تُعتبر قبيلة المحس واحدة من القبائل السودانية النوبية العريقة التي تُمثل جزءًا أصيلًا من نسيج بلاد النوبة، حيث تمتد جذورها في أعماق التاريخ، لتجمع بين التراث العربي والإفريقي. وقد أسهمت هذه القبيلة في تشكيل الهوية الثقافية والدينية للمنطقة، وكانت شاهدًا على العديد من الأحداث التاريخية التي تركت بصمتها على السودان ومصر.
أصل المحس ونسبهم
قبيلة المحس تُنسب إلى محمد الملقب بـ"محس"، الذي عاش في القرن الثامن الهجري الخامس عشر الميلادي. يتصل نسبه بالصحابي الجليل أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، كما يظهر في السلسلة النسبية التي تضم ملوك القبيلة خلال فترات ضعف الدولة المركزية، حيث كانت لكل قبيلة مملكة مستقلة.
ومع ذلك، تُشير بعض الآراء إلى أن المحس هم نوبة أصليون وليسوا بخزرج، وأن دماءهم العربية جاءت من المصاهرة مع العرب الذين تزوجوا من نساء النوبة، مما جعلهم ملوكًا للنوبة والعرب على السواء دون صراع.
ديار المحس وتوزيعهم الجغرافي
تستوطن قبيلة المحس مناطق واسعة في السودان، منها:
الولاية الشمالية
نهر النيل
الجزيرة
الخرطوم
النيل الأبيض
مناطق في البطانة وسنار وكسلا والبحر الأحمر والقضارف وكردفان
كما تُعتبر جزيرة توتي الكبرى بولاية الخرطوم إحدى أقدم مناطق استيطان المحس منذ القرن الخامس عشر الميلادي.
أما في مصر، فللقبيلة وجود رمزي في محافظة أسوان وأدفو، حيث تُعتبر اللهجة المحسية مكونًا رئيسيًا من اللهجة النوبية في جنوب مصر.
طبيعة أرض المحس
تمتد أرض المحس على ضفتي النيل لمسافة تزيد عن 150 كيلومترًا، وتمتاز بكثرة تعرجات النيل والجنادل والصخور، إضافة إلى العديد من الجزر المأهولة بالسكان، مثل: سمت، مسل، ناب، نارنارتي، موقا، وارتيمري.
وتضم المنطقة 45 قرية تمتد من أشكان جنوبًا إلى واوا شمالًا، وتُعتبر قرية مشكيلة أكبر قرى المحس، بينما يُعد مركز القبيلة هو دلقو.
أدوار المحس في نشر الإسلام
ساهم المحس بشكل كبير في نشر الإسلام وتعريب المجتمعات السودانية، لا سيما في مناطق وسط السودان. وقد لعب قادتهم دورًا بارزًا كمستشارين لقادة دولة الفونج، حيث عملوا على نشر الإسلام على امتداد النيلين الأبيض والأزرق.
ومن أبرز علماء المحس الذين نشروا العلم الإسلامي والقرآن الكريم:
إدريس ود الأرباب
أرباب العقائد الخشن
خوجلي أبو الجاز
إمام أبو جنزير
التاريخ السياسي والاجتماعي للمحس
وفقًا للتاريخ، جاء جدود المحس الأوائل مع حملة عبد الله بن أبي السرح، واستقر بعضهم في مراغة شمال دنقلا العرضي، ومن هناك هاجروا إلى أرض المحس. وقد برزت شخصيات قيادية منهم، مثل:
سكر وأولاده السكراب الذين ورثوا السلطة الإدارية والسياسية، وكانوا أجداد ملوك مملكة كوكا.
جامع، الذي ورث أبناؤه السلطة الدينية وهاجروا للجنوب.
وقد اشتهر المحس بإقامة أولى الكيانات الحضرية في الخرطوم وما حولها، مما ساهم في تأسيس المدن السودانية الحديثة.
فروع المحس وبطونهم
ينقسم المحس إلى مجموعتين رئيسيتين:
1. محس الشمال: يتحدثون اللغة النوبية بجانب العربية.
2. محس الوسط: هاجروا إلى وسط السودان في القرن الخامس عشر الميلادي، ويتحدثون العربية فقط.
ومن بطون المحس:
الغردقاب
الصباحاب
العوناب
المكناب
الخوجلاب
مساعدية
السكراب
دهشاب
حلساب
ومن أبرز جدود المحس:
شريف: جد المشيرفية
وكباني: جد الكبانية
سعد الله: جد السعدلاب
عبودي: جد العبودية
صارد: جد الصواردة
زايد: جد الزيادية
الآثار والتراث في ديار المحس
تضم منطقة المحس آثارًا تعود لفترات كوش ومروي، إضافة إلى الكنائس والحصون من فترة الممالك المسيحية النوبية، مثل نوباتيا والمقرة. كما تنتشر القباب الإسلامية في معظم قرى المنطقة، مما يعكس التمازج الثقافي والديني.
ومن أبرز المواقع التاريخية:
جزيرة صاي، التي شهدت صراعًا بين بني الكنز وبني الجعد الأنصار.
آثار مملكة كوكا، التي أسسها المحس بعد انتصارهم على الإدارة المسيحية.
المحس في مصر
تُظهر اللهجة المحسية، التي تُعتبر جزءًا من اللهجة النوبية في جنوب مصر، مدى تأثير المحس في المنطقة. وقد لعبت هذه اللهجة دورًا محوريًا في التاريخ المصري الحديث، حيث استُخدمت كلغة شفرة خلال حرب أكتوبر 1973م.
وقد ساهم المحس في مصر في نشر العلم والثقافة الإسلامية، حيث اشتهروا بالزهد والعلم، وكانوا من أبرز العلماء والدعاة.
القبيلة بين الماضي والحاضر
تُعَدّ قبيلة المحس مثالًا حيًا على التمازج الثقافي بين العرب والنوبة، حيث أثرت في تشكيل الهوية الثقافية للسودان ومصر. ومع استمرارها في الحفاظ على تراثها، تُواصل القبيلة لعب دور مهم في الحياة الاجتماعية والثقافية للمنطقة.
قبيلة المحس ليست مجرد قبيلة سودانية أو نوبية؛ بل هي جزء لا يتجزأ من تاريخ السودان ومصر. بفضل دورها في نشر الإسلام وتعريب المجتمعات، إضافة إلى إسهاماتها الثقافية والسياسية، تُعتبر القبيلة رمزًا للتمازج الحضاري. ومن خلال استعراض تاريخها الغني، ندرك أهمية الحفاظ على تراثها للأجيال القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك