السبت، 5 أبريل 2025

في ذكر مسجد عرب العمامرة الأنصار بالعرابة المدفونة: فذلكةٌ في موضعه ونسب بانيه وأحوال أهله

حين بُني المسجد من جريد النخل: حكاية الأنصار في العرابة


في ذكر مسجد عرب العمامرة الأنصار بالعرابة المدفونة: فذلكةٌ في موضعه ونسب بانيه وأحوال أهله


أما بعد؛ فاعلم أن من معالم البلاد التي لم تندرس رسومها، ولا اندرست علومها، مسجدًا عظيم القدر،  رفيع المكانة، هو مسجد عرب العمامرة الأنصار، الكائن بأرض العرابة المدفونة، إحدى قرى مديرية جرجا القديمة، من صعيد مصر الأعلى، مما يلي بلدة البلينا شرقي النيل. وهذه القرية، وإن خف ذكرها على ألسنة العوام، فقد عظمت مكانتها عند من سلف من أهل العلم والديانة، إذ كانت على عهد الدولة القديمة منازل الكهنة وحجاب المعابد، ثم صارت في الإسلام دارًا لجماعات من القبائل العربية النازلة، من جملتهم عرب العمامرة الأنصار، وهم رهطٌ كريم الأصل، طيب المحتد، من ذراري الصحابي الجليل سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه، حامل لواء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم أحد، وسيد الخزرج في المدينة، ومن أهل بيعة العقبة.

وقد استوطن هؤلاء العرب العرابة المدفونة منذ قرون، وكانوا من أهل الصلاح والخير، وحب المساجد والعبادة، فبنوا لهم مسجدًا كان من أوائل المساجد المقامة في تلك الأنحاء، وكان ثانيها تأسيسًا على الصحيح من الأقوال، وقد مضى على عمارته الأولى ما يناهز المائتي عام، بل يزيد.


في أصل التأسيس وكرم الموضع

وكان أول ما ابتني ذلك المسجد على قطعة طيبة من الأرض، منحها طوعًا وكرمًا رجالٌ من أهل الفضل والدين، وهم آل داود وآل شافع، من عرب العمامرة، المتحدرين من صلب شوافع بني محمد، النازلين بأرض أبنوب الحمام من بلاد أسيوط، وهم بدورهم من عرب المعابدة الأنصار، الذين نسبهم محفوظٌ في الدفاتر، ومرويٌ عن الأكابر، بأنهم من نسل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ذلك الرجل الذي ولاه أمير المؤمنين على مصر، وكان من أشراف الصحابة، ومن دهاة بني الأنصار.


في صورة البناء القديم، ومثاله الأول

وكان أول ما شيدوا المسجد، على ما بلغنا من الثقات، بناءً متواضع الهيئة، جليل المعنى، إذ أقيم من جذوع النخل اليابسة، وأعواد الجريد، وحصر القش، على نحو ما كان عليه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أمره، فكانوا يُصلون فيه جماعة، ويجتمعون فيه عند كل أمر جلل، وفيه يقام الأذان، وترتفع فيه كلمة "لا إله إلا الله" عالية على أصوات البشر، وقد بورك لهم في ذلك، وعم نفعه، ودام ذكره، وموضعه بجوار ديوان آل داود بحري معبد أبيدوس بخمسون متراً. 


في ذكر مسجد عرب العمامرة الأنصار بالعرابة المدفونة: فذلكةٌ في موضعه ونسب بانيه وأحوال أهله

ثم تتابعت الأيام، وتكاثرت الأعوام، ووسع الله على أهله، فأعادوا بناءه بالطوب اللبن، حتى غدا أثبت بناءً، وأوسع نطاقًا، وأليق بشعائر الصلاة، فجُعل له محراب ومصلى وجدارٌ يقي المصلين حر الشمس وغدرات المطر. وكان من أعظم القائمين على أمر بنائه وتجديده، الشيخ عبد الباسط رمضان عثمان داود، والشيخ مختار عبد العال أحمد حسين داود، وكلاهما من خيار الناس، وأهل الدين والهمة، فقد حفروا بئرًا للماء بجوار المسجد، يرتوي منها المصلون ويتطهرون، وكان ذلك زمن القحط وقلة المياه، فكان البئر بركة لأهل القرية وسُقيا لعابر السبيل.


في إعادة البناء ورفع المئذنة

وفي سنة خمس وستين بعد الثمانمئة والألف من الميلاد (1865م)، أُعيد تشييد المسجد على هيئة أتم، ووجه أكمل، فبني بناءً متينًا بالحجر والطين، وأقيمت له مئذنة عالية، بلغت سبعة وعشرين ذراعًا في الارتفاع، وهي أول منارة أقيمت في النجع البحري من تلك القرية على هذا النحو من العلو، وكانت تطل من جهة الغرب على أرض المعابد القديمة، معبد أبيدوس الفرعوني، الذي كان من أشهر معابد الصعيد. وقد رأت وزارة الداخلية في أيام الخديوي إسماعيل أن تُتخذ المئذنة نقطة مراقبة، لما توفره من إشراف على المنطقة، فجعلوا فيها جنديًا مسلحًا من الشرطة، يحرسها ويتخذ منها برجًا للرصد والملاحظة.


مسجد العمامرة الأنصار


في عمارة المسجد وعوائده الدينية

وكان المسجد على مر الزمان عامرًا بالمصلين، مأهولًا بالذاكرين، مشهودًا له ببركة المحراب والمنبر، يُقام فيه درس العلم، وتُتلى فيه المواعظ، وتُقام فيه الجمع والأعياد. وفي شهر رمضان، يُعمر بالأنوار والأنفاس الطيبة، وتُقام فيه صلوات التراويح والتهجد، وتقام فيه موائد الرحمن وأمسيات الذكر، فيجتمع فيه الكبار والصغار، والرجال والنساء، يشهدون بركة الشهر في بيت من بيوت الله.

وقد تناوب على المنبر فيه أفاضل من أهل العلم والدعوة، من رجال الأزهر الشريف وطلاب العلم في البلينا وما حولها، وكان لبعضهم في القرية دروس ومحافل، تُتلى فيها كتب الفقه والسيرة، ويُروى فيها الحديث الشريف، وكانت أعمدة المسجد تسمع ذكر الله وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم على لسان الخطباء والعلماء.


خاتمة في فضله واستدامة أثره

وبعد؛ فإن هذا المسجد، بما حواه من المعاني، وجمعه من الأحوال، ليُعد من مفاخر عرب العمامرة، ومن دلائل صلاحهم وصدق نسبهم، فقد حافظوا عليه قرنًا بعد قرن، حتى صار له في القلوب مكان، وفي الذاكرة أثر لا يُنسى. فلا غرو أن يُعد من مواريث الأنصار في مصر، وأن يُكتب له الخلود بما قدّمه من علم وعبادة، ومجتمع صالح في بقعة مباركة.

نسأل الله تعالى أن يبارك في هذا المسجد، وفي ذريّة من شاده، وفي روّاده وعمّاره، وأن يجعله من المصابيح المنيرة في صعيد مصر، ومن معاقل الإيمان في أرض الأجداد، وأن يُكتب في صحائفهم ما عمروا به هذا البيت من ذكر وصلاة وقرآن، فإنه نعم المولى ونعم المجيب.



موضوعات ذات صلة :









الخميس، 3 أبريل 2025

حين احتفلوا بسقوطنا: ذكرى سقوط الأندلس

أندلس الحضارة والألم: دموع على أطلال المجد الضائع

يروي المؤرخون أن أبا عبد الله، وهو يغادر غرناطة للمرة الأخيرة، التفت إليها من بعيد، من فوق تل يُعرف اليوم باسم "تل الدموع" أو "آه يا زمان"، وأجهش بالبكاء حزناً على ملك ضاع منه
مشهد تخيلي لأبا عبد الله الصغير مع أمه عائشة الحرة



تخيل معي...

تخيل أن تقف على تلك الربوة الخضراء المطلة على قصر الحمراء، حيث وقف آخر ملوك غرناطة يوماً ما. أن تشعر بالنسيم الرقيق يحمل إليك همسات قرون من الزمن، وأصداء حضارة غيّرت وجه الإنسانية. في كل حجر من تلك القصور الشامخة قصة، وعلى كل جدار من نقوشها المتقنة آية، وكأن الزمن توقف هناك ليخبرنا: "هنا كان العرب يوماً ما، وهنا تركوا بصمتهم التي لا تُمحى".


عندما أضاء العرب ظلمات أوروبا

في الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة في ظلام الجهل وعصورها المظلمة، كانت قرطبة تتلألأ كجوهرة لا مثيل لها في تاج الحضارة. كانت شوارعها مضاءة في الليل، بينما كانت لندن وباريس تعيشان في عتمة دامسة. كانت مكتباتها تضم مئات الآلاف من المخطوطات، في وقت كانت فيه أعظم مكتبات أوروبا تعدّ كتبها على أصابع اليد.

وفي أروقة جامعة قرطبة، كان طلاب العلم من مختلف بقاع أوروبا يتهافتون لينهلوا من معين العلوم المتدفق. كان الزهراوي يُجري عمليات جراحية معقدة ويخترع أدوات طبية لم تعرفها البشرية من قبل. كان ابن رشد يضع أسس الفلسفة التي ستلهم لاحقاً ثورة التنوير الأوروبية. كان ابن زهر يؤسس لمدرسة طبية فريدة، وابن البيطار يصنّف آلاف النباتات الطبية.

لم تكن الأندلس مجرد مركز للعلوم فحسب، بل كانت واحة للفنون والآداب. في ظل أشجار الرمان والبرتقال في حدائق قصر الحمراء، كان الشعراء ينظمون قصائد الموشحات التي لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم. وعلى ضفاف نهر الوادي الكبير، كانت أنغام العود الأندلسي تمتزج مع خرير الماء في سيمفونية إنسانية خالدة.


كيف ضاع فردوس العرب؟

لكن هذا الفردوس الأندلسي لم يصمد أمام رياح الفرقة العاتية التي عصفت به. فقد تحولت الأندلس من إمارة واحدة موحدة إلى دويلات متناحرة، كل منها تعادي الأخرى وتتحالف مع أعدائها ضد أشقائها.

تأمل ذلك المشهد المؤلم: ملوك الطوائف يتقاتلون على أقاليم صغيرة، بينما كان الخطر المسيحي يتربص بهم جميعاً من الشمال. بعضهم كان يرسل الجزية إلى ملوك قشتالة وأراغون، وبعضهم الآخر كان يستنجد بهم ضد جاره المسلم!

لقد كانت معادلة السقوط بسيطة:

الفرقة + الخيانة + الضعف = الزوال.

وهكذا توالى سقوط المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى، حتى لم يبقَ سوى غرناطة، تلك اللؤلؤة الأخيرة في تاج الأندلس، التي صمدت حتى عام 1492، قبل أن يسلمها أبو عبد الله الصغير إلى الملكين الكاثوليكيين.


دمعة على تل الدموع

يروي المؤرخون أن أبا عبد الله، وهو يغادر غرناطة للمرة الأخيرة، التفت إليها من بعيد، من فوق تل يُعرف اليوم باسم "تل الدموع" أو "آه يا زمان"، وأجهش بالبكاء حزناً على ملك ضاع منه. فقالت له أمه عائشة الحرة كلماتها التي سُجلت بحروف من نار في ذاكرة التاريخ:

"ابكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال".

هل تتخيل تلك اللحظة؟ الملك الأخير ينظر من بعيد إلى قصر الحمراء، إلى تلك المآذن الشامخة، إلى تلك البساتين الغنّاء، وهو يعلم أنه لن يعود إليها أبداً. هل تتخيل ثقل الدمعة التي انحدرت على خده، وهو يودّع ثمانية قرون من الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس؟


عندما يحتفل الآخرون بسقوطنا

والأكثر إيلاماً من ذلك كله أن ذكرى سقوط الأندلس لا تزال تُحتفل بها في إسبانيا كل عام، من خلال مهرجانات "الموروس والمسيحيين". في مدن مثل ألكوي وفالنسيا وغيرها، يرتدي الإسبان أزياء تمثل "المسلمين المهزومين" و**"المسيحيين المنتصرين"**، ويُعيدون تمثيل مشاهد الاسترداد، وكأنهم يقولون:

"نحن لم ننسَ، وهذا النصر سيظل حاضراً في ذاكرتنا".

وفي الوقت الذي يُحيون فيه هذه الذكرى بكل فخر واعتزاز، نجد أن العالم العربي والإسلامي اليوم غارق في نزاعاته الداخلية، متجاهلاً دروس التاريخ، مكرراً أخطاء الماضي بصورة مأساوية تبعث على الألم والحسرة.


الأندلس تناديكم: هل من معتبر؟

هل نسينا درس الأندلس؟ هل نسينا كيف سقطت حضارة عظيمة بسبب التشرذم والتفرق؟ هل نسينا كيف تحولت قصور الحمراء وقرطبة وإشبيلية من منارات للعلم والحضارة إلى متاحف يزورها السياح ليتعجبوا من إبداع أمة كانت هنا يوماً ما؟

إن صرخة تلك الأم الثكلى على تل الدموع ينبغي أن تظل تدوي في أسماعنا:

"ابكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال".

فهل سنبكي على أوطان نضيعها اليوم بنفس الطريقة، أم سنتعلم الدرس أخيراً؟ إن الأندلس ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل هي عبرة حية لكل من له قلب وعقل. هي تذكرنا بأن الأمم العظيمة لا تسقط من الخارج إلا عندما تتفكك من الداخل، وأن الحضارات لا تزول إلا عندما تنسى رسالتها وتفقد بوصلتها.


دعوة للبناء من جديد

ولكن درس الأندلس ليس مجرد درس في كيفية السقوط، بل هو أيضاً درس في إمكانية النهوض. فتلك الأمة التي استطاعت أن تبني حضارة عالمية في الأندلس، قادرة - بإذن الله - على استعادة مجدها من جديد، ولكن بشروط:

  • الوحدة لا التفرق
  • البناء لا الهدم
  • العلم لا الجهل
  • التسامح لا التعصب
  • الإبداع لا التقليد

فإذا كان أجدادنا قد أضاؤوا الأندلس بنور العلم والمعرفة، فلماذا لا نضيء حاضرنا ومستقبلنا بنفس النور؟ وإذا كانوا قد بنوا الحمراء وقرطبة والزهراء، فلماذا لا نبني نحن صروحاً معاصرة للعلم والمعرفة تضاهي ما بنوه؟

إن دموع أبي عبد الله الصغير على تل الدموع يجب أن تتحول إلى عزيمة لا تلين، وإصرار لا يخبو، وإرادة لا تنكسر. فالأندلس ليست مجرد أرض فُقدت، بل هي روح وفكر وحضارة يمكن استعادتها في كل مكان تطأه أقدام أمتنا.

ألا فلنستيقظ من سباتنا، ولنتعلم من دروس الماضي، ولنبنِ مستقبلنا على أسس صلبة من الوحدة والعلم والعمل. فالأندلس تناديكم... فهل من مجيب؟


الثلاثاء، 1 أبريل 2025

هل أنت من نسل الأنصار؟ أوسي كنت او خزرجي سجل اسم عائلتك الآن

📜 سجل نسبك الأنصاري الآن 📜


هل أنت من نسل الأنصار؟ أوسي كنت او خزرجي سجل اسم عائلتك الآن


هل تنتمي إلى نسل الأوس أو الخزرج؟ هل تحمل إرث الأنصار الذين نصروا رسول الله؟ الآن لديك الفرصة لتوثيق اسم عائلتك أو عشيرتك ضمن السجل الأنصاري.

هذه ليست مجرد دعوة، بل خطوة نحو الحفاظ على تاريخك وربط أبناء العمومة في كل مكان. من الخليج إلى المغرب العربي، من الشام إلى الأندلس، من الهند إلى إندونيسيا، يجمعنا النسب والمجد.

كيف تشارك؟

اكتب في التعليقات:

  • اسم عائلتك أو عشيرتك الأنصارية
  • بلدك ومحافظتك أو ولايتك

لديك وثائق أو مشجرات؟

يمكنك إرسالها عبر صفحة اتصل بنا لتوثيقها ومشاركتها مع أبناء عمومتك الأنصار.

الدول المستهدفة:

السعودية، العراق، مصر، سوريا، فلسطين، لبنان، اليمن، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين، عمان، الأردن، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا، السودان، إريتريا، باكستان، إيران، الهند، إندونيسيا، بنغلاديش، الأندلس (إسبانيا).

قد شرعنا، بعون الله وتوفيقه، في إماطة اللثام عن ذخائر الأنساب، واستجلاء كنوز التاريخ في سِيَر العشائر والبطون، لاسيّما من انتمى إلى الحيّ الكريم، أحفاد الأوس والخزرج، أنصار الله ورسوله، الذين أظلّهم المجدُ بظلّه، واحتفى الدهر بذكرهم ما تعاقب الليل والنهار.


فإنا ندعو كل ذي نسب موصول بهذا الشرف السامق أن ينهض لتوثيق إرث آبائه، ويخطّ لنا ما استقرّ في الصدور، وما حفظته السطور من مشجرات ووثائق، وما جرى به القلم في مدونات الأسلاف. فلنكن معًا في بناء أعظم مكتبة رقمية، تحوي تراجمهم، وتذكر أمجادهم، فلا يُنسى لهم خبر، ولا يُطمس لهم أثر.

اللهم بارك في الأنصار، وفي أعقابهم من بعدهم، وبارك في كل ساعٍ لحفظ أنسابهم، ورفع شأن ذكرهم، إنك على كل شيء قدير.

🔽

هذا ليس مجرد تعليق، بل هو بصمتك في التاريخ. شارك الآن.

موضوعات ذات صلة :









السبت، 29 مارس 2025

في تفريق أنساب (الشافع) و(الشافعي) و(الشافعين) عند الأنساب والأعقاب

أشكيالة شافع، والشافعي، والشافعين: أصول الأنساب وحقيقة القرابة


خريطة انتشار شوافع مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل النسب علامةً للتعارف، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والوفا.

أما بعد، فإنَّا نُخاطب في هذا المقال ذوي الأنساب الشريفة، أبناء العائلات الجليلة التي تحمل ألقابًا كريمةً تُنسب إلى "شافع" و"الشافعي" و"شافعين" و"الشوافعي"، ومن ينتسب إلى بيوت "الشافعية" و"الشوافعة" و"الشفاعنة" و"أبو شافع"و"الشفوعة" كل حسب ما عرف في بلده. فإليكم -أيها الأكارم- نسأل سؤالًا نُجيب عليه ببيانٍ واضحٍ إن شاء الله.

فنقول مستعينين بالله:

هل جميع من تَحمِلون هذه الألقاب أبناء عمومةٍ واحدة؟ أو بلغة النسب: هل كلكم من صُلب رجلٍ واحدٍ اسمه "شافع

فنقول ابتداءً: نعم، الجميع إخوةٌ في آدمَ عليه السلام، ولكنَّ الله تعالى جعل الخَلقَ شعوبًا وقبائلَ ليتعارفوا، فكلٌّ ينتسب إلى أصله وعشيرته. فهل أنتم -يا أبناء هذه الألقاب- من نسبٍ واحدٍ وجدٍّ واحد؟


إنَّ تتبُّع العائلات الكريمة التي تحمل هذه الألقاب في مصر وحدها يُظهر أنها تَقترب من ثمانين عائلةً كبيرةً ممتدةً في أرجاء البلاد! فلو كان الجميع أبناء عمومةٍ واحدةٍ لكانت هذه القبيلةُ أكبر قبائلِ مصر بل والشرقِ الأوسط!

(وسوف نستعرض في هذا المقال كل هذه القبائل ونعرض خريطة انتشارها بجمهورية مصر العربية)

فنسأل قبل الجواب:

بغضِّ النظر عن اختلاف النسب بين "الشوافع" و"الشوافعة" و"الشفاعنة"، فهل كلُّ مَن لُقِّب بـ"شافع" هو ابنُ ذلك "شافع" الواحد؟

فالجواب -بحول الله- مركَّبٌ، يحتاج إلى صبرٍ وتدبُّر:

أما من جهة اللغة، فنعم، الجميع من أصلٍ واحدٍ، وهو الجذر العربي الأصيل (ش-ف-ع)، الذي يدلُّ على الشفاعة والزيادة، خلاف الوتر الذي هو الفرد. فـ"شافع" اسم فاعل من "شَفَعَ"، و"الشافعي" نسبةٌ إليه. وقد تَختلف الصيغُ باختلاف اللهجات، فقيل "الشوافعي" و"الشفوعي" و"الشفاعنة"، كلُّها متفرعةٌ من ذلك الأصل اللغوي.

أما من جهة النسب، { فلا } . ليس كلُّ هؤلاء من رجلٍ واحدٍ، ولا من نسبٍ واحد. فهل يُعقَل أنَّ كلَّ قبائل العرب، قحطانيها وعدنانيها، لم يُسَمِّ فيها "شافع" إلا رجلٌ واحدٌ في قبيلةٍ واحدة، حتى يصير جدًّا جامعًا لكل هذه العائلات؟!


الجواب عن السؤال: هل كل الشوافع أبناء رجل واحد؟ 

أولا: ما أهمية طرح مثل هذه الأطروحات؟ وما فائدتها؟

الحديث عن الأنساب ليس مجرد ترف أو إثارة للجدل، بل هو مسألة مركبة، تحتاج إلى سعة صدر، وصبر، وتدبر، لأن الأمر يمسّ الروابط الاجتماعية، ويؤثر في صلة الأرحام، ويحفظ ثقة الناس ببعضهم البعض. ومن هنا تبرز أهمية مثل هذه الأطروحات، وفوائدها تتجلى في عدة جوانب، منها:

1️⃣ صلة الأرحام

النسب هو الوسيلة التي من خلالها يصل الإنسان رحمه، ويؤدي حق أهله وأقاربه.
قال رسول الله ﷺ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ» (رواه الترمذي).
فمعرفة الأنساب ليست مجرد معلومة تحفظ، بل عبادة تؤدى، ووسيلة لتعزيز صلة الرحم التي أمر الله بها.

2️⃣ حفظ الأنساب ومنع تداخلها

من أخطر ما يهدد المجتمعات هو اختلاط الأنساب، ودخول من لا نسب له في أنساب ليست له، لما في ذلك من اعتداء على الحقوق، وخلط للحقائق.
قال النبي ﷺ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» (متفق عليه).
فحفظ الأنساب من صميم مقاصد الشريعة، وقد شدد النبي ﷺ على خطورة تزييف النسب.

3️⃣ حماية الثقة بين العائلات والقبائل

حين تُترك مسألة الأنساب دون تحقيق أو تدقيق، قد تنهار الثقة بين العائلات، خاصة إذا اكتُشف أن هناك عائلات تنتمي إلى قبائل ليست منها في الحقيقة، وهو أمر قد يترك آثارًا سلبية على العلاقات الاجتماعية، ويولد العداوات والشكوك.


4️⃣ كشف المزورين وأصحاب الأغراض الشخصية

هناك فئة ممن لا يتقون الله، تتعمد تزوير الأنساب، وضم عدد من العائلات إلى قبائل لا تنتسب إليها، بدافع تحقيق مصالح شخصية أو مكاسب مالية، مستغلين تشابه الأسماء أو جهل البعض بعلوم الأنساب. والتصدي لمثل هذه السلوكيات واجب شرعي وأخلاقي لحفظ الحقوق، وصيانة الأنساب، وصيانة العلاقات الاجتماعية من التلاعب.




 وللوصول إلى الإجابات السليمة، دعونا ننتبه و نستعرض عددًا من النقاط المهمة.

ثانيا: هل المنطق يوافق فكرة أن "شافع" هو سلالة واحدة؟

لا يستقيم ذلك مع العقل والمنطق، فالعرب منذ القدم تفرعت أنسابهم وتشعبت بطونهم، ولم يجتمعوا جميعًا في عشيرة واحدة أنجبت رجلًا واحدًا يُدعى "شافع"، ولم يتكرر هذا الاسم في غيره! كيف يُعقل أن يكون كل من يحمل لقب "شافع" اليوم يعود إلى رجل واحد دون غيره، رغم انتشار هذا الاسم بين قبائل العرب قحطانييها وعدنانييها على مر العصور؟

ففي القحطانيين، نجد بني كهلان، الغوث بن نابت، الأزد، مازن بن الأزد، الأوس، الخزرج، خزاعة، ألمع، بارق، شكر، جفنة، الغساسنة، العتيك، دوسر، نصر بن الأزد، زهران، غامد، لهب، ثمالة، الحَجْر، حوالة، باقم، عك، شبيل، قرن، عرمان، أنمار، خثعم، بجيلة، ربيعة بن نبت، همدان، حاشد، بكيل، أدد، مرة بن أدد، لخم، كندة، بنو عاملة، جذام، مذحج، جنب، بني بشر، شريف، عبيدة، سعد العشيرة، الزبيد، شمران، بنو الحارث، طيء، شمر بني لام، بني صخر، أشعر بن أدد، الأشاعرة، الجماهر، الركب، الزرانيق، المعازبة، جهينة ، بلي، كلب، بهراء، جرم، نهد.



شجرة القبائل القحطانية و العدنانية


وفي العدنانيين، نجد بني هلال، بني سليم، الرشايدة، عتيبة، سليم، مطير، ثقيف، عدوان، زعب، سبيع، السهول، العوازم، قريش، الأشراف، بني خالد، الحويطات، هذيل، تميم، عنزة، بني عطية، الدواسر، أكلب، بني مالك الحجاز.

فهل يُعقل أن تكون كل هذه القبائل لم تنجب إلا رجلًا واحدًا باسم "شافع"؟ وهل يُعقل أن جميع من حمل هذا الاسم ينحدرون من أصل واحد دون غيره؟ هذا لا يستقيم مع طبيعة العرب التي عُرفت بتكرار الأسماء وانتشارها بين القبائل المختلفة، ولا مع منطق الأنساب التي تتفرع وتمتد عبر العصور.



ثالثا : ما اختلف وائتلف من أنساب العائلات و القبائل العرب

في علم الأنساب، تُعرف ظاهرة اشتراك القبائل في أسماء أو ألقاب متشابهة أو متطابقة بما يُسمّى بقاعدة "الاختلاف والائتلاف في الأنساب"، وهي قاعدة فقهية وعلمية معتبرة في هذا العلم. وتعني هذه القاعدة أن اسم القبيلة أو لقبها قد ينتقل إلى قبائل أو مجموعات أخرى، مما يؤدي إلى تشابه أو تطابق في الأسماء بين قبائل مختلفة. ويُعزى هذا الأمر إلى عدة عوامل رئيسية، من أبرزها:

1. التجاور الجغرافي والتصاهر

قد يؤدي قرب السكن والتزاوج بين القبائل إلى انتقال الألقاب والأسماء بينها، فيُطلق على بعض العائلات اسم قبائل مجاورة أو يصطبغ بعضها بأسماء مكتسبة من محيطها الاجتماعي.

2. التبني أو الحلف

في بعض الأحيان، تنضم قبيلة أصغر أو أضعف إلى قبيلة أكبر وأقوى طلبًا للحماية أو لمصالح مشتركة، مما يؤدي إلى تبني اسم القبيلة الكبرى أو بعض ألقابها.

3. التشابه اللغوي أو الثقافي

قد تتشابه أسماء القبائل نتيجة لاستخدام مفردات أو مصطلحات متقاربة في اللغة أو الثقافة، مما يؤدي إلى تطابق في الأسماء دون وجود صلة نسبية مباشرة.

4. الانتساب إلى شخصية مشهورة

قد تُسمّى عدة قبائل أو عائلات باسم شخصية تاريخية أو دينية مشهورة، كالإمام الشافعي رضي الله عنه، فيُعرف بعضهم بـ "الشافعي" نسبة لا إلى النسب بل إلى المحبة أو التبرك أو التأسي، مما يُحدث التشابه بين أسماء القبائل.

5. الانتقال الجغرافي وتبدل الألقاب

قد يحدث أن تعيش أسرة أو عشيرة لفترة زمنية طويلة في كنف قبيلة أو في منطقة معينة، ثم تنتقل أو ينتقل بعض أفرادها إلى مكان آخر، فيُلقبون باسم المكان الذي قدموا منه.
فمثلًا: لو عاش رجل عقودًا من الزمان بين قبائل جهينة بمركز سوهاج، وهو ليس منها، ثم انتقل أحد أحفاده إلى مكان آخر للعيش، قد يُلقب هو وأبناؤه بـ "الجهيني"، ويكون هذا اللقب دالًا على المحيط الجغرافي لا على النسب، وهنا يحدث الخلط إلا لمن دقَّق وبحث وتحرى الصدق؛ مخافة الوقوع في الخطأ والافتراء على الأنساب.


ونستخضر كلمة للباحث النسابة الأستاذ/ محمد جمال سابق الحويطي تحت عنوان ( رسالة في التشابه بالنسب ) حيث قال:

الخلط في الأنساب يأتي بسبب التشابه في الأسماء، ويكون ذلك إما بواسطة جاهل لا يستطيع أن يفرق بين الأقواء فيبحث عن أسم أسرته أو عائلته ويظن أن كل من يحمل هذا الاسم هو من جد واحد (وهذا لا يكون)، أو نصاب يريد أن يلتصق قوم ليس بقومه وهو يعلم ذلك (وهذا في النار)، أو محتال يضل الناس ويقوم بعمل رابطة ويجمع فيها من ليسوا منه ليتباهي بهذه الكثرة (وهذا مفسد).

 

كلمة للباحث النسابة الأستاذ/ محمد جمال سابق الحويطي تحت عنوان ( رسالة في التشابه بالنسب )



أمثلة على الاختلاف والائتلاف في الأنساب

ولا تُعد هذه الإشكالية خاصة بلقب (الشافعي) وحده، بل تتعداه إلى غيره بكثير، فهي أوسع وأشمل من أن تُحصر، وقد أعددنا معجمًا يضم الكثير من القبائل والعائلات التي تتألف في الألقاب وتختلف في الأنساب.
للاطلاع عليه يمكنك زيارة الرابط التالي: 


رابعاً : العائلات الشوافعية المصرية: ماذا حدث لأنسابها؟

بالبحث والتتبع الدقيق للعائلات التي تحمل ألقاب: شافع، وأبو شافع، والشافعي، والشوافعي، والشفوعي، والشفاعين، على مستوى جمهورية مصر العربية، وجدنا أنها تقارب ثمانين عائلة كريمة منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية. ومع الأسف، فإن الكثير منهم - ومثلهم كثير من العائلات والقبائل الأخرى - قد اختلطت عليهم أنسابهم، وذلك لأسباب تاريخية نوردها فيما يلي:

1- ضعف الاهتمام بتدوين الأنساب منذ الحكم العثماني

مع بداية حكم الدولة العثمانية لمصر سنة 1517م بعد انتصار السلطان سليم الأول على المماليك في معركتي مرج دابق والريدانية، أصبحت مصر ولاية عثمانية. ومنذ ذلك العهد، لم يهتم العثمانيون بتدوين الأنساب، وإنما اعتمدوا على الدواوين والسجلات الرسمية (مثل سجلات الأوقاف، والطابو، والجزية) التي قيدت أسماء الأفراد والعائلات لأغراض ضريبية وإدارية، دون اهتمام بتفصيلات الأنساب أو رسم شجراتها.

كما تراجعت نقابة الأشراف التي كانت معنية بتوثيق أنساب آل البيت تحت الحكم العثماني، فضعُف التدوين الرسمي المنظم للأنساب. وبدلًا من ذلك، انتشرت عادة التوارث الشفهي للأنساب بين العائلات المصرية، خاصة في الريف والصعيد، حيث ظلت الأنساب تنتقل عن طريق الروايات الأسرية دون توثيق رسمي. 


٢- تفاقم الأمر في عهد محمد علي باشا

بدأ حكم محمد علي باشا لمصر رسميًا سنة 1805م بعد تعيينه واليًا من قبل الدولة العثمانية، وسرعان ما أسس حكمًا شبه مستقل، عمل من خلاله على تقويض مراكز القوى المنافسة، وعلى رأسها القبائل والعائلات والعصبيات التقليدية، بهدف تعزيز حكمه المركزي، فكانت سياسته تجاه الأنساب جزءًا من خطة أوسع لبناء دولة حديثة خاضعة بالكامل له.


أ. تهميش القبائل وإضعاف النفوذ العائلي:

  • اعتبر محمد علي القبائل والعائلات الكبرى (قبائل الصعيد، قبائل الوجه البحري، العائلات المملوكية، والأشراف) مصدر تهديد لسلطته.
  • اتبع سياسة تفكيك تحالفاتهم وتقليص نفوذهم الاجتماعي بعدة وسائل، منها:
    • نقل القبائل قسرًا: عمد إلى تشتيت القبائل ونقلها من مواطنها إلى مناطق أخرى، فحارب قبائل الدلتا والفيوم والصعيد.
    • إلغاء الامتيازات القبلية: ألغى الإعفاءات الضريبية التي كانت تُمنح لبعض القبائل، وأخضعها للنظام الضريبي الموحد.
    • تجنيد أبناء القبائل: ألزم أبناء العشائر بالخدمة العسكرية في الجيش النظامي، مما أضعف ولاءهم لزعاماتهم التقليدية.

ب. إهمال وتهميش تدوين الأنساب:

  • لم يكن لدى محمد علي اهتمام بتوثيق الأنساب، بل عمل عمدًا على طمس الهويات القبلية لصالح الهوية الوطنية الجديدة المرتبطة بالدولة المركزية.
  • تعرضت نقابة الأشراف للإهمال التام، بسبب خشية محمد علي من سلطتها المعنوية والدينية، التي كانت خارج نطاق دولته.
  • اقتصرت السجلات الرسمية على ما يتعلق بـ الضرائب والتجنيد والخدمة العسكرية، دون الالتفات إلى تدوين الأنساب أو الأصول القبلية.

ج. القضاء على النخب القديمة:

  • المماليك: أنهى محمد علي نفوذهم بمذبحة القلعة الشهيرة سنة 1811م.
  • الأعيان وزعماء العائلات: فرض عليهم الولاء له، وأقصى الكثير منهم، وأحل محلهم أعوانه من غير المصريين، مثل الأرناؤوط والأتراك.

٣ - بناء دولة مركزية حديثة

  • أسس محمد علي بيروقراطية مركزية وألغى نظام الالتزام القديم الذي كان يمنح العشائر والزعامات القبلية سلطة على الفلاحين، فصارت الدولة هي المسيطرة المباشرة على الأراضي والإنتاج.
  • أنشأ مدارس نظامية كـ المدارس الحربية لتخريج أجيال موالية للدولة بعيدًا عن تأثير العائلة والقبيلة.

٤ - نتائج هذه السياسات

  • تفكك البنى القبلية: انهارت سلطة القبائل والعائلات الكبرى، وأصبح الفرد تابعًا مباشرة للجيش والإدارة.
  • قيام دولة مركزية قوية: نجح محمد علي في بناء جيش وإدارة قوية، لكنها دولة مستبدة قضت على التنوع الاجتماعي والسياسي.
  • طمس الهويات المحلية: أصبح الانتماء للدولة (كجندي أو موظف) هو الأصل، بينما تراجعت أهمية الانتماءات القبلية والعائلية.


خامساً : الكشف والبيان في أنساب بني شافع و الشافعي عبر الأزمان

هذا، ولقد جاء هذا الحصر دقيقًا، بجهد أعوام طوال، ولا يزال العمل عليه دائبًا، وتحديثه متصلًا لا ينقطع. ولم يكن نشر أسماء العائلات وبلادها مما اقتضاه المقام، إذ في ذلك ما قد يوغر صدور أقوامٍ أقنعوا أنفسهم بنسبٍ ما، إما لوجود من غرر بهم، فأوهمهم بنسب غير حقيقي، لمآرب شخصية، فتبنوا دعواه، وأشاعوه بين الناس، أو لما يعسر على كثير منهم تقبل غيره، أو لغير ذلك مما يؤدي إلى الخلط، وقد أوردنا أسبابه فيما سبق عرضه.

وما كان أيسرَ علينا، وأوسعَ رواجًا، من أن نجمعهم جميعًا بالباطل، ونلفق لهم نسبًا واحدًا، يفتتن به كل شابٍ حديث السن، فيقول: "نحن أكبر قبيلة في مصر، بل في العالم العربي، ومن يضاهينا عددًا وقوةً؟" ولكن، أين المفر من الله؟ وما الحياة الدنيا إلا رحلة قصيرة، يعقبها يوم لا ينفع العبد إلا صدقه وأمانته، يوم يقوم الأشهاد، ويشهد الكتاب، فلا يغني عن المرء ما زاد من عدد، ولا ما عظم من قوة، بل الحجة يومئذ للحق، ولا شيء غير الحق.

وإن كانت هذه الأنساب جميعها كريمة، فإن الذي أوردناه، إنما هو بصيص نور، يهتدي به من رام الحق من أبناء العائلات، وسعى في طلب الصواب، ولم تغره كثرة ولا دعوى.


وأما خريطة ومواضع انتشار هذه القبائل الكريمة، فتفصيلها على النحو التالي:


أنتشار قبائل الشافعي و الشوافع و الشفوعة
خريطة انتشار عائلات تحمل لقب شافع و الشافعي بجمهورية مصر العربية 


◾عائلات الشافعي من الهنادي – نسب عريق وسلالة وافرة

حملت عائلات الشافعي من الهنادي من بني سليم لواء هذا اللقب على مدى الأزمان، وهم أكثر من عُرف به في مصر، حتى صار اسمًا مميزًا لهم لا يُشتق منه "شافع" أو "أبو شافع"، بل يقال فلان الشافعي. وقد توطّنت هذه العائلات في دلتا مصر التي تزخر بهم، وامتد ذكرهم إلى بلاد الشام، فيما يقل عددهم كلما اتجهنا جنوبًا حتى محافظة الفيوم.


شيخ العرب الشافعي أبو بكر عليوة الهنادي
هو زعيم عشيرة العليوات الهنادي القيسية العدنانية، ومن ذريته نشأت شجرة ذات فروع باسقة، إذ أنجب خمسة أبناء، هم: كريم، سليمان، عامر، يونس، وطحاوي، فكان لهم عقب كبير عُرف بمآثره بين القبائل.


عقب أبناء شيخ العرب الشافعي:
فكان هؤلاء هم أحفاد شيخ العرب الشافعي، عمد البلاد وأعيانها، وانتسبت إليهم قرى ومناطق عديدة، من غرب الدلتا إلى محافظات القنال، وسارت ذريتهم في دروب الزمن حتى تكاثرت العائلات المتفرعة منهم.


ذرية شيخ العرب الشافعي أبو بكر عليوة الهنادي



حينما يُطمس الأصل ويندثر الاسم
لم يكن ضياع بعض الأنساب مقتصرًا على ما أسلفنا من أسباب سياسية وإدارية منذ عهد محمد علي باشا، بل كان هناك سبب داخلي وقع في عشيرة شافعي العليوات. فقد كان الطحاوي بن الشافعي فارسًا مغوارًا، اغتيل غدرًا في كمين دُبّر له، وحينما رحل، أبت قلوب إخوته إلا أن يُخلّدوا ذكراه، فحملوا اسمه تيمنًا به، فصار يُقال: كريم الطحاوي، يونس الطحاوي، سليمان الطحاوي، عامر الطحاوي.
وهكذا ذاع صيت عرب الطحاوية، وغاب ذكر شيخ العرب الشافعي الذي كان الأصل، ولم يظل منتسبًا إليه سوى ذرية شرقاوي الطحاوي (أحفاد نمر، خداش، خبيري، مفضل، معتمد، إبراهيم، أبو شوشة). أما بقية أحفاد إخوته، فقد طُمست نسبتهم، فلا هم طحاوية بالمعنى الدقيق، ولا يعرفون في تسلسل أنسابهم سوى أن جدهم الشافعي، بينما ضاع تاريخه وسيرته مع تعاقب الأزمان.
كريم الشافعي أعقب: [خليل، فرجاني، الجيلاني، عبد السلام، عمر، عبد الواحد، علاق، كريم، عدلان، طشين].
يونس الشافعي أعقب: [المصري، قاسم، جندل، مبده، فيصل، سعود، عليوة، بشارة].
سليمان الشافعي أعقب: [عبد المجيد، صميدة، رسلان، راغب، غالب، مجلي، عبد الجليل].
عامر الشافعي أعقب: [بزيع، حنضل، إسماعيل، عبد الهادي، منازع، طالب، عسر، راجح، فهيد، مازن].
طحاوي الشافعي أعقب: شرقاوي الطحاوي، والذي بدوره أعقب: [نمر، خداش، خبيري، مفضل، معتمد، إبراهيم، أبو شوشة].
ولكن، الحق أبلج، وقد قال الله تعالى:
"ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ..." (الأحزاب: 5).


◾عائلات الشافعي والشوافع من السادة الأشراف (10 عائلات)

تنتسب هذه العائلات الشريفة إلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقرَّت نقابة السادة الأشراف بمصر – وهي الجهة الرسمية الوحيدة المختصة بإثبات هذا النسب – بصحة نسبهم الشريف، خلافًا لكثير من العائلات الأخرى التي تحمل ألقاب الشافعي وشافع دون إثبات موثَّق.

ومن هذه العائلات العريقة شوافع أخميم ومدينة سوهاج، الذين يحتفظون بوثائق تاريخية قديمة، ومنها شهادات نسب صادرة عن النقابة، فضلًا عن مخطوط نادر يبلغ عمره قرابة 700 عام، يحمل أختام شيوخ مشيخة السجادة البكرية، وقد ورد في بعض الوثائق التاريخية وصفهم بـ أشراف شرق أخميم.

وتتصل أراضيهم حتى النواورة بمركز البداري، وهذه العائلات الشريفة عائلة شافعي الخولي بمركز تلا في محافظة المنوفية، الذين يحتفظون بشهادات نسب رسمية تؤكد شرف نسبهم. وما سوى ذلك من دعاوى غير موثَّقة لا يُعتد بها، بل هي مجرد مزاعم باطلة تهدف إلى التشويش على الأنساب الصحيحة والاستخفاف بنسبة آل البيت رضوان الله عليهم.


◾عائلات شوافع الأنصار (المعابدة والعكارمة) – 19 عائلة

يعود نسبهم إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهم منتشرون في قرى ومدن محافظة أسيوط، حيث يكثر وجودهم هناك، ولقبهم يتنوع بين شافع، أبو شافع، وشافعين، ويتواجدون في مناطق شندويل البلد، بني مزار، طوخ ملوي، فضلًا عن وجود فرع وحيد من العكارمة من ذرية الصحابي سعد بن معاذ، والذي يستقر في قرية الأنصار بمركز القوصية، محافظة أسيوط.


◾عائلات الشفاعنة المعابده الأنصار

تُعدّ الشفاعنة إحدى البطون العريقة المنتمية إلى قبيلة شوافع المعابدة الأنصار، ويُلقب أحد أفرادها بـ "أبو شافعين"، في إشارة إلى تأثرهم العميق بالموروث الأندلسي في نطق اسم "شافع". وقد حافظت هذه البطن على إرثها القبلي، ممتدة بجذورها في أنحاء مصر، حيث تنتشر فروعها في سوهاج، أسوان، المنيا، الجيزة، والإسكندرية، لتظل شاهدة على امتداد تاريخها العريق وترابطها عبر الأجيال.


◾عائلة الشافعي من قبيلة المحارب من هيب من بني سليم القيسية العدنانية

تنتسب هذه العائلة إلى بني سليم القيسية العدنانية، وهم مستقرون في سِيَلة الشرقية بمركز مطاي وسمالوط في محافظة المنيا، حيث احتفظوا بأصولهم العريقة التي تعود إلى قبائل العرب القيسية العدنانية ذات الشرف والمكانة الرفيعة.


◾شوافع أبو عليو الهوارة من قبيلة بني محمد الهوارية

يعود نسب هذه العائلات الثلاث إلى ذرية الأمير عمر بن عبد العزيز الهواري، وهم مستقرون في قرى مركز البلينا بمحافظة سوهاج، حيث لا يزالون يحتفظون بمكانتهم بين أبناء قبائل هوارة.


◾الشوافعة من قبيلة البياضية من ثعلبة طيء

تنتسب هذه العائلة إلى قبيلة البياضية من ثعلبة طيء، وقد استقروا في قرية جزيرة النص التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، حيث عرفوا هناك باسم الشوافعة.


◾الشافعي من الخضايرة من قبيلة السماعنة من جذام اليمانية

هذه العائلة من مهدي من جذام اليمانية، وكان في ابن خضير زعامة قبيلة السماعنة، وكان ابن شبانة من رؤسائها، ويتفرع منهم عائلة الشافعي.


عائلات الشافع والشوافعه و الشوافعه


عائلة الشافعي من عرب بني واصل من جذام

يعود نسبهم إلى جذام، وهي إحدى القبائل العربية اليمانية الكبرى، ويستوطنون جزيرة محروص، حيث ظلوا محافظين على أنسابهم عبر العصور.


◾عائلة الشوافع من جهينة من قضاعة

هم إحدى بطون قبيلة جهينة القضاعية، ويقيمون في محافظة سوهاج، وقد اشتهروا بين أهلها بتاريخهم العريق.


◾الشوافع من بطن عروة من مالك من جهينة

يعود نسبهم إلى بطن عروة من مالك من جهينة، ويستوطنون قريتي الملكيين البحرية والقبلية بمركز الحسينية، محافظة الشرقية، ولهم فروع في منيا القمح بمحافظة القليوبية.


عائلة الشافعي من بني هلال

عائلة وحيدة تنتسب إلى قبيلة بني هلال، التي اشتهرت بهجراتها الكبرى إلى المغرب العربي ومصر.


◾عائلة الشافعي من بني غالب – تحليل نسب

نسبها قيد البحث والتحقيق، حيث لا يزال العمل جارٍ على إثبات أصولها وفق الوثائق والمخطوطات المتوفرة.


◾عائلات شافعي قيد البحث – 7 عائلات

هناك بعض العائلات التي تحمل لقب الشافعي، لا تزال أصولها قيد البحث والدراسة، ويتم التحقيق في نسبها بناءً على المخطوطات القديمة، الوثائق الرسمية، والروايات المتواترة


علماء المذهب الشافعي 

ليس كل من حمل لقب الشافعي في اسمه كان ذلك نسبةً إلى جدٍ من سلالته، بل كثيرًا ما يكون تيمّنًا بأحد أعلام المذهب الشافعي، من فقهائه وأئمته الذين نشروا علمه وبيّنوا أصوله. فقد جرت العادة في مصر وغيرها أن يُلحق هذا اللقب ببعض العائلات، لا لكونه اسمًا لجدٍ أعلى، بل لانتسابها إلى فقيه من فقهاء الشافعية، أو لالتزامها بمذهبهم في الفقه والعقيدة، فصار يُقال: فلان بن فلان الشافعي، أي شافعيّ المذهب، لا النسب.

ولا يُعدّ ذلك نقصًا كما يتوهم من قصر فهمه، بل هو شرفٌ ومجدٌ أن يُنسب الرجل إلى أهل العلم والفقه، فإن كان أحد أجداده عالمًا شافعياً، فهو نورٌ على نور، وإن كان انتسابه للمذهب، فحسبه أن يكون على درب الأئمة الراسخين. وهل يُعاب المرء بملازمة العلماء واتباع سبيل الفقهاء؟ بل هو بذلك في ركب أهل الفضل والتميّز، إذ لا شرف أعظم من مجاورة العلم وأهله.


(الخاتمة) 

وبعد هذا التطواف في بطون الأنساب، وما تفرق وائتلف من ألقاب العائلات والقبائل، وما تشابه من الأسماء، وما افترق من السلالات، فقد بان للمتأمل أن النسب علمٌ دقيقٌ، لا يُؤخذ بالتشابه الظاهر، ولا يُبنى على مجرد تطابق الأسماء، وإنما يُستوثق فيه بالمدونات المحفوظة، والمشجرات المتوارثة، وشهادات أهل الدراية من النسّابين.

ومن رامَ أن يلحق كلَّ من حمل لقب "شافع" أو "الشافعي" أو "الشفاعنة" بنسبٍ واحدٍ دون بينة، فقد أبعد النجعة، وغامر بغير علم، إذ لم يكن العربُ على مذهب التوحد في الأسماء، ولم يكن كل "شافع" سليلَ رجلٍ واحدٍ، كما لم يكن كل "حارثٍ" أو "مالكٍ" أو "ربيعةٍ" أبناءَ صلبٍ واحدٍ، بل توزعت هذه الأسماء في القبائل، فصار لكل "شافع" نسبه الذي ينتمي إليه، وعزوُ الجميع إلى رجلٍ واحدٍ ضربٌ من المجازفة لا يقوم على أساسٍ من التحقيق.

وما كان هذا البحثُ إلا خدمةً لهذا العلم الشريف، وسعياً في تبصير طالبيه بالحقيقة، فإن أصبنا فيه، فمن الله وحده، وإن زلّ بنا القلم أو طاشت بنا العبارة، فحَسْبُنا أننا قصدنا البيانَ والإيضاح، وأردنا الحقَّ وابتغينا الصواب، والعلم عند الله، وإليه المرجع والمآب.

ومن كان لديه وثائق أو معلوماتٌ موثوقةٌ تُعين على استكمال هذا البحث، فليسارع بإرسالها عبر صفحة [أتصل بنا]، فالعلم ميراثٌ مشاع، لا يزداد إلا بالعطاء والتوثيق.


والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه أهل الشرف والكرامات.

موضوعات ذات صلة :









الأربعاء، 26 مارس 2025

من أعيان الأنصار بفرشوط: ترجمة الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري الشهير ببهلول الأنصاري

بهلول الأنصاري: تاجر الغلال الذي سطع نجمه في صعيد مصر


من أعيان الأنصار بفرشوط: ترجمة الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري الشهير ببهلول

الحمد لله الذي جعل للفضل أهله، ورفع في كل زمان أقوامًا كتب لهم الذكر الحسن، فخلد ذكرهم في الصدور كما خلدته الصحائف والدواوين، فهم رجال عرفتهم الأجيال، وافتخرت بهم الأنساب، وسارت بذكرهم الركبان. ومن هؤلاء، رجلٌ شهدت له الأيام بجميل الأثر، وعرفه الناس في معاملاتهم بصدق الحديث وحسن السيرة، إنه الحاج أحمد عبدالغني كريم حسنين الأنصاري، المشتهر ببهلول الأنصاري، أحد أعلام فرشوط، ورجلٌ من كبار تجارها، ممن ضربوا بسهم وافر في ميدان التجارة، فأصبح اسمه مقرونًا بالأمانة والمروءة، وسعة الجاه والفضل.

ولقد كان رحمه الله مثالًا للرجل العصامي، الذي لم يورث المجد جاهًا، وإنما بناه بجهده وكفاحه، فسار في دروب الحياة متسلحًا بالعزم، مجتهدًا في السعي، حتى ذاع صيته في تجارة الغلال والعسل، وامتدت أعماله من جنوب الصعيد إلى قلب القاهرة، فكان له في شبرا مصر مقر تجاري يشهد على اتساع تجارته، ويُعد شاهدًا على نجاحه الذي لم يكن وليد المصادفة، بل كان ثمرة اجتهاده وتفانيه.

وكان، رحمه الله، ذا مكانة اجتماعية مرموقة، لا تقتصر على ما بلغ من ثراء وجاه، وإنما تجاوز ذلك إلى علاقاته الطيبة برجال الدولة وأعيان البلاد، ممن عرفوه وعرفوا قدره، فكانوا يحفظون له الودّ ويقدرون منزلته، ويأنسون بحديثه. وقد أحاط به محبوه من كل صوب، لا لماله فحسب، بل لصفاء سريرته وكرم أخلاقه، فكان مجلسه عامرًا بالوجهاء، وحديثه يزدان بالحكمة، وأفعاله تشهد بفضله، فلم يكن مجرد تاجر يبتغي الربح، بل رجلًا سمت همته إلى معالي الأمور، فعاش كريمًا محبوبًا، ورحل مخلدًا في القلوب.

وهذه سطور نخطّها بمداد الوفاء، نترجم فيها سيرته، ونقف على محطات حياته، لنعيد إلى الأذهان ذكرى رجل كان من أعلام الأنصار بصعيد مصر، ونضع بين أيدي القرّاء نبذةً عن مولده ونشأته، ومسيرته في الحياة، وذريته التي خلّفها من بعده، ليبقى اسمه حاضرًا في سجل التاريخ، كما بقيت أفعاله شاهدًا على حياةٍ عامرة بالفضل والإحسان.


أولًا: مولده ونشأته

في الثالث من شهر مايو عام 1928م، شهدت مدينة فرشوط بمحافظة قنا ميلاد رجلٍ من رجالاتها العظام، الحاج أحمد عبدالغني كريم حسنين الأنصاري، الذي نشأ وترعرع في كنف أسرة عريقة ذات نسبٍ كريم ومكانةٍ رفيعة بين أقرانها. كانت نشأته متميزة بطابعٍ يجمع بين الأدب الجمّ، والاستقامة في السلوك، والجد في العمل، وهي صفاتٌ لازمته طوال حياته ورثها عن جده الحاج حسنين الأنصاري فكان من كبار تجار محافظة قنا.


رحلته في عالم التجارة

ولما بلغ مبلغ الرجال، انخرط في مجال التجارة، وهو المجال الذي كتب له فيه التوفيق والنجاح الباهر، حتى صار اسمه علمًا بارزًا بين كبار تجار الغلال والعسل في صعيد مصر. لم يقتصر نشاطه التجاري على بلدته فرشوط، بل اتسع ليشمل القاهرة، حيث أسس مقرًا لتجارته في قلب العاصمة، وتحديدًا في 79 شارع الحافظية، شبرا مصر، ليصبح من أعلام التجارة في تلك المنطقة الحيوية.

وقد ساعده على ذلك ذكاؤه الحاد، ونزاهته في التعامل، وحرصه على ترسيخ علاقاتٍ قوية مع كبار التجار ورجال الدولة، حتى أصبح موضع ثقة الكثيرين، وامتدت علاقاته الطيبة إلى عددٍ من أعضاء مجلس الشعب والشورى، منهم:

  • السيد الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب المصري.
  • السيد مصطفى كمال حلمي، نقيب المعلمين ورئيس مجلس الشورى.
  • السيد داود شلبي، عضو مجلس الشعب عن محافظة الإسكندرية، وصديقه المقرب.

لقد كانت هذه العلاقات نابعة من تقدير هؤلاء الرجال لشخصيته الفذة، ولمكانته الاجتماعية والتجارية الرفيعة، والتي جعلته أحد أعيان الأنصار بصعيد مصر.



من أعيان الأنصار بفرشوط


ثانيًا: وفاته

وفي مساء يوم الاثنين، الموافق 27 ديسمبر 1993م، طوى الموت صفحةً مشرقة من صفحات التاريخ، ورحل الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري إلى رحمة الله، تاركًا وراءه إرثًا من الخصال الحميدة والسيرة العطرة.


تشييع الجنازة والعزاء

تم نقل جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في مقابر العائلة بفرشوط، وشهدت جنازته حضورًا كثيفًا من أبناء البلدة ومن خارجها، حيث توافد الناس من شتى المناطق لتقديم واجب العزاء في رجلٍ كان للجميع بمثابة الأب والصديق.

وقد أُقيم سرادق عزاءٍ ضخم استمر لمدة خمسة أيام، وفقًا لعادات أهل فرشوط في ذلك الوقت، حيث اجتمع المعزون من مختلف الأقاليم ليعبروا عن بالغ حزنهم لفقدان هذا الرجل الجليل.

ونظرًا لمكانته الرفيعة، نعاه ذووه في الصحف الرسمية، وكان من بين ما جاء في نعيه بجريدة الأهرام في عددها الصادر يوم الجمعة 31 ديسمبر 1993م:

**"إنا لله وإنا إليه راجعون، توفي إلى رحمة الله تعالى فقيد آل الحاج حسنين الأنصاري بفرشوط ومصر، المرحوم الحاج أحمد عبدالغني كريم الأنصاري الشهير ببهلول، التاجر بفرشوط، والد كلٍّ من:

  • المحاسب عاطف أحمد عبدالغني (بشركة مصر للألومنيوم).
  • الأستاذ ممدوح أحمد عبدالغني (مدرس بالتربية والتعليم).
  • الأستاذ سامح أحمد عبدالغني (بالتعليم الإعدادي).
  • ووالد حرائر فاضلات متزوجات من السادة: جابر الراوي، عبدالهادي قبض، عادل حميلي، حسني النحاس.
  • تلغرافيا: فرشوط."**

 

فقيد آل الحاج حسنين الأنصاري بفرشوط ومصر، المرحوم الحاج أحمد عبدالغني كريم الأنصاري الشهير ببهلول
نعي آل حسانين الأنصاري 


برقيات التعزية من كبار رجال الدولة

تلقى أهل الفقيد برقيات تعزية من كبار رجال الدولة، كان من أبرزها:

  1. السيد الدكتور أحمد فتحي سرور – رئيس مجلس الشعب المصري، الذي أعرب عن حزنه العميق لفقدان أحد كبار أعيان فرشوط.
  2. السيد مصطفى كمال حلمي – نقيب المعلمين ورئيس مجلس الشورى، الذي أشاد في تعزيته بسيرة الفقيد العطرة.
  3. السيد داود شلبي – عضو مجلس الشعب عن الإسكندرية، الذي وصف الراحل بأنه كان مثالًا للتاجر الصادق والرجل الأصيل.

السيد داود شلبي – عضو مجلس الشعب عن الإسكندرية، الذي وصف الراحل بأنه كان مثالًا للتاجر الصادق والرجل الأصيل.
برقية تعزية من عضو مجلس الشعب داود شلبي

رئيس مجلس السعب فتحي سرور ينعي فقيد الانصار
رئيس مجلس السعب فتحي سرور ينعي فقيد الأنصار 


ثالثًا: ذريته

خلف الفقيد من الأبناء ثلاثة رجال ساروا على نهجه، وهم:

  1. الحاج عاطف أحمد عبدالغني الأنصاري – رئيس القطاع المالي بشركة مصر للألومنيوم بنجع حمادي، ووالد كلٍّ من:
    • د. محمد عاطف الأنصاري – مدير التأمين الصحي بنجع حمادي.
    • المحاسب محمود عاطف الأنصاري – بالإدارة التجارية بمصر للألومنيوم.
    • المهندس أحمد عاطف الأنصاري – خبير بوزارة العدل، مكتب خبراء وزارة العدل بنجع حمادي.
  2. الحاج ممدوح أحمد عبدالغني الأنصاري – مدير عام بالتربية والتعليم سابقًا.
  3. الأستاذ سامح أحمد عبدالغني الأنصاري – مدير مدرسة علي خليل بفرشوط.

رابعًا: نسبه الأنصاري

ينتمي الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري إلى عائلة حسنين الأنصاري (آل الأنصاري) بفرشوط، وهي واحدة من العائلات العريقة في فرشوط، التي اشتهرت بنسبها الأنصاري المتوارث.

وقد أكد الدكتور عبدالدايم البقري في كتابه "هجرة الرسول إلى عرب الأنصار"، أن الشيخ عوض الأنصاري هو الجد الجامع لأنصار جرجا وفرشوط وطهطا، مما يدل على عمق الجذور التاريخية لهذه العائلة.

ويذكر أن مدينة جرجا قد تعرضت في الأعوام 1205هـ و1216هـ لكوارث طبيعية من فيضاناتٍ وطاعون، أدت إلى هجرة كثير من عائلاتها، ومنها الأسر الأنصارية، التي انتقلت إلى مناطق أخرى مثل فرشوط وطهطا وبرديس. وقد أورد المراغي في كتابه "تعطير النواحي والأرجاء" هذه الأحداث بتفصيل، مشيرًا إلى أن تلك الهجرات أعادت تشكيل التركيبة السكانية لهذه المدن.

خامسًا: المصادر والمراجع

  1. مقابلات شخصية مع الأستاذ سامح أحمد عبدالغني الأنصاري، الذي أمدّنا بالوثائق والمعلومات.
  2. نعي بجريدة الأهرام، الصادر في 31 ديسمبر 1993م.
  3. برقيات تعزية من كبار رجال الدولة، من بينهم الدكتور أحمد فتحي سرور، والدكتور مصطفى كمال حلمي، والسيد داود شلبي.
  4. كتاب "هجرة الرسول إلى عرب الأنصار" – تأليف الدكتور عبدالدايم البقري.
  5. كتاب "تعطير النواحي والأرجاء" – للشيخ المراغي.

✍️ بقلم الباحثين في التأريخ

  • د. وليد الراعي الأنصاري
  • د. محمد شافعين الأنصاري

موضوعات ذات صلة :









الثلاثاء، 25 مارس 2025

عائلة دباح الأنصاري بجرجا: تاريخ علمي عريق وجذور أنصارية أصيلة

عائلة دباح الأنصاري بجرجا: إرث علمي وأنساب عريقة


عائلة دباح الأنصاري بجرجا: تاريخ علمي عريق وجذور أنصارية أصيلة

تُعد عائلة دباح الأنصاري بجرجا من العائلات العريقة ذات الجذور العربية الأصيلة، والتي ارتبط اسمها بالعلم والفقه الشرعي، حيث أخرجت العديد من العلماء الذين تركوا بصمتهم في التاريخ الإسلامي. وقد اشتهرت العائلة بين العامة باسم عائلة الدباح، نسبةً إلى جدها أحمد الدباح الأنصاري، وتوثقت مكانتها العلمية من خلال العديد من المخطوطات والوثائق، من بينها إجازة علمية محفوظة بدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، وهي شهادة تؤكد دور العائلة في الحركة العلمية الأزهرية.


إجازة علمية للشيخ بكري بن عبدالجواد بن مصطفى الأنصاري

أحد أبرز أعلام هذه العائلة كان الشيخ بكري بن عبدالجواد بن مصطفى الدباح الحنفي الأنصاري الجرجاوي، الذي حصل على إجازة علمية من مجموعة من علماء الأزهر، من بينهم الشيخ أحمد كبوه المالكي. هذه الإجازة، المسجلة تحت رقم حفظ 446 فن مصطلح بدار الكتب المصرية، تعكس عمق ارتباط هذه العائلة بالعلم والدين.


نص الإجازة جاء كالتالي:

"حمداً لمن نوَّر بصائر أهل المعارف فجنوا ثمارها وراثة خالف عن سالف، وصلاة وسلاماً على سند الأمة المزيح لصدى القلوب في غياهب الظلمة، وعلى آله وأصحابه خير من اتبعه وأمَّه... فقد استجازني الفاضل العالم العلامة الشيخ بكري بن الشيخ عبدالجواد بن الشيخ مصطفى دباح الحنفي مذهباً الأنصاري الجرجاوي بلداً الصعيدي، عفا الله عنه، فأجزته رجاء البركة لي وله بما تلقيته عن أشياخي من معقول ومنقول، موصياً له بالتقوى فإنها السبب الأقوى، وأن لا يُقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، نفعه الله ونفع به، وأجرى الخير على يده بمنه وكرمه. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم."الفقير أحمد كبوه المالكي.

 

اجازة الشيخ احمد كبوه المالكي ونسب آل الدباح الأنصاري


نسب العائلة واتصالها بالأنصار

يعود نسب الشيخ بكري بن عبدالجواد إلى سلالة أنصارية كريمة، كما ذكره المؤرخ المراغي في كتابيه تعطير النواحي والأرجاء وخلاصة التعطير. حيث أورد عمود نسبه كالتالي:

"بكري بن عبدالجواد بن مصطفى بن بكري بن عمر بن أحمد بن محمود بن أحمد الشهير بالدباح الحنفي، وينتهي نسبه إلى سيدنا شرف الدين السيد الشريف، المدفون بجزيرة شندويل بالمراغة، والذي ورد ذكره في القواميس التاريخية على أنه من الأولياء الصالحين."

وقد ذكر المراغي أيضاً أن الشيخ بكري بن عبدالجواد تولى القضاء لفترة في بلاد السودان، وتركه لاحقًا، كما أخذ العلم عن كبار العلماء وأجيز منهم، مثل:

  • الشيخ محمد الدمنهوري
  • الشيخ أحمد كبوه المالكي
  • الشيخ الرافعي
  • الشيخ مصطفى القرشي

الأنصارية والامتداد الجغرافي للعائلة

أكدت جميع إجازات علماء الأزهر للشيخ بكري بن عبدالجواد أنه كان يحمل لقب الأنصاري الجرجاوي، مما يرسّخ نسب العائلة إلى الأنصار، على الرغم من ارتباطهم بجزيرة شندويل بالمراغة، والتي كانت مستقراً لكثير من علماء الأنصار قديماً، وما زالت تضم حتى اليوم عائلات أنصارية عريقة، مثل آل الشفاعنة الأنصاري، الذين كان لهم دور بارز في مجالات العلم والأدب.

يُرجَّح أن الشيخ شرف الدين، المدفون بجزيرة شندويل، كان من علماء وأولياء الأنصار، خاصةً أن المراغة كانت موطناً للعديد من الأسر العلمية الأنصارية، مما يدلل على أن عائلة دباح تنتمي إلى هذه السلالة المباركة.


تُمثل عائلة دباح الأنصاري بجرجا جزءًا من الإرث العلمي الأزهري، حيث نشأ فيها علماء حملوا راية الفقه والمعرفة. إن ارتباطها بالمؤسسات الدينية الكبرى، وحصول رموزها على إجازات علمية موثقة، يؤكد أن هذه العائلة لم تكن مجرد أسرة أنصارية عادية، بل كانت من البيوتات العلمية التي تركت بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي، سواءً من خلال نشر العلم، أو عبر تبوؤ مناصب دينية وقضائية. رحم الله سلفهم، وبارك في خلفهم ليستمر هذا الإرث العلمي العريق.


بقلم د/ وليد الراعي الانصاري 

المصادر:

  1. إجازة الشيخ أحمد كبوه للشيخ بكري بن عبدالجواد بن مصطفى الأنصاري الجرجاوي – دار الكتب المصرية (رقم 446 فن مصطلح).
  2. تعطير النواحي والأرجاء – تأليف الشيخ المراغي.
  3. خلاصة التعطير – تأليف الشيخ المراغي.

موضوعات ذات صلة :