الأربعاء، 26 مارس 2025

من أعيان الأنصار بفرشوط: ترجمة الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري الشهير ببهلول الأنصاري

بهلول الأنصاري: تاجر الغلال الذي سطع نجمه في صعيد مصر


صورة الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري الشهير ببهلول الأنصاري

الحمد لله الذي جعل للفضل أهله، ورفع في كل زمان أقوامًا كتب لهم الذكر الحسن، فخلد ذكرهم في الصدور كما خلدته الصحائف والدواوين، فهم رجال عرفتهم الأجيال، وافتخرت بهم الأنساب، وسارت بذكرهم الركبان. ومن هؤلاء، رجلٌ شهدت له الأيام بجميل الأثر، وعرفه الناس في معاملاتهم بصدق الحديث وحسن السيرة، إنه الحاج أحمد عبدالغني كريم حسنين الأنصاري، المشتهر ببهلول الأنصاري، أحد أعلام فرشوط، ورجلٌ من كبار تجارها، ممن ضربوا بسهم وافر في ميدان التجارة، فأصبح اسمه مقرونًا بالأمانة والمروءة، وسعة الجاه والفضل.

ولقد كان رحمه الله مثالًا للرجل العصامي، الذي لم يورث المجد جاهًا، وإنما بناه بجهده وكفاحه، فسار في دروب الحياة متسلحًا بالعزم، مجتهدًا في السعي، حتى ذاع صيته في تجارة الغلال والعسل، وامتدت أعماله من جنوب الصعيد إلى قلب القاهرة، فكان له في شبرا مصر مقر تجاري يشهد على اتساع تجارته، ويُعد شاهدًا على نجاحه الذي لم يكن وليد المصادفة، بل كان ثمرة اجتهاده وتفانيه.

وكان، رحمه الله، ذا مكانة اجتماعية مرموقة، لا تقتصر على ما بلغ من ثراء وجاه، وإنما تجاوز ذلك إلى علاقاته الطيبة برجال الدولة وأعيان البلاد، ممن عرفوه وعرفوا قدره، فكانوا يحفظون له الودّ ويقدرون منزلته، ويأنسون بحديثه. وقد أحاط به محبوه من كل صوب، لا لماله فحسب، بل لصفاء سريرته وكرم أخلاقه، فكان مجلسه عامرًا بالوجهاء، وحديثه يزدان بالحكمة، وأفعاله تشهد بفضله، فلم يكن مجرد تاجر يبتغي الربح، بل رجلًا سمت همته إلى معالي الأمور، فعاش كريمًا محبوبًا، ورحل مخلدًا في القلوب.

وهذه سطور نخطّها بمداد الوفاء، نترجم فيها سيرته، ونقف على محطات حياته، لنعيد إلى الأذهان ذكرى رجل كان من أعلام الأنصار بصعيد مصر، ونضع بين أيدي القرّاء نبذةً عن مولده ونشأته، ومسيرته في الحياة، وذريته التي خلّفها من بعده، ليبقى اسمه حاضرًا في سجل التاريخ، كما بقيت أفعاله شاهدًا على حياةٍ عامرة بالفضل والإحسان.


أولًا: مولده ونشأته

في الثالث من شهر مايو عام 1928م، شهدت مدينة فرشوط بمحافظة قنا ميلاد رجلٍ من رجالاتها العظام، الحاج أحمد عبدالغني كريم حسنين الأنصاري، الذي نشأ وترعرع في كنف أسرة عريقة ذات نسبٍ كريم ومكانةٍ رفيعة بين أقرانها. كانت نشأته متميزة بطابعٍ يجمع بين الأدب الجمّ، والاستقامة في السلوك، والجد في العمل، وهي صفاتٌ لازمته طوال حياته ورثها عن جده الحاج حسنين الأنصاري فكان من كبار تجار محافظة قنا.


رحلته في عالم التجارة

ولما بلغ مبلغ الرجال، انخرط في مجال التجارة، وهو المجال الذي كتب له فيه التوفيق والنجاح الباهر، حتى صار اسمه علمًا بارزًا بين كبار تجار الغلال والعسل في صعيد مصر. لم يقتصر نشاطه التجاري على بلدته فرشوط، بل اتسع ليشمل القاهرة، حيث أسس مقرًا لتجارته في قلب العاصمة، وتحديدًا في 79 شارع الحافظية، شبرا مصر، ليصبح من أعلام التجارة في تلك المنطقة الحيوية.

وقد ساعده على ذلك ذكاؤه الحاد، ونزاهته في التعامل، وحرصه على ترسيخ علاقاتٍ قوية مع كبار التجار ورجال الدولة، حتى أصبح موضع ثقة الكثيرين، وامتدت علاقاته الطيبة إلى عددٍ من أعضاء مجلس الشعب والشورى، منهم:

  • السيد الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب المصري.
  • السيد مصطفى كمال حلمي، نقيب المعلمين ورئيس مجلس الشورى.
  • السيد داود شلبي، عضو مجلس الشعب عن محافظة الإسكندرية، وصديقه المقرب.

لقد كانت هذه العلاقات نابعة من تقدير هؤلاء الرجال لشخصيته الفذة، ولمكانته الاجتماعية والتجارية الرفيعة، والتي جعلته أحد أعيان الأنصار بصعيد مصر.



صورة طبيعية بالابيض والاسود للحاج بهلول الأنصاري


ثانيًا: وفاته

وفي مساء يوم الاثنين، الموافق 27 ديسمبر 1993م، طوى الموت صفحةً مشرقة من صفحات التاريخ، ورحل الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري إلى رحمة الله، تاركًا وراءه إرثًا من الخصال الحميدة والسيرة العطرة.


تشييع الجنازة والعزاء

تم نقل جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في مقابر العائلة بفرشوط، وشهدت جنازته حضورًا كثيفًا من أبناء البلدة ومن خارجها، حيث توافد الناس من شتى المناطق لتقديم واجب العزاء في رجلٍ كان للجميع بمثابة الأب والصديق.

وقد أُقيم سرادق عزاءٍ ضخم استمر لمدة خمسة أيام، وفقًا لعادات أهل فرشوط في ذلك الوقت، حيث اجتمع المعزون من مختلف الأقاليم ليعبروا عن بالغ حزنهم لفقدان هذا الرجل الجليل.

ونظرًا لمكانته الرفيعة، نعاه ذووه في الصحف الرسمية، وكان من بين ما جاء في نعيه بجريدة الأهرام في عددها الصادر يوم الجمعة 31 ديسمبر 1993م:

**"إنا لله وإنا إليه راجعون، توفي إلى رحمة الله تعالى فقيد آل الحاج حسنين الأنصاري بفرشوط ومصر، المرحوم الحاج أحمد عبدالغني كريم الأنصاري الشهير ببهلول، التاجر بفرشوط، والد كلٍّ من:

  • المحاسب عاطف أحمد عبدالغني (بشركة مصر للألومنيوم).
  • الأستاذ ممدوح أحمد عبدالغني (مدرس بالتربية والتعليم).
  • الأستاذ سامح أحمد عبدالغني (بالتعليم الإعدادي).
  • ووالد حرائر فاضلات متزوجات من السادة: جابر الراوي، عبدالهادي قبض، عادل حميلي، حسني النحاس.
  • تلغرافيا: فرشوط."**

 

صورة نعي آل الحاج حسنين الأنصاري بفرشوط ومصر، المرحوم الحاج أحمد عبدالغني كريم الأنصاري الشهير ببهلول الأنصاري بجريدة الأهرام
نعي آل حسانين الأنصاري 


برقيات التعزية من كبار رجال الدولة

تلقى أهل الفقيد برقيات تعزية من كبار رجال الدولة، كان من أبرزها:

  1. السيد الدكتور أحمد فتحي سرور – رئيس مجلس الشعب المصري، الذي أعرب عن حزنه العميق لفقدان أحد كبار أعيان فرشوط.
  2. السيد مصطفى كمال حلمي – نقيب المعلمين ورئيس مجلس الشورى، الذي أشاد في تعزيته بسيرة الفقيد العطرة.
  3. السيد داود شلبي – عضو مجلس الشعب عن الإسكندرية، الذي وصف الراحل بأنه كان مثالًا للتاجر الصادق والرجل الأصيل.

صوة برقية السيد داود شلبي – عضو مجلس الشعب عن الإسكندرية، الذي وصف الراحل الحاج بهلول بأنه كان مثالًا للتاجر الصادق والرجل الأصيل
برقية تعزية من عضو مجلس الشعب داود شلبي

صورة برقية رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ينعي فقيد الانصار
رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ينعي فقيد الأنصار 


ثالثًا: ذريته

خلف الفقيد من الأبناء ثلاثة رجال ساروا على نهجه، وهم:

  1. الحاج عاطف أحمد عبدالغني الأنصاري – رئيس القطاع المالي بشركة مصر للألومنيوم بنجع حمادي، ووالد كلٍّ من:
    • د. محمد عاطف الأنصاري – مدير التأمين الصحي بنجع حمادي.
    • المحاسب محمود عاطف الأنصاري – بالإدارة التجارية بمصر للألومنيوم.
    • المهندس أحمد عاطف الأنصاري – خبير بوزارة العدل، مكتب خبراء وزارة العدل بنجع حمادي.
  2. الحاج ممدوح أحمد عبدالغني الأنصاري – مدير عام بالتربية والتعليم سابقًا.
  3. الأستاذ سامح أحمد عبدالغني الأنصاري – مدير مدرسة علي خليل بفرشوط.

رابعًا: نسبه الأنصاري

ينتمي الحاج أحمد عبدالغني الأنصاري إلى عائلة حسنين الأنصاري (آل الأنصاري) بفرشوط، وهي واحدة من العائلات العريقة في فرشوط، التي اشتهرت بنسبها الأنصاري المتوارث.

وقد أكد الدكتور عبدالدايم البقري في كتابه "هجرة الرسول إلى عرب الأنصار"، أن الشيخ عوض الأنصاري هو الجد الجامع لأنصار جرجا وفرشوط وطهطا، مما يدل على عمق الجذور التاريخية لهذه العائلة.

ويذكر أن مدينة جرجا قد تعرضت في الأعوام 1205هـ و1216هـ لكوارث طبيعية من فيضاناتٍ وطاعون، أدت إلى هجرة كثير من عائلاتها، ومنها الأسر الأنصارية، التي انتقلت إلى مناطق أخرى مثل فرشوط وطهطا وبرديس. وقد أورد المراغي في كتابه "تعطير النواحي والأرجاء" هذه الأحداث بتفصيل، مشيرًا إلى أن تلك الهجرات أعادت تشكيل التركيبة السكانية لهذه المدن.

خامسًا: المصادر والمراجع

  1. مقابلات شخصية مع الأستاذ سامح أحمد عبدالغني الأنصاري، الذي أمدّنا بالوثائق والمعلومات.
  2. نعي بجريدة الأهرام، الصادر في 31 ديسمبر 1993م.
  3. برقيات تعزية من كبار رجال الدولة، من بينهم الدكتور أحمد فتحي سرور، والدكتور مصطفى كمال حلمي، والسيد داود شلبي.
  4. كتاب "هجرة الرسول إلى عرب الأنصار" – تأليف الدكتور عبدالدايم البقري.
  5. كتاب "تعطير النواحي والأرجاء" – للشيخ المراغي.

✍️ بقلم الباحثين في التأريخ

  • د. وليد الراعي الأنصاري
  • د. محمد شافعين الأنصاري

موضوعات ذات صلة :









لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك