافة محافظة قنا، ومنها صراع قبيلة الحميدات أحد بطون «الهوارة»، وأسرة الأمير بالفضل الدندراوى المنتمى لقبيلة الأمارة، على أرض أملاك دولة بقرية المراشدة، وراح ضحيتها ابن زعيم الحميدات.
أنتخابات الدم
وهناك أيضاً حوادث الثأر التى تحدث بسبب الصراعات الانتخابية، وهو الذى ينشأ مع انتهاء الدورات البرلمانية، وبدء الترشح فى الانتخابات التى أصبحت فى المقام الأول، صراعاً قبلياً عصبياً قبل أن يكون صراعاً سياسياً، فالقبيلة التى تستحوذ على كرسى فى البرلمان، تعتبر نفسها صاحبة النفوذ والسلطة، ففى شمال قنا عادة كان الحزب الوطنى يخلق هذا الصراع باختيار مرشحين من قبيلتى العرب والهوارة لخلق توازن قبلى، أما فى مدينة قنا فالصراع يكون بين الأشراف والحميدات وقبيلة الجبلاو على المقاعد البرلمانية.
عام 2000 م لم تكن الخلافات الثأرية بين القبيلتين على قطعة أرض، ولكنها كانت على كرسي البرلمان، حيث تحول هذا الخلاف إلى صراع دموي في الدائرة المعروفة انتخابيا بدائرة "الرئيسية"، بمدينة نجع حمادي شمال محافظة قنا، عندما ترشح الإذاعي الكبير فهمي عمر، ابن قبيلة "الهمامية" أحد فروع هوارة للبرلمان، وعلى أثرها لقي نجله وابن شقيقه مصرعهما على أيدي مجهولين، الذين أطلقوا عليهما عدة أعيرة نارية، مما زاد الموقف اشتعالا بعد ذلك، ولقي شخصان من قبيلة "العرب" مصرعهما.
عام 2005، ازدادت حدة الاشتباكات بين العرب والهوارة، وانتقلت الاشتباكات إلى دائرة نجع حمادي في الانتخابات البرلمانية بين ابن قبيلة العرب عبدالرحيم الغول، أقدم برلماني في مصر، وبين فتحي قنديل، ابن قبيلة "النجمية"، أحد فروع الهوارة، بسبب الخلافات التي كانت بين الغول واللواء عادل لبيب، محافظ قنا وقتها، علاوة على خلافات الغول مع الأقباط في ذلك الوقت، وتدخل قنديل في المشكلة، واحتدم الصراع بينهما الأمر الذي أدى إلى إغلاق مدينة نجع حمادي بالكامل قبل انتخابات البرلمان بيومين.
حرب أهلية
وشهد عام 2013 اشتباكات استمرت لمدة ثلاثين يوماً بين "الحميدات"، أحد فروع الهوارة مع أهالي قرية "الترامسة" وهم من المنتمين لقبيلة العرب؛ بسبب مشادات بين سائقي الميكروباصات "السرفيس" المنتمين لكلا القبيلتين، والتي أدت إلى إغلاق مدينة قنا بالكامل، وقيام القبيلتين باختطاف أشخاص من الجانبين، أسفرت عن مصرع 5 أشخاص، اثنين من "الحميدات" وثلاثة من "العرب"، وإصابة أكثر من 50 شخصا من القبيلتين.
تلاميذ تحت خط النار
للثأر تأثير سلبى على العملية التعليمية، ففى المناطق التى بها خلافات ثأرية قبلية، عادة ما يتدهور بها التعليم، وقد ينعدم نهائياً فى التناحر، الأمر الذى أدخل الرعب فى نفوس الطلاب، حتى تمكنت مديرية التربية والتعليم، من إبرام اتفاق مع الداخلية ومديرية أمن قنا، لحماية المدارس والطلاب. كما أن هناك مدارس مع بداية العام الدراسى الجديد يتخذها أحد طرفى الصراع موقعاً لإطلاق النيران، كما حدث فى أبوحزام، وحمردوم، فى نجع حمادى، والسمطا وفاو فى مركز دشنا شمال قنا، ورصدت «صحيفة الوطن» أكثر من 20 مدرسة فى مرمى الثأر، منها 7 مدارس فى مدينة فرشوط، و9 مدارس فى مركز دشنا بقرية ألميات ونجع عبدالقادر.
كرام القوم
هناك عدة مدارس للصلح فى الثأر:
▪️مدرسة_قبيلة «العبابدة»، التى تجبر القاتل على حمل القودة، أو ما يسمى «الكفن»، ويكون حافى القدمين وحليق الرأس، كما تجبره على السير على قدميه مسافة 3 كيلو مترات، ويزوجونه من فتاة من أهل القتيل، حتى تكون نهاية الدفن فى مقابرهم.
▪️المدرسة الثانية، وشائعة فى قرى قنا الجنوبية، فهى مدرسة تجبر القاتل على لبس الجلباب الأسود، ويكون حافى القدمين، وحليق الرأس، ومجرور الرقبة، ويقيم القاتل عند أهل القتيل لخدمتهم دون الاختلاط أو الزواج منهم،
▪️مدرسة الأسرة «الدندراوية» وهى التى أرساها الأمير العباس الدندراوى فى قرية دندرة بقنا، وهى تجبر القاتل على تقديم «القودة» وهو مرتدى الجلباب الأسود المقلوب، ومجرور من رقبته، وحافى القدمين، وهذه المدرسة تقوم بإعدال الجلباب الأسود للقاتل حين يقف أمام أهل القتيل.
▪️المدرسة الرابعة وهى الشائعة فتتمثل فى أن القاتل يقدم كفنه مدوناً عليه تاريخ الصلح واسم مقدمه، ويكون مطوياً على هيئة مستطيل، يحمله على ساعديه، مرتدياً جلبابه العادى، أياً كان نوعه، عكس المدارس الثلاث السابقة، مع إلغاء جر الرقبة، وتبديلها بمحاباة القاتل بقيادة شرطية، وأحد رجال لجنة المصالحات وتقديمه لأهل الضحية، الذين يردون بعبارة «عفونا عنك».
للمشكلة حلول فهل يأتي يوم وتتبناها الدولة⁉️
لوقف حمامات الدماء و إهدار الملايين على السلاح و الزخيرة و إنقاذ أرواح أبنائنا و مستقبلهم بمحافظات الصعيد عموما خاصة محافظات《 أسيوط و سوهاج وقنا》 يجب على الحكومة التالي:
1 ▪︎ سن قانون عقوبات يتم تطبيقه في حالة القتل على أساس تطبيق الحد وفق الشريعة الأسلامية مثلما يطبق في المواريث مع السماح للدية أو العفو في حالة قبول أهل القتيل وفق الشريعة الأسلامية هذا للمسلمين و ما يقابله في الشريعة المسيحية للمسيحين من خلال لجان من علماء الفقه الأسلامي و المسيحي لتشريع القانون.
هذا هو السبب الأول في أنهاء الصراعات القبلية بالمملكة العربية السعودية بعيدا عن الحيل القانونية وتلاعب فسدة المحاماه بثغرات القانون الوضعي.
2 ▪︎ زيادة الوعي الديني بين أبناء الشعب خاصة التسامح و المحبه و التعاون والقرآن الكريم أشار فى سورة الحجرات، حيث قال المولى عز وجل، «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
وعن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: «كنت عند ابن عباس- رضى الله عنهما– فأتاه رجل، فمت إليه برحم بعيدة، فقال ابن عباس: قال رسول الله–صلى الله عليه وسلم : «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم» وفى رواية: «احفظوا أنسابكم، تصلوا أرحامكم».
و أن الحد في تطبيقه له أصول فقهية للقاضي و المشرع فقط الحق في تطبيقها ليس منها قتل غير القاتل #كثأر_للقتيل!!
3 ▪️ سرعة أتمام الاجرائات القضائية و المحاكمة التي تأخذ أعوام فيلجأ أهل القتيل الي أخذ ثأر أبنهم بأيديهم و في دول أخرى بعد انتهاء التحقيق تكون المحاكمه في أيام لا أعوام.!
قد نتفهم التمهل في التحقيق لتجنب الظلم وجمع الأدلة و مع ذلك بطئ اجرائات التحقيق قد يمنح للجاني فرصه الهرب أو طمس الأدلة لكن تأخير حكم القضاء لا يقبل بأي حال من الأحوال.
4 ▪︎ دعم التنمية الأقتصادية في بلاد الصعيد التي تم تهميشها لعقود فأضحت طارده للسكان تعج بالجهل و الفقر في كثيرا من قرها وذلك من خلال أنشاء الطرق و فتح منافذ للموانئ و المطارات و أنشاء البنيه التحتية الداعمة و الغطاء التشريعي المشجع للأستثمار و جاذب للشركات و المصانع وتشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة للأستثمار القوى البشرية الهائلة بالصعيد التي تتمناها دول مثل اللمانيا و اليابان.
هذا الخطوه بدأت ولكن بشكل غير كافي وبطيئ
5 ▪︎ دعم المنظومة التعليمية و مؤسساتها في بلاد الصعيد فأبنائه قدموا أعلام ونوابغ في تاريخ الأمة.
6 ▪︎ زيادة القوة الأمنية للدولة في تجفيف منابع السلاح و محاربة مهربية و التدخل الاحترافي السريع لمنع تحول الاشتباكات البسيطه إلى مجازر عنيفه.
7 ▪︎ ارساء نظام برلماني يحارب الترشح على أسس قبلية من خلال الاستعانة بأساتذة علم الاجتماع و كبار السياسيين و المفكرين.
أدعم المقال برأيك الشخصي وبالمشاركه
المصادر: __(تقارير صحفية )______
▪️ قنا: عرب و أشراف و هوارة .. "سلسال" لا ينتهي _ صحيفة الوطن.
▪️" تسيس " الصراع بين قبيلتي العرب و الهوارة في قنا... كارثة ولعب بالنار!! _ اليوم السابع.
▪️ العرب و الهوارة في مصر _ روز اليوسف.
▪️ أصل الصراع الأزلي بين العرب و الهوارة بالصعيد _ نون بوست.
___________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك