الخميس، 20 ديسمبر 2018

تحفة الطالب في نسب بني سام ويافث وحام

فصلٌ في أنساب بني نوح عليه السلام ومن تفرّع من ذريّته من الأمم والطوائف والأقوام


فصلٌ في أنساب بني نوح عليه السلام ومن تفرّع من ذريّته من الأمم والطوائف والأقوام

اعلم ـ وفّقك الله ـ أنّ نبيّ الله نوحًا عليه السلام لمّا نجّى الله من آمن معه في السفينة، وغرق مَن خالفه من الكافرين، صار مَن نجا من ذريّته هم أصل الأمم اللاحقة بعد الطوفان، كما قال تعالى في محكم التنزيل: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3]، وقال أيضًا: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77]، أي لم يبق بشرٌ إلا من صلب نوحٍ عليه السلام.

وكان لنوحٍ عليه السلام من الذكور أربعة بنين، وهم: سام، وحام، ويافث، وكنعان. فأما كنعان، فقد عصى أمر أبيه حين قال له: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]، فأبى واستعصم بالجبل وقال: {سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، فكان من المغرقين، ولم يُعقِب، كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية [1].

أما الثلاثة الآخرون، فقد تناسل منهم الخلق أجمعون، وأجمعت كلمة أهل النسب والمؤرّخين أن سائر الأمم التي نشأت بعد الطوفان إنما ترجع أنسابهم إلى سام، وحام، ويافث، وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم» [2]. وجاء في رواية أخرى عن عمران بن حصين: «... والروم الأول هم اليونان، المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يونان بن يافث بن نوح»، كما ذكره الطبري في تاريخ الأمم والملوك [3].

وقد ذكر القلقشندي في نهاية الأرب [4] أن النسابين اتفقوا على هذا الأصل، ونقلوا أن نوحًا عليه السلام لما ركب السفينة لم ينجُ من ذريته سوى الثلاثة، فتفرعت منهم الأمم. ونورد تفصيل الشعوب المنسوبة إليهم على النحو الآتي:


تحقيق في أنساب الأمم من ذرية نوح عليه السلام، مستند إلى روايات النسابين والمؤرخين، مع تفصيل البطون والشعوب وتوثيق المصادر التاريخية.

أولًا: نسل يافث بن نوح

وهو أكبر ولد نوح، وقد خرج من نسله أقوام عظام، منهم:

  • الترك: من بني ترك بن كومر بن يافث، ويدخل فيهم: التتر، القُبْجَاق، الخَزَلْخية (الغُزّ)، الروس، الشركس، والأزكش، وذكر المسعودي في مروج الذهب أنهم كانوا يسكنون في أقاصي الشمال [5].
  • الصقالبة: من بني أشكنار بن توغرما بن يافث، وكانوا يقطنون شرق أوروبا، كما في الأنساب للبلاذري [6].
  • الصين: من بني صيني بن ماغوغ بن يافث، وذكرهم ابن خلدون في تاريخه [7].
  • اليونان: من بني يونان بن يافث، وهم ثلاث فرق: الليطانيون، الإغريقيون، والكيتميون [8].
  • يأجوج ومأجوج: من ذرية ماغوغ بن يافث، وورد ذكرهم في القرآن الكريم في مواضع عديدة [9].

ثانيًا: نسل حام بن نوح

وهو أصغر أولاد نوح، ومن نسله خرجت أمم السودان والحبش ومن والاهم، منهم:

  • الحبشة: من بني كوش بن حام، كما ذكر في العبر لابن خلدون [10].
  • النوبة: من بني كنعان بن حام، وقد سكنوا جنوب مصر منذ القدم [11].
  • الزنج: من بني زنج، وذكرهم ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار [12].
  • البربر: اختلف في نسبهم، فقيل من بني كنعان، وقيل من العرب البائدة، وهو الراجح عند ابن خلدون [13].

ثالثًا: نسل سام بن نوح

وهو أوسط أولاد نوح، ومن نسله خرجت الأمم السامية، وأشرفهم العرب، منهم:

  • العرب: وأصلهم من عدنان وقحطان، كما نص عليه ابن هشام في السيرة النبوية [14].
  • العبرانيون: من ولد عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام [15].
  • الفرس: من بني فارس بن لاود بن سام، وذكرهم المسعودي في التنبيه والإشراف [16].
  • السريان: من بني سوريان بن نبيط بن ماش بن سام، كما في الأنساب للسمعاني [17].
  • الأرمن: من نسل قهويل بن ناخور من ذرية إبراهيم، وذكرهم اليعقوبي في تاريخ الأمم [18].

خاتمة ثبت مما تقدم أن الخليقة بعد الطوفان قد انحصرت في ذرية نوح عليه السلام، وأن كل أمة من الأمم تنتسب إلى أحد أبنائه الثلاثة. قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22].


المصادر والمراجع:

  1. ابن كثير، البداية والنهاية، دار الفكر.
  2. الإمام أحمد بن حنبل، المسند.
  3. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار المعارف.
  4. القلقشندي، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، دار الكتب العلمية.
  5. المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر.
  6. البلاذري، أنساب الأشراف.
  7. ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون.
  8. اليعقوبي، تاريخ الأمم والملوك.
  9. القرآن الكريم، تفسير ابن كثير.
  10. ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر.
  11. المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.
  12. ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.
  13. السمعاني، الأنساب.
  14. ابن هشام، السيرة النبوية.
  15. المسعودي، التنبيه والإشراف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك