رحلة علمية في خدمة الحديث الشريف: الشيخ محمد صالحين الأزهري
الشيخ محمد صالحين الشندويلي الأزهري الأنصاري: مسيرة علمية حافلة بالعطاء
في أعماق صعيد مصر، حيث تتلاقى الأصالة بالعلم، وتحتضن القرى بين جنباتها نفحات من التراث الإسلامي العريق، وُلد الشيخ محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن صالحين بن حسن بن شافعين الأنصاري، من ذرية الصحابي الجليل سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. نشأ في شندويل البلد، إحدى قرى محافظة سوهاج، تلك القرية التي لم تكن مجرد رقعة جغرافية، بل كانت موطنًا للعلم والعلماء، حتى أن اسمها خُلد في كتاب وصف مصر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية، حيث أشاروا إلى حدودها وسكانها، وذكروا أنها كانت مأوى لكوكبة من العلماء.
ولم يكن هذا الامتداد العلمي مجرد ذكر في كتب التاريخ، بل تكرر حضوره في كتب الحديث النبوي، حين جعلها الشيخ الدكتور أسامة الأزهري واحدة من محطات كتابه الشهير الأربعين البلدانية، وهو كتاب فريد من نوعه لم يؤلف مثله منذ أربعة قرون، حيث أورد فيه أربعين حديثًا نبويًا من أربعين عالمًا في أربعين بلدًا مختلفًا، وجاءت شندويل ضمن هذه القائمة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقاهرة والإسكندرية، وذلك تكريمًا لعلمائها الأجلاء.
النشأة وبزوغ النبوغ العلمي
كان للعلم مكانة راسخة في أسرة الشيخ محمد، فقد ورثه عن جده الشيخ عبد الرحمن علي صالحين، العالم الحافظ الذي يُروى عنه أنه فقد بصره من كثرة القراءة والاطلاع، وكان مجلسه قبلة للناس من شتى البلاد ينهلون من علمه ويسترشدون بحكمته. ترعرع الشيخ محمد في كنف هذه السيرة العطرة، ونهل من مكتبة جده الرحبة، وكأن القدر شاء أن يجعل بصره يخبو كما خبا بصر جده، لكنه عوض ذلك ببصيرة نافذة وإيمان راسخ بقضاء الله.
ألحقته والدته بالتعليم الأزهري، فكان نبوغه واضحًا منذ الصغر، إذ حفظ القرآن الكريم كاملًا قبل أن يتم العاشرة من عمره. وفي مراحل دراسته، تميز بتفوق استثنائي، فحصل على المركز العاشر على مستوى الجمهورية في الثانوية الأزهرية، ثم واصل تألقه ليكون من أوائل الجمهورية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، حيث تخرج عام 2011م.
رحلة الدعوة وخدمة القرآن الكريم
بعد تخرجه، بدأ الشيخ محمد فصلًا جديدًا من حياته، قائمًا على ركيزتين أساسيتين: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والسعي المستمر لاستزادة العلم. عمل خطيبًا لمسجد الرحمن بشندويل البلد، وشارك مع زملائه من مشايخ القرية في نشر الفكر الأزهري المعتدل، ومواجهة الفكر المتطرف، كما أنشأ حلقة الشيخ محمد صالحين الأزهري لتحفيظ القرآن الكريم بمسجد الرحمن، والتي سرعان ما أصبحت مقصدًا للأهالي الذين أرادوا لأبنائهم أن ينشأوا على أسس علمية ودينية متينة.
تميزت الحلقة بتفوق طلابها، ليس فقط في حفظ القرآن الكريم، بل أيضًا في التحصيل الدراسي والسلوك الأخلاقي، حتى أن طلابها حصدوا جوائز على مستوى القرية، مركز المراغة، بل والجمهورية. ويروي الشيخ محمد بفخر بعض النماذج المضيئة قائلًا:
"أحد طلابي في الصف الرابع الابتدائي حفظ سورة المؤمنون في ثلاثة أيام، وآخر حفظ سورة مريم في ثلاثة أيام، بينما تمكن طالب آخر من إتمام سورة لقمان في يومين فقط."
الدعوة عبر المنابر الإلكترونية
لم يقتصر نشاط الشيخ محمد على المساجد فقط، بل أدرك أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الدعوة، فاستثمر في المنصات الإلكترونية، سواء من خلال شبكات التواصل أو عبر شبكة ورتل الإسلامية على الإنترنت واليوتيوب، مما جعله يحقق انتشارًا أوسع، ويصل برسالته إلى جمهور أوسع من الباحثين عن العلم والهدى.
التكريم والمسيرة الأكاديمية
نظرًا لجهوده في نشر العلم والدعوة، حظي الشيخ محمد بتكريم من رئيس جامعة سوهاج الأستاذ الدكتور أحمد عزيز عبد المنعم، والأستاذة زاهية الطيب، وذلك في إطار مبادرة خليك إيجابي.. إحنا ولادك يا مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك