سعد بن عبادة: نسبه، حياته، ومواقفه البارزة
أصل سعد بن عبادة وكنيته
سعد بن عبادة بن دليم بن كعب، من قبيلة الخزرج الأنصارية، كان أحد زعمائها وأبرز شخصياتها. لُقِّب بـ"الكامل" لإتقانه عدة مهارات، منها الكتابة في زمن الجاهلية، وإجادته السباحة والرماية. اشتهر بكنيتي "أبي ثابت" و"أبي قيس". أما والدته، عمرة بنت مسعود، فكانت من أوائل النساء اللاتي أسلمن وبايعن النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفيت بالمدينة المنورة في العام الخامس للهجرة.
نسبه و نسله:
-
الاسم: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن النعمان بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن الأزد.
-
نسله: يعود بالنسب إليه رضي الله عنه بني نصر، أو النصريون أو بني الأحمر، هذه الأسرة كانت من أبرز الأسر التي حكمت غرناطة في أواخر العصر الإسلامي بالأندلس، وظلت تسيطر على المدينة حتى سقوط غرناطة في 1492م خلال فترة حكم آخر ملوك بني الأحمر، أبو عبد الله محمد، ومن ذريته قبائل الركابية، البقيرية، الشوافع المعابدة، السعايدة، والحمادية، والقضاة، آل هيتم، النجمية، النصيرات، زبيد، الدليم، بنو ساعدة، آل بشعيب، آل عماري، بنو غانم، آل صنع الله الساعدي، الزغول، كل أنصر، بنو عرمر، آل قطب،
سعد بن عبادة في الجاهلية
لم يكن سعد رجلاً عاديًا بين قومه، فقد كان سيدًا في قومه، عُرف بشجاعته، وقوة شخصيته، كما تميز بمعارفه التي لم تكن شائعة بين العرب آنذاك، مثل القدرة على الكتابة، مما أضفى عليه مكانة خاصة بين قومه.
دخول سعد بن عبادة الإسلام
كان سعد من أوائل من استجابوا لدعوة الإسلام من الأنصار، فشهد بيعة العقبة الكبرى ضمن السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد النقباء الاثني عشر الذين اختارهم رسول الله ليكونوا ممثلين للأنصار. بعد إسلامه، لم يتوانَ عن العمل في سبيل الله، وكان ممن وقفوا ضد الوثنية في يثرب، حيث شارك مع المنذر بن عمرو وأبو دجانة في تحطيم أصنام بني ساعدة.
أثر النبي في تربية سعد بن عبادة
كان للنبي صلى الله عليه وسلم دور كبير في تهذيب شخصية سعد، وتعليمه دروسًا عملية في الإيمان والحكمة. ومن المواقف المؤثرة، أنه لما أصيب زيد بن حارثة، بكى النبي صلى الله عليه وسلم بشدة، فاستغرب سعد ذلك وسأله عن سبب البكاء، فأجابه النبي: "هذا شوق الحبيب إلى حبيبه". كما حذّره النبي من المخاطرة، بعد أن خرج سعد ليلاً في وقت خطر، فتعرض لهجوم كاد يودي بحياته.
سمات شخصية سعد بن عبادة
١- شدة غيرته
كان سعد بن عبادة رضي الله عنه غيورًا على محارمه غيرة شديدة، وهو ما يظهر بوضوح في موقفه عندما نزلت آية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4]، حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لو رأيت رجلاً مع امرأتي، لم أستطع أن أفعل شيئًا حتى آتي بأربعة شهداء؟!"، فكان هذا السؤال يعكس شدة غيرته واهتمامه بالحفاظ على شرف أسرته.
ردّ النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدًا حكم الله، وأوضح له أن هذا هو الواجب الشرعي في مثل هذه الحالات، ما يعكس حرص الإسلام على الالتزام بالشهادات والعدالة.
من جهة أخرى، يُظهر سعد بن عبادة غيرة فطرية قوية على محارمه، حيث قال في حادثة أخرى:
"لو رأيتُ رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بالسيف غير مُصْفِحٍ."
وعندما بلغ هذا القول النبي صلى الله عليه وسلم، أعرب عن إعجابه بغيرة سعد، وقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني." ثم أضاف النبي صلى الله عليه وسلم موضحًا: "ومن أجل غيرة الله حَرَّم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن."
٢- سخاؤه وجوده
كان سعد من أكرم أهل المدينة، يُنسب كرمه إلى آبائه الذين اشتهروا بالجود. كان بيته دائمًا مفتوحًا، وقد اعتاد أن يرسل للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا يوميًا من بيته، حتى أصبحت جفنة سعد تدور بين بيوت أزواج النبي.
وكان رضي الله عنه، رمزًا للكرم والجود في الجاهلية والإسلام. يذكر أن له أطُمًا يُنادى عليه كل يوم: "من أحب الشحم واللحم، فليأتِ أطم دُليم بن حارثة"، مما يعكس سخاءه وكرمه. كما كانت جفنة طعامه تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه، دلالةً على قربه ومحبته للنبي. وقد شهد له قومه بكرمه، فقالوا: "كان الرجل من الأنصار ينطلق إلى داره بالواحد من المهاجرين، أو بالاثنين، أو بالثلاثة. وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثمانين".
٣- ثباته على مواقفه
يتجلى ذلك في موقفه يوم السقيفة، حيث أصرّ على رأيه بوجوب أن يكون الحكم بيد الأنصار، ولم يبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وظل ثابتًا على موقفه حتى وفاته.
مواقف سعد بن عبادة مع النبي صلى الله عليه وسلم
شجاعة سعد بن عبادة في الجهاد و قتال المشركين
سعد بن عبادة رضي الله عنه هو أحد القادة البارزين في تاريخ الإسلام، وواحد من أبرز الصحابة الذين كان لهم دور كبير في الجهاد ضد المشركين. وُلد سعد بن عبادة في مدينة يثرب (المدينة المنورة)، وكان من أسرة نبيلة في قبيلة الخزرج، وعُرف بشجاعته وإقدامه في المعارك التي خاضها إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم. ورغم أن سعد بن عبادة قد شهد العديد من الغزوات والمعارك، فإنه ترك بصمة كبيرة في تاريخ الجهاد الإسلامي من خلال شجاعته وقيادته الحكيمة.
دوره في غزوة بدر
في غزوة بدر الكبرى، التي كانت أولى المعارك التي خاضها المسلمون ضد المشركين في مكة، كان لسعد بن عبادة دور حاسم في إظهار شجاعته. فقد كان أحد القادة الذين قاموا بمساندة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الهام. بالرغم من أنه كان يعتبر من كبار الأنصار، إلا أنه أظهر إصراراً كبيراً على المشاركة في القتال والمساهمة في نصرة الإسلام.
في غزوة بدر، كان سعد بن عبادة يحمل همّ حماية النبي صلى الله عليه وسلم وتأمين الطريق أمام المسلمين لتحقيق النصر. كان قلبه مشبعاً بالإيمان وحرصاً على نصرة الله ورسوله، وهو ما دفعه للمشاركة في المعركة بشجاعة، حيث حمل سيفه وقاتل ببسالة إلى جانب باقي المسلمين. كانت مشاركته في تلك الغزوة هي البداية لشجاعته المستمرة في المعارك.
دوره في غزوة أحد
في غزوة أحد، التي وقعت بعد غزوة بدر، كان لسعد بن عبادة أيضاً دور بارز. فبمجرد أن بدأت المعركة، كانت الخطة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تهدف إلى حماية المسلمين من هجوم المشركين، خاصة من جهة الجبل. وعلى الرغم من الهجوم المفاجئ من قبل المشركين وتغير مجريات المعركة، كان سعد بن عبادة لا يزال في الصفوف الأمامية يحارب بكل ما أوتي من قوة.
وقد أُصيب سعد بن عبادة في غزوة أحد، إلا أن ذلك لم يثنه عن المشاركة في الدفاع عن دينه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعد أن تراجع المسلمون في المعركة بسبب خرق الرماة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، ظل سعد بن عبادة صامداً وأظهر عزماً شديداً على الاستمرار في القتال حتى تحقيق النصر أو الشهادة.
شجاعته في معركة حنين
من المعارك الأخرى التي أظهر فيها سعد بن عبادة شجاعة لا مثيل لها، هي معركة حنين. في هذه المعركة، كان المسلمين في البداية يعانون من الهزيمة بسبب المفاجأة التي أحدثها المشركون في بداية الهجوم. لكن سعد بن عبادة، الذي كان واحداً من القادة البارزين في صفوف المسلمين، ثبت في مكانه، ورفع الروح المعنوية للمجاهدين.
كان سعد يساند القوات الإسلامية، محارباً بقوة رغم الظروف الصعبة، وساهم بشكل ملحوظ في تحويل دفة المعركة لصالح المسلمين بعد أن اختلطت الصفوف وظهرت روح الإيمان واليقين. ورغم أن المعركة كانت صعبة وشاقة، إلا أن شجاعة سعد بن عبادة أظهرت كيف يمكن للقائد أن يلعب دوراً كبيراً في رفع المعنويات وقيادة المسلمين إلى النصر.
شجاعته في مواقف أخرى
عُرف سعد بن عبادة بالشجاعة في مواقف أخرى عديدة، فقد كان حريصاً على الجهاد في سبيل الله والمشاركة في الدفاع عن دينه ونبيه. كانت حياته مليئة بالمواقف البطولية التي تدل على إيمانه الراسخ بالله، وحرصه على حماية الأمة الإسلامية. حتى في المواقف التي لم تكن تتطلب القتال المباشر، كان سعد بن عبادة من أبرز القادة الذين يقودون الناس في ساحة المعركة ويشجعونهم على الثبات والنصر.
مرض سعد وزيارة النبي له
عندما مرض سعد مرضًا شديدًا، زاره النبي صلى الله عليه وسلم برفقة بعض الصحابة، وحين رأى حالته تأثر بشدة حتى بكى، ثم قال: "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولكن يعذب بهذا".
دعاء النبي له
زار النبي سعد بن عبادة في بيته، فأُحضر له الطعام، فدعا له قائلًا: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة".
سعد بن عبادة في مواجهة الصحابة بعد وفاة النبي
١- موقفه يوم السقيفة
بعد وفاة النبي محمد ﷺ، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة له، فاختاروا سعد بن عبادة، سيدهم، أميرًا عليهم. خلال الاجتماع، تحدث سعد بن عبادة مبينًا سابقتهم في الإسلام وفضائلهم، مؤكدًا أنهم أحق بالخلافة. قال:
"يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب؛ إن محمدًا لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ وبكم قرير عين، استبدوا بالأمر دون الناس؛ فإنه لكم دون الناس."
في المقابل، أصر المهاجرون على أن الخلافة يجب أن تكون في قريش، مستندين إلى حديث النبي ﷺ: "الأئمة من قريش". بعد نقاش طويل، بايع الأنصار والمهاجرون أبا بكر الصديق خليفة للمسلمين. يُذكر أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر في البداية، لكنه بايعه لاحقًا بعد أن أذعن للأمر.
هذا الموقف يبرز التحديات التي واجهها الصحابة في تحديد القيادة بعد وفاة النبي ﷺ، وكيف تم تجاوزها لصالح وحدة الأمة الإسلامية.
٢- موقفه مع عمر بن الخطاب
بعد تولي عمر الخلافة، قابله سعد في أحد طرق المدينة، فقال له عمر: "أنت صاحب ما أنت صاحبه؟". فأجابه سعد: "نعم، وقد أصبحت كارهًا لجوارك". عندها قال عمر: "من كره جوار جاره فليتحول عنه". لم يمضِ وقت طويل حتى غادر سعد إلى الشام، حيث وافته المنية في منطقة حوران.
أقوال سعد بن عبادة
كان سعد رجلًا حكيمًا، ومن كلماته المشهورة:
"اللهم هب لي مجدًا، ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه".
وفي يوم السقيفة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة للبحث في أمر الخلافة. كان سعد بن عبادة، أحد كبار الأنصار، أحد المتحدثين الرئيسيين في هذا الاجتماع. وقال سعد بن عبادة في ذلك اليوم مخاطبًا الأنصار: "يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام، ولا يُنكر ذلك أحد. لقد لبث محمد صلى الله عليه وسلم في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم، فما آمن به إلا قليل. وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ، وأنتم أهل سابقة وفضيلة. فلا ينبغي أن يُستبعد أمر الخلافة عنكم". وقد رُوي هذا الحديث في عدة مصادر من أهل السنة، منها "صحيح مسلم" و"صحيح البخاري".
موقف سعد بن عبادة في غزوة حنين
في غزوة حنين، بعد أن منَّ الله على المسلمين بالنصر، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتوزيع الغنائم. أعطى المؤلفة قلوبهم من طلقاء مكة وزعمائها نصيبًا وافرًا، بينما لم يحصل الأنصار، الذين كانوا قد خاضوا المعركة بشجاعة، على نصيبهم العادل. اجتمع بعضهم في قبة خاصة بهم، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة، سيد الخزرج، ليستفسر عن الأمر. قال له:
"ما أنا إلا امرؤٌ من قومي."
وبذلك عبّر سعد عن شعوره بما يعتمل في نفوس قومه وصراحته وشجاعته، وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، طلب من سعد بن عبادة أن يجمعهم، فوقف فيهم خطيبًا وقال:
"يا معشر الأنصار، ما مقالةٌ بلغتني عنكم؟ أوجدتم عليَّ في لُعاعةٍ من الدنيا أعطيتها أقوامًا أتألفهم بها إلى الإسلام، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي؟ ألم أجدكم عالةً فأغناكم الله بي؟ ألم أجدكم متفرقين فجمعكم الله بي؟"
فأجابوه جميعًا:"لله ولرسوله المنُّ والفضل."
ثم قال صلى الله عليه وسلم:"أما إنكم لو شئتم لقلتم، فصدقتم، ولُصدِّقتُم: أتيتنا مكذبًا فصدقناك، وطريدًا فآويناك، ومخذولًا فنصرناك، وعائلًا فآسيناك."
وبذلك طمأن النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الأنصار، وأوضح لهم حكمة توزيع الغنائم، مؤكدًا على فضلهم ومكانتهم في الإسلام.
وفاة سعد بن عبادة
بعد تركه المدينة، استقر سعد في الشام، حيث توفي في ظروف غامضة. تقول بعض الروايات إنه قُتل بسهم مجهول، وقيل إن الجن قتلوه، فكان يُسمع في تلك المنطقة صوت يقول:
"نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة، ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده".
الخاتمة
كان سعد بن عبادة أحد أعمدة الإسلام في المدينة، اشتهر بكرمه وولائه للنبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه بقي متمسكًا بمواقفه حتى النهاية. سواءً في حياته السياسية أو الاجتماعية، ظل اسمه رمزًا للعطاء والثبات. فما رأيك في شخصية سعد بن عبادة؟ وهل تعتقد أن موقفه من الخلافة كان صائبًا؟