الأحد، 26 يناير 2025

لا تلوموا أهل الأندلس: قراءة جديدة في أسباب السقوط

"لا تلوموا أهل الأندلس" يقدم قراءة جديدة لأسباب سقوط الأندلس، مبرزًا مسؤولية الأمة عن الدفاع عن أراضيها بدلاً من إلقاء اللوم على أهل الأندلس وحدهم.

كلما طالعنا مقالا عن أسباب سقوط الأندلس لا نجد فيه غير اللوم و التأنيب لأهل الأندلس !! و كأن مسئولية ضياع هذا الجزء المهم من الأمة كانت تقع فقط على أهل الأندلس أو حتي المغرب العربي الذي طالما نافح و دافع ضد سقوطه !!

للأسف لا نسمع منكم غير : 

- لقد انغمس أهل الأندلس فى الترف و النعيم و الإسراف في الملبس و المأكل و بناء القصور و الانحراف عن شرع الله تعالى ومنهجه الإسلامي الصحيح؛ فقد شاع فيها :

- شرب الخمر، والغناء والطرب والموسيقى والجواري،  

- وموالاة أعداء الأمة من الصليبيين، وإحسان الظن بهم ؛ والتنازع بين المسلمين على الدنيا؛ حيث دبَّ النزاع بين مسلمي الأندلس على الدنيا منذ وقت مبكر، فتنازع العرب والبربر، وتنازع اليمانية والقيسية، وتنازع الأشقاء والأقارب على المناصب، 

- وتقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوي والجهادي والإصلاحي؛ فقد اشتغل كثير منهم في المسائل الخلافية، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، وركون أهل الأندلس إلى الدعة و ترك الجهاد ؛... إلخ

و نحن بدورنا نسألكم

وهل كانت معصيتهم تبيح لكم أن تسلموهم بأرضهم وديارهم الى عدو دينكم ؟ لماذا لم تدافعوا عنهم بل قل عن أرض المسلمين ؟ لماذا لم تتدخلوا ﻹصلاح أخلاقهم ؟! 

فهل كنتم تستطيعون ذلك ؟! 


إذن : كيف كانت أحوالكم في ذلك الوقت ؟! 

هل كنتم ترابطون فوق ظهور الخيل ؟! 

هل كنتم تلازمون المساجد و مجالس الذكر ليل نهار ؟!

هل كان شائعا لديكم الزهد في الدنيا و كنتم متحدين على قلب رجل واحد ؟! 

للأسف لن تستطيعوا الإجابة عن هذه الأسئلة بما يخالف ما وصفتم به أهل الأندلس !

و حديثا سمعنا منكم كلاما مشابها عندما ضاعت فلسطين !! بل لقد زعمتم أن أهلها باعوا الأرض و قبضوا الثمن!! 

و الحقيقة أنكم ترددون ما يقوله الأعداء !

قديما كان جنكيز خان وجنوده و أولاده - يذبحون ملايين المسلمين و يحرقون بلادهم و كانوا دائما يقولون لهم : لولا أنكم ارتكبتم ذنوبا عظيمة لما سمح الله لنا بتعذيبكم و إبادتكم .. و الحق أن جنكيز لو كان يرعى الذنب لما دخل مسجد بخارى بفرسه و لعلم أن مايرتكبه من مذابح أعظم إثما من ذنوب ضحاياه ؛ لكنه قول الذئب للشاة !! 

وقد أرسل هولاكو إلى المصريين رسالته المشهورة يقول : 

{ نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه،.. ودعاؤكم علينا لا يسمع، ... فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والإيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان فأبشروا بالمذلة والهوان ...}

"فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون" 

و كان ملوك قشتالة و أراجون و ليون يقولون لمسلمي الأندلس : ما كل هذا النعيم و الثراء ؟! مابال ملابسكم نظيفة و بيوتكم جميلة و مدنكم معبدة الطرق و مزينة بالأشجار ؟!

ماكل هذا الثراء والترف ؟!

و ما كل هذه الكتب و الأوراق و العلوم و الأشعار التى تكتبونها ؟! لاشك أنها سبب ضعفكم و عدم قدرتكم على الصمود في مواجهتنا ! لذلك تستحقون أن نستعبدكم و نفنيكم أو نطردكم و نستولى على أرضكم و أموالكم ؟! 

وقد أرسل ألفونسو السادس إلى المعتمد و أهل أشبيلية

{ كيف أترك قومًا مجَّانين، تَسَمّى كلُّ واحدٍ منهم باسم خلفائهم وملوكهم وأمرائهم المعتضد والمعتمد والمعتصم والمتوكل والمستعين والمقتدر والأمين والمأمون، وكل واحد منهم لا يَسُلُّ في الذّبِّ عن نفسه سيفًا، ولا يرفع عن رعيته ضيمًا ولا حيفًا، قد أظهروا الفسوق والعصيان واعتكفوا على المغاني والعيدان؟ }

بينما أطلق الصهاينة فرية أن الفلسطينيين باعوا لهم ديارهم و أنهم شعب همجي متخلف لا يستطيع أن يمارس الحياة المتحضرة فبالتالى هم أولي بالأرض و بالحياة و من حقهم أن يطردوهم أو يفنوهم أو يسوموهم ألوان العذاب كما يشاءون ! 

وليس ذلك إلا من قبيل اختلاق الأعذار للعدوان على الآخرين ؛ و دائما ينصب المعتدي نفسه قاضيا ينوب عن القدر و يعاقب ضحاياه بما يشبع غرائزه الإجرامية بحجة أنهم فساق !!

وقد عبر شاعر الأندلس بطريق خفي عن مؤامرات أوربا و اتحادها ضد مسلمي الأندلس و عزمها على إفنائهم : 


يا أهـل أندلـس حثـوا مَطيَّكــُمُ 

                                    فما المقام بها إلا مـن الغلــطِ

الثوب يُنسلُ من أطرافـه وأرى 

                             ثوب الجزيرة منسولاً من الوسـطِ

ونحن بيـن عـدو لا يفارقنـا 

                           كيف الحياة مع الحيات في سفـط


 جنكيز خان و شعوبه التى كانت فى منتهى الجهل و التخلف كانوا حاقدين جدا على تحضر المسلمين و يحسون بالبون الحضارى الشاسع بينهم ! ولا ننسى مشهد إغراق 4 ملايين كتاب في نهر دجلة كانت في مكتبة بغداد و حدها!

و الواقع أيضا أن ممالك النصارى في شمال الأندلس كانوا حاقدين على مسلمي الأندلس و يحسون بالفرق الهائل بينهم في شتى مجالات الحياة !! لا ننسى أنهم هدموا كل الحمامات في قرطبة و غيرها و منعوا الإستحمام حتى يكون الناس كلهم قذربن مثلهم ! ولاننسى كم الكتب الهائل الذي أحرقوه !!


لكن هل كان جنكيز و شعبه صالحين يتقربون إلى الله بالنوافل و الفروض ؟! بينما كان المسلمون عصاة يستحقون عذاب الله ؟! 

و هل كان نصاري الأندلس يرابطون في القداس و يقيمون الصلوات و لايشربون الخمر و يتنزهون عن المعاصي فلذلك كانوا أولى بالبقاء ؟! 


و هل كذلك الصهاينة أكثر آدمية و أفضل أخلاقا من الفلسطينيين و أكثر قدرة على أداء متطلبات الحضارة؟! 


الحقيقة أننا في هذه الحوادث الثلاث تناسينا مسئوليتنا عن الدفاع عن ثغور الإسلام و حملنا شعوبها المسئولية و حدهم و أمطرناهم باللوم و التقريع !!


إن عوامل الضعف و الوهن لا تصيب المجتمعات المسلمة فحسب بل تصيب كافة المجتمعات البشرية ؛ 

و الأمم تقوي و تضعف ثم تقوى فتضعف بحسب عوامل الزمن و سنن الحياة ! 


لقد نسينا أننا قعدنا متفرجين عندما خرب المغول أول مدينة مسلمة ملاصقة لهم !! و قعدنا كذلك عقودا حتي أتوا إلى عقر ديارنا في قلب الأمة المسلمة !! 


كنا متفرجين على ثغور الأندلس و هي تسقط واحدة تلو الأخرى و نكتفي بالبكاء و العويل ! 


و المضحك أننا نلوم ملك المغرب محمد الناصر الموحدي و نقول إنه لم ينظم جيشه وكان قليل الحكمة فانهزم في معركة العقاب الفاصلة ؛ فضاعت الأندلس ؟! 


هكذا ؟! أكان ذلك هو السبب ؟! يالها من قشة قصمت ظهر البعير ؟!


فكذلك ذهبت و تذهب ثغور الإسلام !!

كان صلاح الدين لا يستطيع جمع أكثر من عشرين أو ثلاثين ألف مقاتل بينما كانت أوربا الصليبية ترسل إليه مئات الألوف !!

كذلك كانت أوربا ترسل الجنود الى الأندلس بأعداد ربما فاقت كل تصور ! ربما فاقت عدد سكان الأندلس جميعهم و ليس من يستطيعون حمل السلاح من اهلها و أهل المغرب ! 

وكان المغول يهاجمون المدن المسلمة باعداد تفوق كل تصور ! حتى و صفهم الناس بالجراد لكثرة العدد وو صفوا أنفسهم فقالوا و عديدنا كالرمال !!

كذلك يدعم كل يهود العالم صهاينة دولة الإحتلال بالمال و الرجال بل ويحمل نساؤهم و كبار السن السلاح ضدنا فيستطيعون - رغم قلتهم - أن يجمعوا مليون جندي في يومين فقط !!


الواقع أننا لم نجتمع أبدا لقتالهم كما يجتمعون لقتالنا !

ولقد نسينا قول الله تعالى لنا : و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة . . و اعلموا أن الله مع المتقين .

لكأنكم الآن تكتشفون وجود هذه الآية لأول مرة !

القرآن نبأنا بأنهم سيجتمعون كافة لقتالنا !!

ليس لأنهم بلا ذنوب و لا ﻷنهم أصحاب مبادئ و لكن ﻷن الحقد علينا جمع قلوبهم و حركتهم غيرتهم على ابقاء ضلالهم و نصرة الطواغيت التي يعبدونها.

والواقع أننا لا نغار على إخوتنا لا نغضب من أجلهم عجزنا أن نتجمع في ألوف مؤلفة كجيوش الصليبيين أو التتار أو حتى اليهود !

 ليس لأن أصحاب الثغور من إخواننا المسلمين يعاقرون الخمر و يجلسون إلى النساء و يتقلبون في النعيم !!

ولكن لأننا نفتقر الى النخوة و المروءة و الغيرة على ديننا !!


لقد وضعت الكنيسة الباباوية منهجا و خططا لاقتلاع الإسلام قبل مشروع الحروب الصليبية و سعت بشتى الوسائل إلى تطبيق ذلك المنهج و تلك الخطط ...و مازالت وراء هدفها !!


نعم اقتلاع الإسلام ليس من الأندلس فحسب بل من العالم !!

واستطاعت التأثير على الشعوب النصرانية بل و الأمراء و الملوك فانصاعوا جميعهم لأوامرها و لازالوا !!

في المقابل لم يكن لدينا نحن أي خطط تقريبا منذ العهد الأموي لا لنشر الإسلام ولا حتى مقاومة أعدائه المتربصين بنا على الدوام ... 

يستطيع بابا الكنيسة أن يحرك مئات الملايين من النصارى و عشرات الدول بكلمة منه !!! 

بينما نحن مازلنا نرفض مجرد التذكير وليس التفكير بفكرة الخلافة حتى لو كانت صورية !!! فمن المستحيل إذن أن تجتمع كلمتنا مثلهم !


لقد ضاعت عشرات الأندلس وليس أندلس إبيريا فحسب !!

في التركستان و القرم و القوقاز و البلقان و إفريقية و غيرها و ليس من المعقول أن نردد ما تلوكه ألسنتنا على الدوام بأن أهلها كانوا ينغمسون في الترف و الدعة و يقارفون المعاصي !!

فهل السوريون أو الفلسطينيون أو أهل العراق كانوا كذلك فضاعت بلدانهم ؟! 

مهلا ! بعض الخجل ...

إن الأندلس ضاعت لأننا شاركنا جميعا فى جريمة التخلى عن الدفاع عن أراضى و حرمات المسلمين فلا تلوموا أهل الأندلس !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك