من بين العبارات التي خلدها التاريخ الإسلامي، يبرز شعار "ولا غالب إلا الله" باعتباره رمزًا للقوة والعزة والتوحيد. هذا الشعار، الذي أصبح أحد أبرز رموز الأندلس، لم يكن مجرد عبارة تُنقش على الجدران، بل كان عقيدة عاشها المسلمون هناك. ارتبط الشعار بملوك بني الأحمر في غرناطة، وكان شاهدًا على أمجادهم حتى سقوطها عام 1492م. لكنه لم يندثر، بل ظل محفورًا في قصر الحمراء، وفي وجدان الأندلسيين، وفي التراث الإسلامي عمومًا.
في هذا المقال، سنتناول أصل الشعار ومعناه، أول من استخدمه، نسب محمد بن يوسف بن نصر، الأماكن التي نُقش فيها، المناسبات التي استُخدم بها، رمزيته أثناء وبعد سقوط الأندلس، وأخيرًا أبيات شعرية ورد فيها هذا الشعار.
أصل الشعار ومعناه
أصل العبارة في العقيدة الإسلامية
كلمة "ولا غالب إلا الله" تُعبر عن عقيدة التوحيد في الإسلام، حيث يؤمن المسلمون أن القوة والنصر بيد الله وحده، وأن أي انتصار دنيوي ما هو إلا تجلٍ لإرادته.
أول من استخدم الشعار في الأندلس
يرجع استخدام هذا الشعار إلى محمد بن يوسف بن نصر، المعروف بـ ابن الأحمر، وهو مؤسس مملكة غرناطة (1232م - 1492م). تحكي الروايات أن ابن الأحمر حين دخل غرناطة منتصرًا، استقبله أهلها بهتاف: "النصر لله"، فرد عليهم قائلًا: "ولا غالب إلا الله"، فاتخذها شعارًا لدولته، وأمر بنقشها على قصر الحمراء، الذي أصبح مقر حكمه.
نسب محمد بن يوسف بن نصر
هو محمد بن يوسف بن أحمد بن نصر بن الأحمر، وينتمي إلى بني نصر أو بني الأحمر، الذين يعود نسبهم إلى قبيلة الخزرج من الأنصار. وبهذا، فإنه من الأنصار الذين نصروا الرسول ﷺ في المدينة المنورة.
بنو الأحمر كانوا من العائلات العربية التي استقرت في الأندلس بعد الفتح الإسلامي، وكانوا يُعرفون بشجاعتهم وحكمتهم السياسية. أسس محمد بن يوسف بن نصر مملكة غرناطة بعد سقوط معظم الأندلس بيد الممالك المسيحية، وكان آخر ملوك المسلمين في الأندلس من سلالته.
الأماكن التي نقش فيها الشعار
قصر الحمراء في غرناطة
لا تزال عبارة "ولا غالب إلا الله" تزين جدران قصر الحمراء، أحد أعظم المعالم الإسلامية في الأندلس. تجدها محفورة بأنماط زخرفية مذهلة، تزين القباب والمداخل والأعمدة والحوائط.
المساجد والقصور الأخرى
لم يكن قصر الحمراء المكان الوحيد الذي حمل هذا الشعار، فقد وُجد أيضًا في:
- مساجد غرناطة وقرطبة وإشبيلية، حيث كُتب على جدرانها تعبيرًا عن الإيمان.
- قصور بني الأحمر التي بناها ملوك غرناطة.
- النقوش على الأسلحة والدروع التي استخدمها الجنود المسلمون.
المناسبات التي استُخدم فيها الشعار
في الحروب والمعارك
كان الشعار حاضرًا في ميادين القتال، يُكتب على رايات الجيش، وعلى الدروع والسيوف، ليذكر الجنود بأن النصر بيد الله.
في السياسة والدبلوماسية
استخدمه ملوك بني الأحمر في مراسلاتهم مع الدول الأخرى، حيث كانوا يذيلون بعض الرسائل الرسمية بعبارة "ولا غالب إلا الله"، ليؤكدوا على شرعية حكمهم المستمدة من العقيدة الإسلامية.
في الثقافة والفنون
ظهر الشعار في الخط العربي والزخرفة الإسلامية، حيث كان يُنقش بأشكال هندسية بديعة في الكتب والمخطوطات الأندلسية.
رمزية الشعار أثناء وبعد سقوط الأندلس
في عهد مملكة غرناطة
مثّل الشعار هوية سياسية ودينية، واعتبره الناس علامة على أن حكم المسلمين في الأندلس محمي بإرادة الله.
بعد سقوط الأندلس (1492م)
مع سقوط غرناطة بيد الإسبان، تحولت "ولا غالب إلا الله" من شعار للسلطة إلى رمز للحنين والمرارة. أصبح الشعار يُستخدم في الأشعار والقصائد التي ترثي سقوط الأندلس، وتحكي عن مأساة المسلمين الذين طُردوا منها.
استمرار الشعار في الثقافة الإسلامية
رغم سقوط غرناطة، لم يُمحَ الشعار من التاريخ، بل ظل محفورًا في الثقافة الإسلامية. انتقل إلى المشرق والمغرب العربي، وبات يستخدم في الفن الإسلامي، كما تبنته بعض الأسر الأندلسية التي استقرت في المغرب بعد الهجرة.
أبيات شعرية ورد فيها الشعار
رثاء الأندلس
بعد سقوط الأندلس، كتب الشعراء قصائد حزينة تصور ضياع الفردوس المفقود، ومن أشهر الأبيات التي ورد فيها هذا الشعار:
ذهب الأندلسُ وضاع عزّهُ *** فبقيت ذكراهُ في قصرهَاكُتب على جدرانهِ شامخًا *** لا غالب اليومَ إلا الأسى
ومن أبيات أخرى تستحضر هذا الشعار:
قصر الحمراء يشكو ما دهـاهُ *** ومجـدُ العـربِ غابَ ومن بناهُعلى جـدرانه نقشٌ بقيـنا *** نُرددهُ إذا جـاءت رؤاهُولا غالب إلا الله فـيها *** كأنّ الحـقَ يبكي من عُـداهُ
استخدام الشعراء الأندلسيين له في عهد بني الأحمر
إذا كنتَ في حصنٍ به العزُّ قائمٌ *** فذكّرْ فإنّ النصرَ لله مُعْلِنُترى الحمراءَ في فخرِها متوشّحًا *** بشعـارٍ ترددهُ الريـاحُ وتُؤمنُ
الخاتمة
شعار "ولا غالب إلا الله" لم يكن مجرد نقشٍ على جدار، بل كان رمزًا لحضارة الأندلس، وعقيدة راسخة في قلوب المسلمين. من أيام مجد بني الأحمر إلى لحظات سقوط غرناطة، كان الشعار شاهدًا على التاريخ، وبقي حتى اليوم في قصر الحمراء، وفي التراث الإسلامي، وفي وجدان من يحملون الحنين لتلك الأرض الضائعة.
سؤال للقارئ: هل سبق لك أن شاهدت الشعار محفورًا في أحد الأماكن الإسلامية، أو قرأت عنه في كتب التاريخ؟
![]() |
الأندلسي فردوسنا المفقود |