الأحد، 12 يناير 2025

قيس بن سعد بن عبادة: داهية العرب الذي روّضه الإسلام



قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، رضي الله عنه، أحد أبرز شخصيات العرب في عصر النبوة والخلافة الراشدة. كان نموذجًا فريدًا للدهاء والذكاء، وقد صقل الإسلام شخصيته ليصبح أحد أعظم القادة الذين عرفهم التاريخ الإسلامي.


زعيم الأنصار الذي افتقد لحيةً

كان قيس شابًا مهيبًا، رغم حداثة سنه، يحظى باحترام الأنصار الذين رأوا فيه زعيمًا بالفطرة. إلا أن مظهره الخارجي كان يفتقر إلى اللحية التي كانت تعدّ رمزًا للرجولة والهيبة في ذلك العصر. يقول عمرو بن دينار: "كان قيس بن سعد رجلاً ضخمًا جسيماً، صغير الرأس، ليست له لحية. إذا ركب حمارًا خطت رجلاه الأرض. وكان مع ذلك جميلًا."

وقد بلغ حب الأنصار له حدًّا جعلهم يقولون: "وددنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا."


الجود شيمة أهل البيت

نشأ قيس في بيت من أكرم بيوت العرب. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عائلته: "إن الجود شيمة أهل هذا البيت."

كان والده، الصحابي الجليل سعد بن عبادة، سيد الخزرج وأحد زعماء الأنصار. ولم يكن الجود خُلقًا مكتسبًا لدى قيس، بل هو إرث تربى عليه منذ نعومة أظفاره. عُرف بيتهم بإكرام الضيف، وكان لهم منادٍ يدعو الناس إلى طعامهم نهارًا، ونار تُوقد ليلاً تهدي الغريب.


خادم النبي وصاحب الشرطة

حين أسلم سعد بن عبادة، قدم ابنه قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "هذا خادمك يا رسول الله."

فلازمه قيس وأصبح من أقرب الناس إليه. قال أنس بن مالك: "كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير."

لم يكن قيس مجرد خادم، بل كان قائدًا شجاعًا يحمل لواء الأنصار في المعارك، وقد شارك في معظم الغزوات مع النبي. يوم فتح مكة، استلم الراية من أبيه سعد، ليكمل مسيرة البطولة والشجاعة.


دهاء قيس: نعمة الإسلام وتهذيب الذكاء

وصف قيس نفسه قائلاً: "لولا الإسلام، لمكرت مكراً لا تطيقه العرب."

كان ذكاؤه ودهاؤه استثنائيين، لكنه وظفهما في نصرة الإسلام والابتعاد عن المكر السيئ. في معركة صفين، حيث كان في صف علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ضد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، كان بإمكانه استغلال دهائه للإيقاع بمعاوية، لكنه كان يتراجع عند تذكر قول الله تعالى: "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ."

لقد كان الإسلام هو العامل الذي هذب دهاء قيس وجعل منه أداة للبناء لا للهدم.


وفاته وروايته للحديث

عاش قيس بن سعد في المدينة المنورة، حيث روى أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد نقل عنه العديد من الصحابة والتابعين. توفي رضي الله عنه في أواخر خلافة معاوية بن أبي سفيان، تاركًا إرثًا خالدًا من الشجاعة والجود والذكاء.


مصادر السيرة

▪️رجال حول الرسول

▪️سير أعلام النبلاء للذهبي

▪️تاريخ ابن عساكر


قيس بن سعد بن عبادة، رضي الله عنه، هو مثال حيّ على كيف يصقل الإسلام أعظم المواهب ويوجهها لخدمة الإنسانية، ليظل اسمه خالدًا في صفحات التاريخ.

__________________________

قبيلة المعابدة الأنصار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك