غلاب بك الأنصاري من جبال صعيد مصر
نسبة ونشأته:
![]() |
أحمد عرابي |
قصر غلاب بك:
عن حياته الاجتماعية والأسرية:
![]() |
محمَد باشا توفيق |
![]() |
الدكتور سيد غلاب برفقه والده |
![]() |
اليوزباشي كمال أحمد الباجي. |
![]() |
أحمد عرابي |
![]() |
محمَد باشا توفيق |
![]() |
الدكتور سيد غلاب برفقه والده |
![]() |
اليوزباشي كمال أحمد الباجي. |
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبألم عميق وحزن كبير، تنعي عائلات المعابدة فقيدها الغالي، السيد اللواء خالد عبد الرزاق المعبدي، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتفاني في خدمة الوطن، حيث كان مثالًا للأمانة والشجاعة والإخلاص في عمله بالحرس الجمهوري.
لقد فقدنا برحيله رجلاً عظيمًا، كان رمزًا للوفاء والتضحية، وقدم الكثير من الجهد والعرق من أجل حماية وطنه وشعبه. كان الفقيد، رحمه الله، مثالًا للقيادة الحكيمة، قلبه ملئ بالحب والعطاء، وعقله نابغًا في اتخاذ القرارات الصائبة التي خدمت العديد من الأجيال.
إن الفقيد كان دائمًا مصدر فخر واعتزاز لعائلته ووطنه، لا يعرف الكلل ولا الملل في السعي وراء خدمة بلاده، وكان له بصمة واضحة في جميع المجالات التي عمل فيها، تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من الإنجازات التي ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال القادمة.
رحل السيد اللواء خالد عبد الرزاق المعبدي، ولكن أعماله وإنجازاته ستظل حية في قلوب كل من عرفه، وأثره الطيب سيظل يذكره الجميع بكل حب وتقدير.
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر له واذق قلبه الراحة الأبدية، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، ووفقنا جميعًا لتذكره بأجمل الذكريات، ولنجعل من سيرته نبراسًا في حياتنا.
اللهم ارزق أهله وذويه الصبر والسلوان، واجعل هذه المحنة في ميزان حسناتهم، واجعلها حافزًا لهم للاستمرار في السير على درب الفقيد في العمل والعطاء.
نسأل الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعله من أهل الجنة، وأن يرزقنا جميعًا الصبر على فراقه، وأن يكون هذا البلاء سببًا في رفعة درجاته في الآخرة.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
سعد بن عبادة بن دليم بن كعب، من قبيلة الخزرج الأنصارية، كان أحد زعمائها وأبرز شخصياتها. لُقِّب بـ"الكامل" لإتقانه عدة مهارات، منها الكتابة في زمن الجاهلية، وإجادته السباحة والرماية. اشتهر بكنيتي "أبي ثابت" و"أبي قيس". أما والدته، عمرة بنت مسعود، فكانت من أوائل النساء اللاتي أسلمن وبايعن النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفيت بالمدينة المنورة في العام الخامس للهجرة.
الاسم: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن النعمان بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن الأزد.
نسله: يعود بالنسب إليه رضي الله عنه بني نصر، أو النصريون أو بني الأحمر، هذه الأسرة كانت من أبرز الأسر التي حكمت غرناطة في أواخر العصر الإسلامي بالأندلس، وظلت تسيطر على المدينة حتى سقوط غرناطة في 1492م خلال فترة حكم آخر ملوك بني الأحمر، أبو عبد الله محمد، ومن ذريته قبائل الركابية، البقيرية، الشوافع المعابدة، السعايدة، والحمادية، والقضاة، آل هيتم، النجمية، النصيرات، زبيد، الدليم، بنو ساعدة، آل بشعيب، آل عماري، بنو غانم، آل صنع الله الساعدي، الزغول، كل أنصر، بنو عرمر، آل قطب،
لم يكن سعد رجلاً عاديًا بين قومه، فقد كان سيدًا في قومه، عُرف بشجاعته، وقوة شخصيته، كما تميز بمعارفه التي لم تكن شائعة بين العرب آنذاك، مثل القدرة على الكتابة، مما أضفى عليه مكانة خاصة بين قومه.
كان سعد من أوائل من استجابوا لدعوة الإسلام من الأنصار، فشهد بيعة العقبة الكبرى ضمن السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد النقباء الاثني عشر الذين اختارهم رسول الله ليكونوا ممثلين للأنصار. بعد إسلامه، لم يتوانَ عن العمل في سبيل الله، وكان ممن وقفوا ضد الوثنية في يثرب، حيث شارك مع المنذر بن عمرو وأبو دجانة في تحطيم أصنام بني ساعدة.
كان للنبي صلى الله عليه وسلم دور كبير في تهذيب شخصية سعد، وتعليمه دروسًا عملية في الإيمان والحكمة. ومن المواقف المؤثرة، أنه لما أصيب زيد بن حارثة، بكى النبي صلى الله عليه وسلم بشدة، فاستغرب سعد ذلك وسأله عن سبب البكاء، فأجابه النبي: "هذا شوق الحبيب إلى حبيبه". كما حذّره النبي من المخاطرة، بعد أن خرج سعد ليلاً في وقت خطر، فتعرض لهجوم كاد يودي بحياته.
كان سعد بن عبادة رضي الله عنه غيورًا على محارمه غيرة شديدة، وهو ما يظهر بوضوح في موقفه عندما نزلت آية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4]، حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لو رأيت رجلاً مع امرأتي، لم أستطع أن أفعل شيئًا حتى آتي بأربعة شهداء؟!"، فكان هذا السؤال يعكس شدة غيرته واهتمامه بالحفاظ على شرف أسرته.
ردّ النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدًا حكم الله، وأوضح له أن هذا هو الواجب الشرعي في مثل هذه الحالات، ما يعكس حرص الإسلام على الالتزام بالشهادات والعدالة.
من جهة أخرى، يُظهر سعد بن عبادة غيرة فطرية قوية على محارمه، حيث قال في حادثة أخرى:
"لو رأيتُ رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بالسيف غير مُصْفِحٍ."
وعندما بلغ هذا القول النبي صلى الله عليه وسلم، أعرب عن إعجابه بغيرة سعد، وقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني." ثم أضاف النبي صلى الله عليه وسلم موضحًا: "ومن أجل غيرة الله حَرَّم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن."
كان سعد من أكرم أهل المدينة، يُنسب كرمه إلى آبائه الذين اشتهروا بالجود. كان بيته دائمًا مفتوحًا، وقد اعتاد أن يرسل للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا يوميًا من بيته، حتى أصبحت جفنة سعد تدور بين بيوت أزواج النبي.
وكان رضي الله عنه، رمزًا للكرم والجود في الجاهلية والإسلام. يذكر أن له أطُمًا يُنادى عليه كل يوم: "من أحب الشحم واللحم، فليأتِ أطم دُليم بن حارثة"، مما يعكس سخاءه وكرمه. كما كانت جفنة طعامه تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه، دلالةً على قربه ومحبته للنبي. وقد شهد له قومه بكرمه، فقالوا: "كان الرجل من الأنصار ينطلق إلى داره بالواحد من المهاجرين، أو بالاثنين، أو بالثلاثة. وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثمانين".
يتجلى ذلك في موقفه يوم السقيفة، حيث أصرّ على رأيه بوجوب أن يكون الحكم بيد الأنصار، ولم يبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وظل ثابتًا على موقفه حتى وفاته.
سعد بن عبادة رضي الله عنه هو أحد القادة البارزين في تاريخ الإسلام، وواحد من أبرز الصحابة الذين كان لهم دور كبير في الجهاد ضد المشركين. وُلد سعد بن عبادة في مدينة يثرب (المدينة المنورة)، وكان من أسرة نبيلة في قبيلة الخزرج، وعُرف بشجاعته وإقدامه في المعارك التي خاضها إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم. ورغم أن سعد بن عبادة قد شهد العديد من الغزوات والمعارك، فإنه ترك بصمة كبيرة في تاريخ الجهاد الإسلامي من خلال شجاعته وقيادته الحكيمة.
في غزوة بدر الكبرى، التي كانت أولى المعارك التي خاضها المسلمون ضد المشركين في مكة، كان لسعد بن عبادة دور حاسم في إظهار شجاعته. فقد كان أحد القادة الذين قاموا بمساندة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الهام. بالرغم من أنه كان يعتبر من كبار الأنصار، إلا أنه أظهر إصراراً كبيراً على المشاركة في القتال والمساهمة في نصرة الإسلام.
في غزوة بدر، كان سعد بن عبادة يحمل همّ حماية النبي صلى الله عليه وسلم وتأمين الطريق أمام المسلمين لتحقيق النصر. كان قلبه مشبعاً بالإيمان وحرصاً على نصرة الله ورسوله، وهو ما دفعه للمشاركة في المعركة بشجاعة، حيث حمل سيفه وقاتل ببسالة إلى جانب باقي المسلمين. كانت مشاركته في تلك الغزوة هي البداية لشجاعته المستمرة في المعارك.
في غزوة أحد، التي وقعت بعد غزوة بدر، كان لسعد بن عبادة أيضاً دور بارز. فبمجرد أن بدأت المعركة، كانت الخطة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تهدف إلى حماية المسلمين من هجوم المشركين، خاصة من جهة الجبل. وعلى الرغم من الهجوم المفاجئ من قبل المشركين وتغير مجريات المعركة، كان سعد بن عبادة لا يزال في الصفوف الأمامية يحارب بكل ما أوتي من قوة.
وقد أُصيب سعد بن عبادة في غزوة أحد، إلا أن ذلك لم يثنه عن المشاركة في الدفاع عن دينه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعد أن تراجع المسلمون في المعركة بسبب خرق الرماة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، ظل سعد بن عبادة صامداً وأظهر عزماً شديداً على الاستمرار في القتال حتى تحقيق النصر أو الشهادة.
من المعارك الأخرى التي أظهر فيها سعد بن عبادة شجاعة لا مثيل لها، هي معركة حنين. في هذه المعركة، كان المسلمين في البداية يعانون من الهزيمة بسبب المفاجأة التي أحدثها المشركون في بداية الهجوم. لكن سعد بن عبادة، الذي كان واحداً من القادة البارزين في صفوف المسلمين، ثبت في مكانه، ورفع الروح المعنوية للمجاهدين.
كان سعد يساند القوات الإسلامية، محارباً بقوة رغم الظروف الصعبة، وساهم بشكل ملحوظ في تحويل دفة المعركة لصالح المسلمين بعد أن اختلطت الصفوف وظهرت روح الإيمان واليقين. ورغم أن المعركة كانت صعبة وشاقة، إلا أن شجاعة سعد بن عبادة أظهرت كيف يمكن للقائد أن يلعب دوراً كبيراً في رفع المعنويات وقيادة المسلمين إلى النصر.
عُرف سعد بن عبادة بالشجاعة في مواقف أخرى عديدة، فقد كان حريصاً على الجهاد في سبيل الله والمشاركة في الدفاع عن دينه ونبيه. كانت حياته مليئة بالمواقف البطولية التي تدل على إيمانه الراسخ بالله، وحرصه على حماية الأمة الإسلامية. حتى في المواقف التي لم تكن تتطلب القتال المباشر، كان سعد بن عبادة من أبرز القادة الذين يقودون الناس في ساحة المعركة ويشجعونهم على الثبات والنصر.
عندما مرض سعد مرضًا شديدًا، زاره النبي صلى الله عليه وسلم برفقة بعض الصحابة، وحين رأى حالته تأثر بشدة حتى بكى، ثم قال: "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولكن يعذب بهذا".
زار النبي سعد بن عبادة في بيته، فأُحضر له الطعام، فدعا له قائلًا: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة".
بعد وفاة النبي محمد ﷺ، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة له، فاختاروا سعد بن عبادة، سيدهم، أميرًا عليهم. خلال الاجتماع، تحدث سعد بن عبادة مبينًا سابقتهم في الإسلام وفضائلهم، مؤكدًا أنهم أحق بالخلافة. قال:
"يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب؛ إن محمدًا لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ وبكم قرير عين، استبدوا بالأمر دون الناس؛ فإنه لكم دون الناس."
في المقابل، أصر المهاجرون على أن الخلافة يجب أن تكون في قريش، مستندين إلى حديث النبي ﷺ: "الأئمة من قريش". بعد نقاش طويل، بايع الأنصار والمهاجرون أبا بكر الصديق خليفة للمسلمين. يُذكر أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر في البداية، لكنه بايعه لاحقًا بعد أن أذعن للأمر.
هذا الموقف يبرز التحديات التي واجهها الصحابة في تحديد القيادة بعد وفاة النبي ﷺ، وكيف تم تجاوزها لصالح وحدة الأمة الإسلامية.
بعد تولي عمر الخلافة، قابله سعد في أحد طرق المدينة، فقال له عمر: "أنت صاحب ما أنت صاحبه؟". فأجابه سعد: "نعم، وقد أصبحت كارهًا لجوارك". عندها قال عمر: "من كره جوار جاره فليتحول عنه". لم يمضِ وقت طويل حتى غادر سعد إلى الشام، حيث وافته المنية في منطقة حوران.
كان سعد رجلًا حكيمًا، ومن كلماته المشهورة:
"اللهم هب لي مجدًا، ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه".
وفي يوم السقيفة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة للبحث في أمر الخلافة. كان سعد بن عبادة، أحد كبار الأنصار، أحد المتحدثين الرئيسيين في هذا الاجتماع. وقال سعد بن عبادة في ذلك اليوم مخاطبًا الأنصار: "يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام، ولا يُنكر ذلك أحد. لقد لبث محمد صلى الله عليه وسلم في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم، فما آمن به إلا قليل. وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ، وأنتم أهل سابقة وفضيلة. فلا ينبغي أن يُستبعد أمر الخلافة عنكم". وقد رُوي هذا الحديث في عدة مصادر من أهل السنة، منها "صحيح مسلم" و"صحيح البخاري".
موقف سعد بن عبادة في غزوة حنين
في غزوة حنين، بعد أن منَّ الله على المسلمين بالنصر، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتوزيع الغنائم. أعطى المؤلفة قلوبهم من طلقاء مكة وزعمائها نصيبًا وافرًا، بينما لم يحصل الأنصار، الذين كانوا قد خاضوا المعركة بشجاعة، على نصيبهم العادل. اجتمع بعضهم في قبة خاصة بهم، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة، سيد الخزرج، ليستفسر عن الأمر. قال له:
"ما أنا إلا امرؤٌ من قومي."
وبذلك عبّر سعد عن شعوره بما يعتمل في نفوس قومه وصراحته وشجاعته، وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، طلب من سعد بن عبادة أن يجمعهم، فوقف فيهم خطيبًا وقال:
"يا معشر الأنصار، ما مقالةٌ بلغتني عنكم؟ أوجدتم عليَّ في لُعاعةٍ من الدنيا أعطيتها أقوامًا أتألفهم بها إلى الإسلام، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي؟ ألم أجدكم عالةً فأغناكم الله بي؟ ألم أجدكم متفرقين فجمعكم الله بي؟"
فأجابوه جميعًا:"لله ولرسوله المنُّ والفضل."
ثم قال صلى الله عليه وسلم:"أما إنكم لو شئتم لقلتم، فصدقتم، ولُصدِّقتُم: أتيتنا مكذبًا فصدقناك، وطريدًا فآويناك، ومخذولًا فنصرناك، وعائلًا فآسيناك."
وبذلك طمأن النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الأنصار، وأوضح لهم حكمة توزيع الغنائم، مؤكدًا على فضلهم ومكانتهم في الإسلام.
بعد تركه المدينة، استقر سعد في الشام، حيث توفي في ظروف غامضة. تقول بعض الروايات إنه قُتل بسهم مجهول، وقيل إن الجن قتلوه، فكان يُسمع في تلك المنطقة صوت يقول:
"نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة، ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده".
كان سعد بن عبادة أحد أعمدة الإسلام في المدينة، اشتهر بكرمه وولائه للنبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه بقي متمسكًا بمواقفه حتى النهاية. سواءً في حياته السياسية أو الاجتماعية، ظل اسمه رمزًا للعطاء والثبات. فما رأيك في شخصية سعد بن عبادة؟ وهل تعتقد أن موقفه من الخلافة كان صائبًا؟
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ
إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو
كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ
وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ
كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ
وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ
يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ
وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها
وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ
إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ
أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها
وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ
أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً
كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً
كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ
لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ
أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ
فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم
قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ
ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ
وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ
أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ
أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم
أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم
وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم
عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ
لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما
كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت
كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً
وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
لِمثلِ هَذا يذوبُ القَلبُ مِن كَمَدٍ
إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
في المساء الأخير على هذه الأرض
نقطع أيامَنا عن شُجيّراتِنا، ونَعُدّ الضلوعَ التي سوفَ نحملُها معنا
والضلوعَ التي سوفَ نتركُها هَهُنا...
في المساء الأخير
لا نُودِّعُ شيئًا، ولا نجدُ الوقتَ كَيْ ننتهي...
كلّ شيءٍ يظلُّ على حالِهِ، فالمكانُ يُبدِّلُ أحلامَنا
ويُبدِّلُ زوّارَهُ...
فجأةً لم نعدْ قادرينَ على السخرية
فالمكانُ معدٌّ لكي يستضيفَ الهباء...
هنا في المساء الأخير
نتملّى الجبالَ المحيطةَ بالغيْم: فتحٌ... وفتحٌ مضادّ
وزمانٌ قديمٌ يُسلِّمُ هذا الزمانَ الجديدَ مفاتيحَ أبوابِنا
فادخلوا، أيُّها الفاتحون، منازلَنا واشربوا خمرَنا
من موشَّحِنا السهل...
فالليلُ نحنُ إذا انتصفَ الليلُ،
لا فجرَ يحملُه فارسٌ قادمٌ من نواحي الأذانِ الأخير...
شايُنا أخضرٌ ساخنٌ فاشربوه، وفُستُقُنا طازجٌ فكُلوه
والأسِرَّةُ خضراءُ من خشبِ الأرزِ، فاستسلِموا للنُعاس
بعد هذا الحصارِ الطويل، وناموا على ريشِ أحلامِنا
المُلاءاتُ جاهزةٌ، والعُطورُ على البابِ جاهزةٌ، والمرايا كثيرةٌ
فادخُلوها لنخرُجَ منها تمامًا...
وعمَّا قليلٍ سنبحثُ عمّا كانَ تاريخَنا
حولَ تاريخِكم في البلادِ البعيدة...
وسنسألُ أنفسَنا في النهاية:
هل كانتِ الأندلسُ ههُنا أم هناكَ؟
على الأرضِ... أم في القصيدة؟
—
كيفَ أكتبُ فوقَ السحابِ وصيّةَ أهلي؟
وأهلي يتركونَ الزمانَ كما يتركونَ معاطفَهم في البيوتِ...
وأهلي كلّما شيّدوا قلعةً هدموها لكي يرفعوا فوقَها
خيمةً للحنينِ إلى أوّلِ النخل...
أهلي يخونونَ أهلي
في حروبِ الدفاعِ عن الملح...
لكنّ غرناطةَ من ذهبٍ
من حريرِ الكلامِ المطرَّزِ باللوزِ
من فضّةِ الدمعِ في وترِ العود...
غرناطةٌ للصعودِ الكبيرِ إلى ذاتِها...
ولها أن تكونَ كما تبتغي أن تكونَ:
الحنينَ إلى أيِّ شيءٍ مضى أو سيمضي...
يحكُّ جناحُ سنونوَّةٍ نهدَ امرأةٍ في السريرِ، فتصرخُ:
غرناطةٌ جسدي!
ويُضيّعُ شخصٌ غزالَتَهُ في البراري، فيصرخُ:
غرناطةٌ بلدي!
وأنا من هناكَ، فغنِّ لي
لتبنيَ الحساسينُ من أضلعي
درجًا للسماءِ القريبةِ...
غنِّ فروسيةَ الصاعدينَ إلى حتفِهم قمرًا قمرًا
في زقاقِ العشيقةِ...
غنِّ طيورَ الحديقةِ حجرًا حجرًا...
كم أحبُّكِ أنتِ التي قطّعتِني وترًا وترًا
في الطريقِ إلى ليلِها الحارّ...
غنِّ... لا صباحَ لرائحةِ البنِّ بعدَكِ...
غنِّ... رحيلي عن هديلِ اليمامِ على ركبتَيكِ
وعن عشِّ روحي في حروفِ اسمِكِ السهل...
غرناطةٌ للغناء، فغنِّ...
—
لي خلفَ السماءِ سماءٌ لأرجعَ، لكنَّني
لا أزالُ أُلمِّعُ معدنَ هذا المكانِ، وأحيا
ساعةً تُبصِرُ الغيبَ...
وأعرفُ أنَّ الزمانَ
لا يُحالِفُني مرتَين...
وأعرفُ أني سأخرجُ من رايتي طائرًا
لا يحطُّ على شجرٍ في الحديقة...
سوفَ يهبطُ بعضُ الكلام عنِ الحبِّ
في شعرِ لوركا الذي سوفَ يسكنُ غرفةَ نومي
ويرى ما رأيتُ من القمرِ البدويِّ...
سأخرجُ من شجرِ اللوزِ قطنًا على زبَدِ...
مرَّ الغريبُ حاملاً سبعَمائةِ عامٍ من الخيلِ...
مرَّ الغريبُ ههُنا، كي يمرَّ الغريبُ هناك...
سأخرجُ بعدَ قليلٍ
من تجاعيدِ وقتي
غريبًا عنِ الشامِ والأندلسْ...
هذهِ الأرضُ ليستْ سمائي، ولكنَّ هذا المساءَ مسائي
والمفاتيحَ لي، والمآذنَ لي، والمصابيحَ لي، وأنا لي أيضًا...
أنا آدمُ الجنتينِ، فقدتُهما مرتَين...
فاطرُدوني على مهلٍ، واقتُلوني على عَجَلٍ، تحتَ زيتونتي، معَ لوركا...
—
وأنا واحدٌ من ملوكِ النهاية...
أقفزُ عن فرسي في الشتاءِ الأخيرِ...
أنا زفرةُ العربيِّ الأخيرة...
لا أطلُّ على الآسِ فوقَ سطوحِ البيوتِ
ولا أتطلَّعُ حولي لئلا يراني هنا أحدٌ كانَ يعرفُني
كانَ يعرفُ أني صقلتُ رخامَ الكلامِ
لتعبرَ امرأتي بقعَ الضوءِ حافيةً...
لا أطلُّ على الليلِ كي لا أرى قمرًا
كانَ يشعلُ أسرارَ غرناطةَ كلَّها جسدًا جسدًا...
لا أطلُّ على الظلِّ كي لا أرى
أحدًا يحملُ اسمِي ويركضُ خلفي:
خذِ اسمَك عني، وأعطني فضّةَ الحورِ...
لا أتلفَّتُ خلفي لئلا أتذكَّرَ أني مررتُ على الأرضِ،
لا أرضَ في هذه الأرضِ منذُ تكسَّرَ حولي الزمانُ الشظايا...
لم أكنْ عاشقًا
كي أُصدِّقَ أنَّ المياهَ مرايا
مثلما قلتُ للأصدقاءِ القدامى...
ولا حبَّ يشفعُ لي
منذُ قبلتُ "معاهدةَ الصلحِ"...
لم يبقَ لي حاضرٌ
كي أمرَّ غدًا قربَ أمسي...
سترفعُ قشتالةُ تاجَها فوقَ مئذنةِ اللهِ...
أسمعُ خشخشةً للمفاتيحِ
في بابِ تاريخِنا الذهبيِّ...
وداعًا لتاريخِنا...
هل أنا من سيُغلقُ بابَ السماءِ الأخيرَ؟
أنا زفرةُ العربيِّ الأخيرة...
—
ذاتَ يومٍ سأجلسُ فوقَ الرصيفِ... رصيفِ الغريبة...
لم أكنْ نرجسًا، بيدَ أني أدافعُ عن صورتِي في المرايا...
أما كنتَ يومًا، هنا، يا غريب؟
في الرَّحيلِ الْكبيرِ أَحِبُّكِ أَكْثَر
عَمّا قَليْلْ تَقْفِلينِ المَدينَةَ. لا قَلْبَ لي في يَديكِ، وَلادَرْبَ يَحمِلُني، في الرَّحيلِ الْكَبيرِ أُحِبُّكِ أَكْثَر.
لا حَليبَ لِرُمّانِ شُرفَتِنا بَعْدَ صَدْرِكِ. خَفَّ النَّخيل، خَفَّ وَزنُ التِّلال، وَخَفَّتْ شَوارِعُنا في الأَصيل. خَفَّتِ الأرضُ إذْ وَدعَتْ أَرضَها، خَفَّتِ الْكَلِمات، والْحِكَاياتُ خَفَّت على دَرَجِ اللَّيل، لَكِنَّ قَلْبي ثَقيل.
فَاترُكيهِ هُنا حَولَ بَيْتكِ يَعوي وَيَبكي الزَّمانَ الْجَميلْ، لَيْسَ لي وَطَنٌ غَيْرَهُ، في الرَّحيل أُحِبُّكِ أَكْثَر.
أُفْرِغُ الرّوح مِنْ آخِر الْكَلِمات: أُحِبُّكِ أَكْثَر.
في الرَّحيلِ تَقودُ الْفَراشاتُ أَرواحَنا، في الرَّحيلْ نَتَذَكَرُ زِرَّ الْقَميصِ الّذي ضاعَ مِنّا، وَنَنْسى تاجَ أَيامِنا.
نَتَذَكَرُ رائِحَةَ الْعَرَقِ الْمِشمِشيِّ، وَنَنْسى رَقصَةَ الْخَيْلِ في لَيْلِ أَعْراسِنا. في الرَّحيلْ نَتَساوى مَعَ الطَّيْر، نَرْحَمُ أَيامَنا، نَكتَفي بِالْقَليلْ.
أَكتَفي مِنْكِ بالْخَنْجَرِ الذَّهبيِّ يُرَقِّصُ قَلْبي الْقَتيلْ، فاقْتُليني، على مَهَلٍ، كَيْ أَقولَ: أَحِبُّكِ أَكْثَرَ مِمّا قُلْتُ قَبْلَ الرَّحيلِ الْكَبير.
أُحِبُّكِ... لا شَيءَ يوجِعُني، لا الْهَواءُ، وَلا الْماءُ... لا حَبَقٌ فِي صَباحِكِ، وَلا زَنْبَقٌ في مَسائِكِ يوجِعُني بَعْدَ هذا الرَّحيلْ...
لا أُريدُ مِنَ الْحُبِّ غَيْرَ الْبِدايَةِ، يَرْفو الْحَمام فَوْقَ ساحاتِ غَرْناطَتي ثَوْبَ هذا النَّهار.
في الْجِرارِ كَثيرٌ مِنَ الْخَمْرِ لِلْعيدِ مِنْ بَعْدِنا، في الأَغاني نَوافِذُ تَكْفي وَتَكْفي لِيَنْفَجِرَ الْجُلَّنار.
أَتْرُكُ الْفُلَّ في الْمَزهَرِيَّةِ، أَتْرُكُ قَلْبي الصَّغير في خِزانَةِ أُمِّيَ، أَتْرُكُ حُلْمِيَ في الْماءِ يَضْحَك، أَتْرُكُ الْفَجْرَ في عَسَلِ التّين، أَتْرُكُ يَوْمي وأَمْسي في الْمَمَرِّ إلى ساحَةِ الْبُرْتُقالَةِ، حَيْثُ يَطيرُ الْحَمام.
هَلْ أَنا مَنْ نَزَلْتُ إلى قَدَمَيْكِ، لِيَعْلُوَ الْكَلام قَمَراً في حَليبِ لَياليكِ أَبْيَضَ؟
دُقّي الْهَواء كَيْ أَرى شارِعَ النّايِ أَزْرَقَ...
دُقِّي الْمَساء كَيْ أَرى كَيْفَ يَمْرَضُ بَيْني وَبَيْنَكِ هذا الرُّخام.
الشَّبابيكُ خالِيَةٌ مِنْ بَساتينِ شالِكِ.
في زَمَنٍ آخَرٍ كُنْتُ أَعْرِفُ عَنْكِ الْكَثيرَ، وَأَقْطُفُ غاردينيا مِنْ أَصابِعِكِ الْعَشْرِ.
في زَمَنٍ آخَرٍ كانَ لي لُؤْلُؤٌ حَوْلَ جِيدكِ، وَاسْمٌ على خاتَمٍ شَعَّ مِنْهُ الظَّلام.
لا أُريدُ مِنَ الْحُبِّ غَيْرَ الْبِدايَةِ، طارَ الْحَمام فَوْقَ سَقْفِ السَّماءِ الأَخيرةِ، طارَ الْحَمامُ وَطار.
سَوْفَ يَبْقى كَثيرٌ مِنَ الْخَمْرِ مِنْ بَعْدِنا، في الْجِرار، وَقَليلٌ مِنَ الأَرْضِ يَكْفي لِكَيْ نَلْتَقي، وَيَحُلَّ السَّلام.
الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الْغَجَرِ الذَّاهِبينَ إلى الأَنْدَلُسْ،
الكَمَنجاتُ تَبْكي على الْعَرَبِ الْخارِجينَ مِنَ الأَنْدَلُسْ،
الكَمَنجاتُ تَبْكي على زَمَنٍ ضائِعٍ لا يَعودْ،
الكَمَنجاتُ تَبْكي على وَطَنٍ قَدْ يَعودْ...
الكَمَنجاتُ تُحْرِقُ غَاباتِ ذاكَ الظَّلامِ الْبَعيد الْبَعيدْ، الكَمَنجاتُ تُدْمي الْمُدى، وَتَشُمُّ دَمي في الْوَريدْ.
الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الْغَجَرِ الذَّاهِبينَ إلى الأَنْدَلُسْ، الكَمَنجاتُ تَبْكي على الْعَرَبِ الْخارِجينَ مِنَ الأَنْدَلُسْ.
الكَمَنجاتُ خَيْلٌ على وَتَرٍ مِنْ سَراب، وَماءٍ يَئِنُ.
الكَمَنجاتُ حَقْلٌ مِنَ اللَّيْلَكِ الْمُتَوَحِّشِ يَنْأى وَيَدنُو.
الكَمَنجاتُ وَحشٌ يُعَذِّبُهُ ظُفْرُ إمْرأةٍ مَسَّهُ، وَابتَعَدْ.
الكَمَنجاتُ جَيْشٌ يُعَمِّرُ مَقْبَرَةً مِنْ رُخاَمٍ وَمِنْ نَهَوَنْدْ.
الكَمَنجاتُ فَوْضى قُلوب تُُُُجَنِّنُها الرِّيحُ في قَدَمِ الرَّاقِصةْ.
الكَمَنجاتُ أْسْرابُ طَيْرٍ تَفِرُّ مِنَ الرَّايَةِ النَّاقِصَةْ.
الكَمَنجاتُ شَكْوى الْحَرير المُجَعَّدِ في لَيْلَةِ الْعَاشِقَِةْ.
الكَمَنجاتُ صَوْتُ النَّبيذِ الْبَعيدِ على رَغْبَةٍ سابِقَةْ.
الكَمَنجاتُ تَتْبَعُني، ههُنا وَهُناكَ، لِتَثْأرَ مِنِّي، الكَمَنجاتُ تَبْحَثُ عَنِّي لِتَقْتُلَني، أَيْنَما وَجَدَتْني.
الكَمَنجاتُ تَبْكي على الْعَرَبِ الْخارِجينَ مِنَ الأَنْدَلُسْ،
الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الْغَجَرِ الذَّاهِبينَ إلى الأَنْدَلُسْ.
من قطوف الذّكرياتْ
في الليالي الحالكاتْ
صَهْ حشودَ الذَّاهلينْ
تلك أنخابُ الأُلَى اختاروا نبيذَ الرَّاغمِينْ
مِن كُرومِ العابثينْ
ثُمَّ يُضنينا الحَنينْ؛
نحسَبُ التاريخَ طقسًا مِن طقوسِ الراقصينْ
آن تُشجينا اعتذاراتٌ على رَجْعِ الأنينْ
بين أصداءِ المسافاتِ التي ذابت
مع الشوقِ المُحنَّى من دموعِ النَّادمينْ
ها هُنا كُنَّا؛
ولكنَّا!!!
ولكنَّا قتلنا الفاتحينْ
وانحنتْ فينا السنينْ
تزرعُ الحِقدَ الدفينْ
ضاعَ مِنَّا خيلُ “بِرْباطٍ” وأسوارٌ تعالت
حولَ مجدِ العارفينْ؛
دربَهم نحو السماءْ
عمَّدوا الحُلمَ المُقدَّسْ
تحت شمسِ الحقِّ واسْتَلُّوا الولاءْ
ثُمَّ تاهَ الإخوةُ الأعداءُ وانداحت متاهاتُ الهَباءْ
سَلَّموا السَّجانَ أحلامَ ابنِ زيدونَ
استباحوا الفجرَ أطفاهُ الغيابْ…
= = =
قصةُ التّفريطِ تُخفيها دواليبُ الطمعْ
ثُمَّ تَذروها المفاتيحُ التي أَودَتْ بعرشِ التَّائهينْ
في مساراتِ الوجَعْ
حيث يُفنَى ما تَبَقّى
من أمانينا المُدانةْ
تحت أقدامِ الخيانةْ
ثمَّ تَعلوها المهانةْ
حينَ تَستَغشي المساجدْ
في بلادِ الوارثينَ
المجدَ.. قُدَّاسًا صداهـْ
ينبِشُ التاريخَ بالآهاتِ.. آهـْ
إنَّهُ الماضي المُحاصَرْ
في دهاليزِ الهروبْ
حينَ تُشقيه الهَزائِمْ
والغروبْ
آهِ.. والواقعُ أمسى يرتدي ثوبَ الذهولْ
والمدَى حُلْمٌ يضيقْ
يكتسي لونَ الذّبولْ؛
ما يُسَمَّى –خِدعةً– صمْتُ الفصولْ
حيث ما زالت تُوارَى
في ظلالِ الصمتِ أنوارُ الوصولْ
أو يُغذّيها السَّرابْ…
= = =
حين تستجلي المَرايا دمعةَ السّاري بلا صُبحٍ يَبينْ؛
تسألُ النَّجْمَ الحزينْ
عن طنينِ الرَّاحلينْ
عن مُناجاةِ المَغاني في عيونِ النَّازحينْ
والمباءاتِ التي باتت مَغاراتِ الفَرَقْ؛
قَيْدَ أسرارٍ أُريقَت في فضاءاتِ الغَسَقْ
والنَّوايا في أَتونِ الشَّكِّ تُكوَى.. تُختَرَقْ
تُسلِمُ التوحيدَ للجَلْدِ المُشينْ
كيف مرَّتْ من هنا شمسُ الأصيلْ؟
ودَّعَتْ شَطًّا مُدَمًّى بابتهالاتِ الرحيلْ
حين يُذكي المِلحُ في الجُرحِ الصَّهيلْ
كيفَ.. كيفَ.. اجتاحَهم مَوجُ الغَليلْ؟
بيْدَ أنَّ النَّجْمَ أعياهُ الجَوابْ…
= = =
وانكفا الماضي على ظهرِ المِجَنّْ
بينما وَلاَّدةٌ مِن بين أمواجِ المِحَنْ؛
حاورَت طيفَ الشَّجَنْ:
هل سنَبقى نرقُبُ الحُلمَ المُسَجَّى في أخاديدِ الزّمَنْ؟
فاسكُبِ الدمعَ المُسَهَّدْ
وتَطهَّرْ وتَقَلَّدْ
مِن خيولِ العِزِّ مِقْوَدْ
يَدْنُ فجرٌ قد تمرَّدْ
ينضُ عن ليلِ المنافي ما تجعَّدْ
مِن أمانيّ الشروقْ
يومَها تغدو تراتيلُ الحَبَقْ
مِن صدى أنفاسِنا عَبْرَ الطريقْ
لو دَنا طيرُ المُنى؛ يُسقى سُلافاتِ الإيابْ
نزلتُ شطّك بعد البين ولهانا
فذقتُ فيك من التبريح ألوانا
وسرتُ فيك غريبًا ظلّ سامره
دارًا وشوقًا وأحبابًا وإخوانا
فلا اللسانُ لسانُ العرب نعرفه
ولا الزمانُ كما كنّا وما كانا
ولا الخمائلُ تُشجينا بلابلُها
ولا النسيمُ سقاه الطلُّ يلقانا
ولا المساجدُ يسعى في مآذنها
مع العشياتِ صوتُ الله ريانا
كم فارسٍ فيك أوفى المجدَ شرعته
وأوردَ الخيلَ وجدانًا وشطآنا
وشادَ للعرب أمجادًا مؤثَّلة
دانتْ لسطوته الدنيا وما دانا
وهلْهلَ الشعرُ زفزافًا مقاطعه
وفجَّر الروض أطيافًا وألحانا
يسعى إلى الله في محرابه ورعًا
وللجمال يمدُّ الروح قربانا
لم يبقَ منكِ سوى ذكرى تؤرِّقنا
وغيرُ دارِ هوًى أصغتْ لنجوانا
أكادُ أسمعُ صوتًا واجفًا قلقًا
من الرقيب تمنَّى طيبَ لقيانا
الله أكبرُ! هذا الحسنُ أعرفه
ريَّانَ يضحكُ أعطافًا وأجفانا
أثارَ فيّ شجونًا كنتُ أكتمُها
عفًّا وأذكرُ وادي النيل هيّمانا
فللعُيون جمالٌ سحرُه قَدَرٌ
وللقدود إباءٌ يفضحُ البانا
فتلك دعدٌ سوادُ الشعر كلَّلها
أُختي لقيتكِ بعد الهجر أزمانا
أُختي لقيتُ ولكن أين سامرُنا؟
في السالفات؟ فهذا البعدُ أشقانا
أُختي لقيتُ ولكن ليس تعرفُني
فقد تباعدَ بعدَ الهجر دعوانا
طفنا بقرطبة الفيحاء نسألُها
عن الجُدودِ وعن آثار مروانا
عن المساجدِ قد طالت منائرُها
تعانقُ السُّحبَ تسبيحًا وعرفانا
وعن ملاعبَ كانت للهوى قُدُسًا
وعن مسارحَ حُسنٍ كنَّ بُستانا
أبو الوليد تغنّى في مرابعها
وأجَّجَ الشوقَ نيرانًا وأشجانا
فما تغرَّب إلا عن ديارهم
والقلبُ ظلَّ بذلك الحُب ولهانا
قد هاجَ منه هوى ولَّادةٍ شجنًا
برحًا وشوقًا وتغريدًا وتحنانا
أبو الوليد! أَعَنَّى ضاعَ تالدُنا؟
وقد تناوحَ أحجارًا وجُدرانا
هذي فلسطين كادتْ والوغى دُوَلٌ
تكون أندلسًا أخرى وإحزانا
كنّا سُراةً تخيفُ الكون وحدتُنا
واليوم صرنا لأهلِ الشرك عبدانا
نغدو على الذُّلِّ أحزابًا مفرَّقة
ونحن كنَّا لحزب الله فُرسانا
رماحُنا في جبينِ الشمس مشرعةٌ
والأرضُ كانت لحزب الله ميدانا
أبا الوليد! عقدنا العزم أنَّ لنا
في غمرة الثأر ميعادًا وبرهانا
الجرحُ وحَّدَنا والثأرُ جمعَنا
للنصر فيه إراداتٌ ووجدانا
لهفي على القدسِ في البأساءِ داميةً
نفديكِ يا قدسُ أرواحًا وأبدانا
سنجعلُ الأرضَ بركانًا نُفجِّرهُ
في وجه باغٍ يراه اللهُ شيطانا
وينمحي العارُ في شمسِ الضحى…
وهكذا، تبقى الأندلس جرحًا نازفًا في ذاكرة التاريخ، وملحمةً ترويها القصائد والدموع. إنها ليست مجرد أرضٍ فقدناها، بل روحٌ نُفيت، وحضارةٌ أُطفئت أنوارها، لكن ذكراها ما زالت تضيء قلوب العاشقين، وتلهم الأجيال القادمة. فقد سقطت الأندلس، لكن إرثها لم يمت، وستظل حكايتها ماثلةً في وجداننا، تُذكرنا بأن الحضارات لا تموت إلا عندما ينساها أهلها. فهل ستكون الأندلس مجرد ذكرى باكية، أم إلهامًا لمستقبل أكثر إشراقًا؟
بكل الفخر والاعتزاز، تتقدم أرشيف التاريخ والأنساب العربية بأسمى آيات التهاني والتبريكات لأبناء العمومة من آل شافعين المعبدي بمناسبة تخرج ابنهم البطل الطيار الحربي محمد عزت أحمد السيد هنداوي شافعين ضمن الدفعة 81 طيران، وذلك في حفل تخريج مشرف أقيم بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، وسط حضور رسمي رفيع المستوى.
تزينت سماء الاحتفال بمشهد مهيب، حيث شَهِدَ الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، مراسم التخرج التي جاءت بالتزامن مع الاحتفال بـ اليوبيل الماسي للكلية الجوية، والتي أكملت 75 عامًا من العطاء والتضحية في سبيل الوطن. كما شرف الحفل بحضور نخبة من قيادات الدولة، على رأسهم:
أعلن كبير معلمي الكلية الجوية خلال الاحتفال، أن الفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع، صدق على نتائج الامتحانات النهائية لطلبة الدفعة 81 طيران وعلوم عسكرية، حيث تم اعتماد:
افتتحت مراسم الاحتفال بعروض جوية مذهلة، حيث حلقت الطائرات الهليكوبتر أمام المنصة، تحمل أعلام مصر والقوات المسلحة والأفرع الرئيسية، معلنة بدء العرض الجوي المتميز الذي قدمه خريجو الكلية الجوية.
وشهد الحضور مشاركة أكثر من 250 طائرة وهليكوبتر من مختلف الطرازات، حيث قدم الطيارون مجموعة من العروض الجوية الاستعراضية التي أظهرت مهارتهم الفائقة ومستوى التدريب الراقي الذي تلقوه، ومن أبرز ما شمله العرض:
مع نهاية الحفل، وقف الجميع تحية لأبطال القوات الجوية المصرية الجدد، الذين ينضمون إلى زملائهم في القوات المسلحة المصرية ليكونوا درعًا جوية تحمي سماء الوطن وتصون أمنه واستقراره.
وبهذه المناسبة الغالية، نتمنى للطيار الحربي محمد عزت أحمد السيد هنداوي شافعين وجميع زملائه في الدفعة 81 طيران التوفيق والنجاح في مهامهم القادمة، ونسأل الله أن يكونوا عونًا وسندًا لوطننا الحبيب، يذودون عنه بروحهم ودمائهم في سبيل عزته وكرامته.
دامت مصر عزيزة قوية، ودامت قواتنا المسلحة درعًا حصينًا للوطن.