الأحد، 9 ديسمبر 2018

محبة النبي ﷺ: حقيقتها، حكمها، ومظاهرها في حياة المسلم

محبة النبي ﷺ


محبة النبي ﷺ: حقيقتها، حكمها، ومظاهرها في حياة المسلم

إن الحديث عن حب النبي ﷺ متعةٌ لا تُوصف، فالألسن تَرطِب بذكره، والقلوب تَخشع لسماع سيرته، والعقول تَخضع لحكمته وسنته، والجوارح تَنتعش باتباع هديه. فمحبته ﷺ ليست مجرد عاطفة، بل هي ارتباطٌ شاملٌ بالقلب والعقل والجوارح.


ما هي محبة النبي ﷺ؟

قال الإمام ابن القيم: "المحبة لا تُحَدُّ، فهي أمرٌ ينبعث من النفس يصعب التعبير عنه". ولها أنواع:

  1. محبة حسية: كحب المناظر الجميلة والأطعمة الطيبة.
  2. محبة معنوية: كحب الصفات النبيلة والأخلاق الفاضلة.
  3. محبة امتنان: كحب من قدَّم لنا معروفًا.

والنبي ﷺ يجمع كل هذه المعاني؛ فجماله الظاهري والباطني، وكمال أخلاقه، وإحسانه إلى الأمة، يجعل محبته أعلى درجات المحبة.


حكم محبة النبي ﷺ

محبته ﷺ واجبة على كل مسلم، وقد دلَّ على ذلك:

أولًا: من القرآن الكريم

  • ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (التوبة: 24).
  • ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (الأحزاب: 6).
  • ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران: 31).

ثانيًا: من السنة النبوية

  • قال ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (متفق عليه).
  • وقال ﷺ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا...» (رواه مسلم).

لماذا نحب النبي ﷺ؟

  1. لأنه حبيب الله، وقد قال ﷺ: «وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» (رواه مسلم).
  2. لرحمته بأمته، كما قال تعالى: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128).
  3. لكمال أخلاقه، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4).
  4. لنصحه لأمته وتعليمه إياهم كل شيء، حتى قيل: «عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ» (رواه مسلم).

مظاهر محبة النبي ﷺ

  1. اتباع سنته قولًا وعملًا.
  2. الإكثار من الصلاة عليه، كما قال ﷺ لأُبي بن كعب: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» (رواه الترمذي).
  3. الشوق لرؤيته، كما قال ﷺ: «أَشَدُّ النَّاسِ حُبًّا لِي قَوْمٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» (رواه مسلم).
  4. محبة القرآن والسنة، والذب عنهما.
  5. محبة صحابته وأهل بيته، وعدم سبهم أو انتقاصهم.

أسباب زيادة المحبة

  1. تعظيم محبة الله، فمن أحب الله أحب رسوله.
  2. قراءة السيرة النبوية، ومعرفة شمائله وخصائصه.
  3. تذكر فضل محبته في الدنيا والآخرة.
  4. التعلق بالسنة والعمل بها.

ثمار محبة النبي ﷺ

  • في الدنيا: طمأنينة القلب، وخفة الطاعة.
  • في الآخرة: المرافقة معه في الجنة، لقوله ﷺ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (متفق عليه).

من صور الجفاء تجاه النبي ﷺ

  1. رد سنته بحجة عدم مواكبة العصر!
  2. عدم الصلاة عليه أو الإكثار من ذكره.
  3. الابتداع في الدين ومخالفة سنته.
  4. ذم صحابته أو أزواجه رضي الله عنهم.


محبة النبي ﷺ ليست شعارًا نرفعه، بل إيمانٌ يملأ القلب، واتباعٌ يظهر في السلوك. فلنحرص على تعميق هذه المحبة في قلوبنا وقلوب أبنائنا، بتلاوة سيرته، واتباع هديه، والصلاة عليه في كل وقت.

اللهم ارزقنا حبَّ نبيك ﷺ، واجعلنا من المتبعين لسنته، والمقتفين أثره حتى نلقاك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك