الأربعاء، 19 ديسمبر 2018

الأنصار في الهند: هل لقب شافعين يحمل تاريخًا مشتركًا بين مصر والهند؟

التشابه بين عائلة شافعين في الهند ومصر: صدفة أم صلة أنساب؟



الأنصار في الهند: هل لقب شافعين يحمل تاريخًا مشتركًا بين مصر والهند؟


مما وقفت عليه أثناء بحثي عن أبناء العمومة من حاملي لقب شافعين الأنصاري على منصة التواصل الاجتماعي فيس بوك باستخدام اللغة الإنجليزية، أنني فوجئت بوجود عدد كبير ممن يحملون هذا اللقب في شمال شرق الهند، وتحديدًا في مدينة لكناو، حيث ظهر لي الكثير من الحسابات التي تنتسب إلى هذا الاسم. ولا شك أن عددهم الفعلي قد يكون أكبر بكثير عند البحث عن اللقب ذاته باستخدام اللغة الأردية، مما يفتح باب التساؤل حول امتداد هذه العائلة في الهند وأصولها هناك، ومدى ارتباطها بجذور أنصار المدينة الذين انتشرت فروعهم في مختلف بقاع العالم الإسلامي.










لكهنؤ: مركز ثقافي وتاريخي لعائلة شافعين في الهند

تُعد مدينة لكهنؤ، عاصمة ولاية أوتار براديش الهندية، إحدى الحواضر العريقة التي امتزج فيها التاريخ بالثقافة، حيث يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة. وتقع هذه المدينة في منطقة تاريخية كانت تُعرف قديمًا باسم "أوده"، كما أنها حملت لقب "مدينة النواب" نسبةً إلى النواب المسلمين الذين حكموا الهند في عصورها الإسلامية الزاهرة.

وتشتهر لكهنؤ بكونها مركزًا أدبيًا بارزًا، حيث ازدهر فيها الأدب الهندي والأردي على حد سواء، وتفردت بأنها إحدى أهم المدن التي حافظت على اللغة الأردية الفصيحة، تلك اللغة التي تمت تنقيحها وصياغتها في قصور أمراء المسلمين، مما أسهم في ازدهار الحركة الفكرية والأدبية في الهند. ولم يكن تأثيرها محصورًا داخل حدود الهند فحسب، بل اعتمدت لاحقًا كلغة رسمية لشعب باكستان المسلم، وهو ما يعكس تأثير الثقافة الإسلامية في شبه القارة الهندية ودورها في تشكيل الهوية الحضارية للمنطقة.

ويمثل انتشار أبناء عائلة شافعين الأنصاري في هذه المدينة دليلًا على الامتداد الواسع للأنصار في الهند، مما يثير التساؤل حول صلاتهم بالأنصار الذين وفدوا إلى تلك البلاد ضمن موجات الهجرة الإسلامية المتعاقبة.



مدينة لكهنؤ علي الخريطه

وضمت مملكة أوده ما يُعرف اليوم بالمنطقة الوسطى من ولاية أوتار براديش، وقد تأسست هذه المملكة عام 1722م تحت سلطة نواب سعادة علي خان، وكانت في الأصل ولاية تابعة لسلطنة مغول الهند منذ أواسط القرن السادس عشر. وبفضل أراضيها الخصبة واقتصادها الزراعي المزدهر، أصبحت واحدة من أكثر المناطق ازدهارًا في شمال الهند، حيث لعبت دورًا محوريًا في التاريخ السياسي والاقتصادي للمنطقة.

وفي عام 1775م، أسس النواب عاصمتهم في مدينة لكهنؤ، التي شهدت في عهدهم نهضة عمرانية وثقافية لافتة، حيث حرص حكامها من النواب المسلمين على تشييد صروح ومعالم بارزة، من بينها "البوابة التركية"، التي تُعد أحد المداخل الرئيسية للمدينة. ولم تكن هذه المعالم مجرد منشآت معمارية، بل كانت شاهدًا على ازدهار الحكم الإسلامي في الهند، ودوره في إرساء قواعد الحضارة الإسلامية في شبه القارة الهندية، وهو ما يظهر جليًا في انتشار المسلمين في لكهنؤ، ومن بينهم حاملو لقب شافعين الأنصاري، الذين قد يكون لهم جذور تمتد إلى العهود الإسلامية الزاهرة التي شهدتها هذه المنطقة.




ومع ازدهار لكناو، أصبحت خلال فترة وجيزة عاصمةً ثقافيةً لشمال الهند، تحت رعاية النواب الأثرياء من المسلمين، مما جعلها مركز جذب للعائلات المسلمة من مختلف أقطار العالم الإسلامي. وقد انعكس هذا التأثير في النسيج الاجتماعي للمدينة، حيث استوطنتها العديد من العائلات ذات الأصول العربية، ومن بينهم من يحملون لقب شافعين الأنصاري، الذين برزت ملامحهم العربية، رغم تأثرها ببعض الصفات الآسيوية بفعل الزمن والمصاهرات، كما يظهر جليًا عند تصفح حساباتهم على فيس بوك.


تساؤلات حول أصول عائلة شافعين الأنصاري في الهند

وهنا تبرز عدة تساؤلات محورية تستدعي البحث والتدقيق:

أولًا: هل ما نلاحظه هو مجرد تشابه في الأسماء بين عائلتين، إحداهما في مصر والأخرى في الهند؟
مع العلم أن اسم "شافع" منتشر بين القبائل العربية على اختلاف أنسابها، إلا أن لقب "شافعين" بإضافة الياء والنون كان ولا يزال حكرًا على إحدى بطون شوافع الأنصار، المنحدرين من ذرية شاعر الأندلس أبو بكر عبادة بن محمد بن عبد الله بن عبادة بن أفلح الأنصاري بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري، الذين يتركزون اليوم في مصر والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية كما أنه اللقب الأصلي لقبيلة أندلسية فشافع في أندلسيته القديمة شافعين .

ثانيًا: حتى لو تشابه اللقب، فهل يمكن أن يكون الأنساب متشابهة أيضًا؟ فكلا العائلتين تحملان لقب الأنصاري!

ثالثًا: هل يحمل لقب "الأنصاري" في الهند وبنغلاديش معنىً آخر، غير الانتساب إلى أنصار النبي محمد ﷺ من الأوس والخزرج؟


توثيق انتشار الأنصار في الهند

بحسب موسوعة ويكيبيديا، فإن مجتمع الأنصاريين في الهند يُعرف أحيانًا باسم "مومين أنصاري"، وهم جماعة مسلمة تنتشر في شمال وغرب الهند (11 مليون نسمة)، وإقليم السند بباكستان (4 ملايين نسمة)، وبنغلاديش (1.1 مليون نسمة)، إضافة إلى أعداد أقل في النيبال وأفغانستان. ويتركز وجودهم في فاراناسي بولاية أتر برديش، حيث يشكلون ثلث سكان المدينة، مما يعكس حجم انتشارهم التاريخي في المنطقة.


امتداد لقب شافعين الأنصاري في بنغلاديش

ومن خلال البحث، تأكد أيضًا وجود لقب شافعين في بنغلاديش، وبالتحديد في مدينة دكا، التي كانت في القرن السابع عشر عاصمةً لمغول البنغال، ثم أصبحت عاصمةً لشرق باكستان، وهي اليوم عاصمة دولة بنغلاديش، التي يبلغ عدد سكانها 8.9 مليون نسمة، ومعظمهم من المسلمين.

فهل يكون هذا الامتداد الواسع دليلًا على وجود صلة بين شافعين الأنصاري في مصر والهند وبنغلاديش، أم أن هناك عوامل أخرى أدت إلى تشابه الأسماء والأنساب؟ هذا ما يستدعي المزيد من البحث في الوثائق التاريخية والمصادر النَسَبية المتخصصة.



شافعين الأنصاري ببنغلاديش

وبمتابعة البحث في صفحات فيس بوك، تبين وجود عدد كبير من حاملي لقب "شافعين" في مدينة لكناو، ما يعزز الاحتمال بأن اللقب ليس مجرد تشابه عابر، بل قد يكون امتدادًا لعائلة ذات جذور تاريخية. إن هذه المدينة، التي كانت عاصمةً ثقافيةً وإسلاميةً لشمال الهند، مثلت عبر القرون وجهةً للعائلات المسلمة، التي وفدت إليها من أرجاء العالم الإسلامي، واستقرت فيها بفعل الهجرات والتغيرات السياسية.

فهل يعكس هذا الانتشار صلة قرابة بين "شافعين" في الهند و"شافعين" في مصر والمدينة المنورة؟ أم أن الأمر مجرد تكرار جغرافي للقب واحد نشأ في سياقات مختلفة؟

إن تتبع الهجرات التاريخية للمسلمين في الهند، ومقارنة الوثائق والمخطوطات، قد يكون المفتاح لكشف المزيد من الروابط بين هذه العائلات عبر العصور.










وبمتابعة البحث، لم يقتصر وجود لقب "شافعين" على الهند وبنغلاديش فقط، بل امتد ليظهر أيضًا في باكستان وإندونيسيا، وتحديدًا في مقاطعة جاوة الشرقية، المعروفة محليًا باسم جاوه تيمور.

إن انتشار هذا اللقب في دول إسلامية مترامية الأطراف يثير التساؤل:

  • هل نشأ هذا اللقب من أصل واحد وتفرق في هذه البلدان نتيجة للهجرات الإسلامية الكبرى؟
  • أم أنه تشكل بشكل مستقل في كل منطقة، متأثرًا بعوامل ثقافية واجتماعية محلية؟

جدير بالذكر أن إندونيسيا، كأكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، شهدت عبر تاريخها توافد علماء وتجار عرب ومسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مما ساهم في انتشار الألقاب ذات الأصول العربية، وخاصة تلك التي تنتمي إلى الأنصار، الأشراف، وقبائل الجزيرة العربية.

إن هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام دراسة أعمق حول الامتداد الجغرافي لقبيلة "شافعين"، واحتمالات وجود صلة أنسابية بين العائلات التي تحمل هذا الاسم في هذه الدول.



شافعين في جاوه اندونسيا

رابعًا: إذا كان جد عائلة شافعين الهندية هو أحد أبناء آل شافعين الأندلسي الأنصاري، أو قبيلة الشوافع المعابدة الأنصار فهناك عدة سيناريوهات محتملة لمسار رحلته عبر التاريخ:

  1. المرور بمصر قبل الوصول إلى الهند:

    • كما هو معلوم، كانت مصر في العصور الوسطى محطة رئيسية للهجرات الأندلسية بعد سقوط الأندلس، حيث استقر العديد من الأندلسيين في مدن مثل القاهرة، الإسكندرية، والفيوم.
    • قد يكون أحد أجداد آل شافعين قد مكث في مصر لفترة، وربما ترك فيها بعض ذريته، قبل أن يتجه إلى الهند، إما كعالمٍ أو كجنديٍ أو كتاجر في ظل الفتوحات الإسلامية والتبادلات التجارية الكبرى بين مصر والهند.
    • في هذه الحالة، هل احتفظ أبناؤه في الهند بجذورهم المصرية، سواء من حيث التقاليد أو الأسماء؟
  2. الانتقال المباشر من الأندلس إلى الهند:

    • مع انهيار الأندلس، سافر كثير من المسلمين شرقًا عبر البحر المتوسط، واستقر بعضهم في الدولة العثمانية، فيما وصل آخرون إلى الهند، حيث استقبلهم سلاطين المغول المسلمين، خاصة وأن البلاط المغولي في الهند كان يعج بعلماء وفنانين وأعيان أندلسيين.
    • إن كانت عائلة شافعين الهندية قد انتقلت مباشرةً من الأندلس إلى الهند، فهل ظلت تحتفظ بذكرى أصولها الأندلسية أم اندمجت بالكامل في المجتمع الهندي؟

إن هذه الأسئلة تدفعنا إلى البحث في الوثائق التاريخية، وربما مقارنة المخطوطات القديمة والسجلات العائلية لتحديد إن كان "آل شافعين" في الهند لهم صلة قرابة مباشرة بأبناء عمومتهم في مصر والمدينة المنورة، أو أنهم مجرد فرع مستقل نشأ تحت ذات الاسم ولكن في سياق مختلف.




لذلك، فإن هذا المقال يحتاج إلى الترجمة إلى عدة لغات، مثل الأردية، البنغالية، واللغة الإندونيسية، حتى يصل إلى حاملي لقب "شافعين" في الهند، بنغلاديش، باكستان، وإندونيسيا. فمن خلال نشر هذا المقال بلغاتهم الأصلية، قد يكون بالإمكان الوصول إلى أبناء العائلة الكريمة في تلك الدول، مما يساعد في كشف الروابط التاريخية، والإجابة على الأسئلة المطروحة حول أصول هذه العائلة وامتدادها عبر العصور.

ندعو كل من يقرأ هذا المقال من أبناء عائلة شافعين، خصوصًا في مدينة لكهنؤ بالهند، إلى التواصل معنا ومشاركتنا بأي معلومات عن تاريخ العائلة، أصولها، وأي موروث شفهي أو مكتوب وصل إليهم عن أجدادهم. فربما تكشف الأيام روابط عائلية لم تكن معروفة من قبل، ونصل معًا إلى إجابات شافية حول هذا اللقب العريق.

ننتظر رسائلكم، ونشكركم جزيل الشكر على أي مساهمة قد تضيف إلى هذا البحث التاريخي الهام.



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


موضوعات ذات صلة :












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك