‏إظهار الرسائل ذات التسميات قبائل هوارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قبائل هوارة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 8 فبراير 2025

عائلة أبو ستيت الهواري : تاريخ طويل من العراقة والمشاركة السياسية

عائلة أبو ستيت فخر البلينا و هواره


تعتبر عائلة أبو ستيت الهواري في البلينا من العائلات العريقة التي تنتمي إلى قبيلة هوارة الأمازيغية الشهيرة، وهي واحدة من أعرق وأهم القبائل التي أثرت في تاريخ مصر والمغرب والأندلس. لعبت هوارة دورًا رئيسيًا في تاريخ مصر، حيث تأثرت بالعديد من التحولات السياسية والاجتماعية عبر العصور.

إن قبيلة هوارة كانت قد استقرت في مصر في فترة مبكرة، وقد تمصروا تمامًا على مر العصور. بدأت إقامتهم في إقليم البحيرة، حيث أصبحوا القبيلة ذات النفوذ الأكبر في تلك المنطقة. وكانت هوارة من القبائل التي انتقلت إلى مصر بانتقال الفاطميين إليها، حيث كانت لهم بصمة واضحة في الفترات الإسلامية المبكرة.

استقر بعض بني هوارة في مصر العليا (الصعيد) على يد الأمير برقوق حوالي عام 782هـ (1380م)، حيث أقطع شيخهم إسماعيل بن مازن مدينة جرجا. ثم جاء بعده الأمير عمر الذي واصل تعزيز وجود هوارة في المنطقة، ليؤسس لهم أسرة حاكمة استمرت في السلطة طوال القرنين التاليين. في هذه الفترة، بدأ شيخهم محمد أبو السنون بتطوير قبيلة هوارة في الصعيد، حيث شهدت المنطقة حالة من الرخاء والرفاهية بفضل تطور زراعة السكر، ما ساعد على تعزيز قوة القبيلة وانتشارها في صعيد مصر.

كان لبني هوارة دور عظيم في صعيد مصر، حيث عظم شأنهم واشتد بأسهم. وقد تفرعت العديد من الفروع لهذه القبيلة في مختلف مناطق الصعيد، وتنتمي عائلة أبو ستيت إلى فرع بني محمد الهواري، الذي يعد من البطون الكبيرة التي ذكرها المؤرخون، بما في ذلك القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى"، حيث ذكر أن قبيلة هوارة تتألف من 34 بطنًا كبيرًا في صعيد مصر، ومن أبرز هذه البطون التي يتحدر منها فرع بني محمد:: بنو محمد، أولاد مأمن، بندر، العرايا، الشلله، أشحوم، أولاد مؤمنين، الروابع البردكية، الروكة، البهاليل، الأصابغة، الدناجلة، المواسية، البلازد، الصوامع، السدادرة، الزيانية، الخيافشة، الطردة، الأهلة، أزلتين، أسلين، بنو قمير، النبة، التبابعة، الغنائم، فزارة، العبابدة، صاورة، غلبان، حديد، والسبعة.

على مر العصور، استمرت هذه الفروع في النمو والتطور حتى أصبح لأبناء همام منهم في القرن الثامن عشر نفوذًا عظيمًا في صعيد مصر وشمال السودان. ولا تزال بعض الأسر من هذه الفروع موجودة حتى القرن العشرين في صعيد مصر، حيث تحمل أسماء فروع قبائلها، مثل قرية أولاد مؤمنين في طما، المراغة، أولاد عليو، والصوامع والغنائم وأشحوم في سوهاج، والعبابدة في أسيوط وساحل سيلين، والدناجلة والبلازد في أبو تيج، الغنائم.

إن عائلة أبو ستيت الهواري في البلينا تمثل جزءًا من هذا الإرث التاريخي العظيم، حيث حملت مشعل القبيلة وواصلت التمسك بعاداتها وتقاليدها، ساعية إلى الحفاظ على تاريخها العريق وإسهامها في تطور المنطقة على مر العصور.

المؤسس الحقيقي للعائلة: حميد بك محمد شمندي أبو ستيت

يعتبر حميد بك محمد شمندي أبو ستيت هو المؤسس الفعلي لعائلة أبو ستيت، حيث كان شخصية بارزة في تاريخ مصر الحديث. وُلد حميد بك في فترة حرجة من تاريخ مصر، وكان له دور مهم في السياسة المحلية والوطنية. شغل عدة مناصب إدارية في الدولة، حيث كان مديرًا لمديرية جرجا ومديرًا لمديرية قنا، وكان يعتبر من الأعيان الكبار الذين يمتلكون العديد من الأراضي الزراعية.

حصل حميد بك أبو ستيت على شهرة واسعة في فترة حكم الخديوي إسماعيل، حيث أُثني عليه في كتب المؤرخين. يذكر الشيخ علي مبارك في كتابه «الخطط التوفيقية» أنه كان مديرًا لجرجا ثم قنا في فترة الخديوي إسماعيل، وكان يملك مئات الفدادين من الأراضي الزراعية، إضافة إلى نخيله الذي كان يصل إلى نحو مائة فدان في عدة مناطق.

كان حميد بك أبو ستيت يتمتع بسمعة طيبة بين أهل قريته وسكان المنطقة، فقد كان له العديد من المبادرات الخيرية التي أسهمت في رفع مستوى الفقراء. كان لديه منزل في كفر غربي برديس يشبه إلى حد كبير منازل النبلاء، حيث كان يخصص جزءًا منه لإقامة الفقراء الذين كانوا يأتون للقراءة والتعلم في جامع ومكتب عامرين. كان يُصرف لهم راتب شهري من ماله الخاص، وذلك بهدف تعليمهم ورفع مستواهم الثقافي والديني.

دور حميد أبو ستيت في دعم الثورة العرابية

عرف حميد بك أبو ستيت بدعمه الكبير للثورة العرابية، وكان من الأعيان الذين قدموا تبرعات كبيرة لدعم الجهاد في فترة الثورة ضد الاحتلال البريطاني. يُذكر في العديد من المراجع التاريخية أن حميد أبو ستيت تبرع بمبالغ ضخمة لصالح الجيش المصري، حيث وصلت تبرعاته إلى 1000 أردب من الغلال، بالإضافة إلى 150 أردبًا من العدس و850 أردبًا من القمح. كما قدم العديد من الخيول والمساعدات العينية الأخرى، وهذا يظهر مدى اهتمامه بالقضية الوطنية ودعمه للثوار.

أرسلت عائلة أبو ستيت التلغرافات إلى زعيم الثورة العرابية أحمد عرابي، تعلن فيه استعدادها الكامل للمشاركة في الجهاد ضد الاحتلال البريطاني، وتقديم كافة الإمكانيات لدعم القوات المصرية في معركتها. وعندما استلمت الخزانة المصرية من قبل الاحتلال البريطاني، كان حميد أبو ستيت من الأعيان الذين ساندوا الثورة العرابية بكل ما يملك.

ورغم جهود حميد بك أبو ستيت الكبيرة في دعم الثورة العرابية، إلا أنه تعرض للنفي إلى السودان لمدة ثلاث سنوات نتيجة لمساندته للثوار. وكان هذا النفي جزءًا من حملة انتقامية من الاحتلال البريطاني والخديوي إسماعيل ضد كل من دعم الثورة العرابية.

التمثيل السياسي لعائلة أبو ستيت في البرلمان

تعتبر عائلة أبو ستيت واحدة من العائلات التي كانت تمثل مصر في مختلف المجالس النيابية منذ بداية التكوين السياسي في البلاد. فقد بدأت العائلة في المشاركة في البرلمان منذ عام 1866 عندما تم انتخاب الشيخ حميد أبو ستيت نائبًا عن دائرة برديس في مجلس شورى النواب في أول هيئة نيابية في عهد الخديوي إسماعيل.

ومنذ ذلك الحين، استمرت عائلة أبو ستيت في تمثيل شعبها في المجالس النيابية المختلفة. في الفترة من 1866 إلى 2021م، مثلت العائلة دائرة البلينا وبرديس في البرلمان، حيث كان العديد من نواب العائلة يحققون النجاح في الانتخابات ويشغلون مقاعدهم في المجالس النيابية المتعاقبة، سواء في مجلس الأمة أو مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو مجلس النواب.

عائلة أبو ستيت في مجال التشريع

كان لعائلة أبو ستيت دور كبير في صياغة التشريعات والقرارات التي كانت تهم أهالي سوهاج وسائر المناطق التي كانت تابعة لها. على سبيل المثال، في عام 1910، انتُخب محمد أمين أبو ستيت نائبًا في مجلس شورى القوانين، حيث كان يقدم العديد من الاقتراحات التي تهدف إلى تحسين أوضاع محافظة جرجا، ومنها مقترح بشأن تطوير نظام الري في المنطقة.

وقد أظهر محمد أمين أبو ستيت اهتمامًا كبيرًا بقضايا الري والزراعة، حيث طالب بترخيص وضع آلات رافعة لري الأراضي الصيفي في جرجا، وذلك في إطار سعيه لتحقيق تنمية زراعية لمديريته. كما كان يطالب بإصلاح البنية التحتية للزراعة، ليتمكن الفلاحون من الاستفادة من الأرض وتحقيق الإنتاج الزراعي الكافي.

بعض من أعلام آل أبو ستيت:

  1. حميد بك محمد شمندي أبو ستيت:

    • مدير لمديرية جرجا.
    • مدير لمديرية قنا.
    • عضو في أول مجلس نيابي في تاريخ مصر (مجلس شورى النواب في عهد الخديوي إسماعيل).
  2. د.يحيى زكريا عثمان حميد أبو ستيت:

    • نائب عن دائرة مينا البصل بالإسكندرية.
  3. محمد أمين أبو ستيت بك:

    • عضو بمجلس شورى القوانين عام 1910.
    • ممثل عن دائرة البلينا.
  4. محمد كامل أبو ستيت:

    • نائب عن دائرة البلينا في مجلس النواب 1924.
  5. محمد فؤاد أبو ستيت:

    • نائب عن دائرة البلينا في مجلس النواب (1927/1928).
    • نائب عن دائرة البلينا في الهيئة النيابية الثالثة (1927).
    • نائب عن دائرة البلينا في الهيئة النيابية الرابعة (1930).
    • نائب عن دائرة البلينا في الهيئة النيابية السادسة (1936).
    • نائب عن دائرة البلينا في الهيئة النيابية السابعة (1938).
  6. أحمد علي أبو ستيت:

    • نائب عن دائرة برديس في الهيئة النيابية الثالثة (1926).
    • نائب عن دائرة برديس في الهيئة النيابية الرابعة (1930).
    • نائب عن دائرة برديس في الهيئة النيابية السابعة (1938).
  7. أحمد بك علي حميد أبو ستيت:

    • عضو في مجلس النواب 1910، ممثل عن دائرة برديس.
  1. أبو ستيت علي:

    • عضو مجلس النواب في 1924.
  2. محمد حسن أبو ستيت:

    • نائب عن دائرة البلينا في مجلس النواب 1930.
  3. أحمد محمد أبو ستيت:

    • عضو مجلس النواب 1935.
    • عضو مجلس الشيوخ 1935.
  4. محمود أبو ستيت:

    • نائب في البرلمان المصري خلال الخمسينيات.
  5. علي أبو ستيت:

    • عضو في المجلس النيابي الأول للبلاد.

    

دور العائلة في تحقيق العدالة الاجتماعية

في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية، كان لعائلة أبو ستيت دور بارز في المطالبة بحقوق الفلاحين والمزارعين، وكان لها العديد من المواقف التي تظهر اهتمامها بتحقيق العدالة الاجتماعية. ففي جلسات مجلس النواب، كان النواب من عائلة أبو ستيت يطرحون القضايا المتعلقة بالزراعة والري والعدالة الاجتماعية بشكل عام. كما كانوا يطالبون بتخفيض الضرائب على الفلاحين وتحسين ظروفهم المعيشية.

وكان النائب محمد فؤاد أبو ستيت من أبرز الشخصيات التي واجهت العديد من التحديات في سبيل تحسين الأوضاع الاجتماعية في البلاد. في عام 1938، كان له دور كبير في طرح قضية ارتفاع أسعار المياه التي كانت تفرضها شركة ري البلينا على المزارعين، حيث طالب بتحديد أسعار عادلة للمياه، وتوفيرها للمزارعين بأسعار معقولة.

الختام: تاريخ طويل من العطاء

عائلة أبو ستيت ليست مجرد عائلة من العائلات الكبيرة في مصر، بل هي جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي. من دعم الثورة العرابية إلى المشاركة في صياغة التشريعات وإحداث تغييرات في مجتمعها المحلي، أظهرت عائلة أبو ستيت على مر العصور تمسكها بالقيم الوطنية والاجتماعية، وتفانيها في خدمة الوطن والمواطن.

التحالفات القبلية في صعيد مصر: دراسة مقارنة بين الهوارة والمعابدة

تحالفات قبائل الهوارة والمعابدة في الصعيد تظهر قوة الروابط التاريخية والتكاتف بين العشائر، مع إبراز تأثيرها في القوة العسكرية والاجتماعية.

تمهيد تاريخي حول التحالفات القبلية في الصعيد

تعد التحالفات القبلية في الصعيد جزءًا أساسيًا من بنية المجتمعات العربية، حيث تساهم هذه التحالفات في تشكيل العلاقات بين القبائل والعائلات على مر العصور. تختلف تلك التحالفات في أسبابها وأهدافها، ولكنها تتفق في كونها تمثل أحد أوجه التكامل الاجتماعي والاقتصادي.

على مدار العصور، لعبت التحالفات دورًا كبيرًا في تحقيق الأمن والاستقرار بين القبائل، حيث كانت الحروب والمنازعات تعد من أبرز سمات المجتمع القبلي. وضمن هذا السياق، كانت التحالفات بمثابة درعٍ وقائي ضد الغزوات أو العدوان الخارجي. ويعتبر هذا النظام الاجتماعي أحد الركائز التي تساهم في الحفاظ على السلم الأهلي في الكثير من المناطق.

التحالفات القبلية في الموروث الصعيدي: مفهوم "اللموم"

عرف المجتمع الصعيدي منذ القدم مفهوم التحالفات القبلية، والذي يُشار إليه في بعض اللهجات المحلية بمصطلح "اللموم"، حيث كان يُقال " لموم كذا" للدلالة على تجمع القبائل لنصرة قضية معينة أو مواجهة تحدٍّ مشترك.

وقد ظل هذا المصطلح حاضرًا في الذاكرة الشعبية حتى يومنا هذا، حيث يعكس روح التكافل والتضامن التي ميزت الصعيديين، وجعلتهم قادرين على التكيف مع الظروف السياسية والاجتماعية المختلفة على مر العصور.

ومن أبرز التحالفات القبلية في صعيد مصر، نجد قبيلة بني هلال التي انتشرت في مختلف محافظات الصعيد بكثرة. وصل أفراد هذه القبيلة إلى بلاد الصعيد خلال ما يُعرف بتغريبة بني هلال، والتي تشمل عددًا من القبائل العربية الأخرى، مثل هوازن وسليم وغطفان، بالإضافة إلى العديد من القبائل الأخرى من العدنانية والقحطانية. وقد ذكر المقريزي أنهم من أكثر القبائل عددًا في صعيد مصر. كما شمل التحالف الهواري الكبير الذي ضم الكثير من القبائل الأمازيغية والعربية، وحلف قضاعي الذي اجتمعت فيه قبيلة جهينة وقبيلة بلي في مواجهة الحلف القرشي في الإشمونين. كذلك، كان هناك حلف عرب المعابدة بأسيوط، والكثير من الأحلاف الأخرى التي كانت تذخر بها الصعيد، ومنها ما لا يزال قائمًا إلى الآن، أو يمكن أن يُستعاد بسهولة إذا اقتضى الأمر.

يمكننا نُسلّط الضوء الآن على حلفين في صعيد مصر، حيث يلتقيان في بعض الجوانب مثل اعتزاز أبنائهما الشديد بكل منهما والانتماء القوي لحلفهما والتعصب له. ومع ذلك، يختلفان أو يتباينان في جوانب أخرى..

التكوين التاريخي لحلف الهوارة

برز حلف الهوارة كأحد أقوى الأحلاف القبلية في مصر، وخصوصًا في إقليم الصعيد، حيث تمكنت قبائل الهوارة الأمازيغية من فرض نفوذها على مناطق واسعة، بعد انتقالها من المغرب العربي إلى مصر خلال العصور الوسطى. وكان انتقالهم جزءًا من موجات الهجرة التي زحفت إلى مصر في ظل الحكم الفاطمي، ثم توسعت واستقرت خلال العهد المملوكي والعثماني.

ضم الحلف بين جنباته العديد من القبائل، سواء أمازيغية أو عربية، حيث تحالف الهوارة مع قبائل عربية مثل بني سليم وهوازن، بالإضافة إلى بعض العائلات ذات النفوذ المحلي التي سعت إلى الانضمام إليهم لتعزيز قوتها. وساهم هذا التحالف في تكوين قوة ضاربة بسطت سيطرتها على أقاليم مهمة مثل قنا وأسيوط وسوهاج، حتى أصبحت كلمة الهوارة مرادفة للنفوذ القبلي في الصعيد.

لم يقتصر دور الهوارة على فرض الهيمنة العسكرية، بل امتد إلى التحكم في الأراضي الزراعية، حيث تولّوا زمام الأمور في الإقطاعيات الكبرى، وفرضوا الضرائب، وأداروا الموارد، ما جعلهم طبقة حاكمة شبه مستقلة داخل الإطار العام للحكم العثماني في مصر.

حلف المعابدة: النشأة والتوسع

أما حلف المعابدة، فيُعد أحد التحالفات القوية التي ظهرت في منطقة أسيوط، وامتد تأثيره إلى العديد من المناطق المجاورة. ينتمي المعابدة إلى أصول عربية خالصة، ويعودون في جذورهم إلى قبائل أنصارية قرشية وقضاعية، ويُعرف عنهم الشجاعة والبأس في القتال، إضافة إلى تمسكهم بالعادات والتقاليد القبلية التي جعلت منهم مجتمعًا متماسكًا على مر العصور.

تكوّن الحلف من عدة عشائر وقبائل اجتمعت تحت راية المعابدة، حيث كان الهدف الأساسي لهذا الاتحاد حماية الأراضي والمصالح الاقتصادية، وتأمين القرى من الغزو، وتكوين قوة قادرة على التصدي لأي خطر يهدد استقرارهم. وقد نجح المعابدة في تحقيق نفوذ قوي داخل صعيد مصر، حيث تميزوا بامتلاكهم أراضي شاسعة، وكان لهم حضور سياسي واجتماعي قوي.

ومن الجدير بالذكر أن حلف المعابدة لم يكن مقتصرًا على الجوانب العسكرية فقط، بل شمل أيضًا التعاون في الزراعة والتجارة، وهو ما جعلهم من أكثر القبائل استقرارًا وتأثيرًا في الصعيد. وقد استمر هذا التأثير حتى بعد انتهاء العصر العثماني، حيث ظل لهم حضور قوي في المعادلة القبلية داخل أسيوط وما جاورها.


مقارنة بين الحلفين: التشابه والاختلاف


الأصل العرقي والقبلي:

      ° الهوارة ينحدرون من أصول أمازيغية، مع اختلاطهم بقبائل عربية لاحقًا.
      °المعابدة غالبيتهم قبائل عربية أندلوسية و مغربية.

كل من المعابدة وهوارة قادمان من الأندلس وبلاد المغرب العربي.

▪️ الهوارة: ذكر الإمام ابن حزم الأندلسي -رحمه الله- الذي عاش في القرن الخامس الهجري، وعاشر هوارة البربرية في الأندلس وبلاد المغرب المجاورة لها، حيث قام -رحمه الله- بتسجيل باب فريد نادر حفظ أنساب البربر من يومها إلى الآن في كتابه جمهرة أنساب العرب.

▪️ المعابدة: غالبيتهم قدموا من الأندلس والتحقت بهم في طريقهم عشائر من المغرب العربي.


◾ اللقب الهواري و المعبدي 

▪️ الهواري: تأخذ الهوارة لقبها -كما ذكر ابن خلدون- نسبة إلى هوار بن أوريغ بن برنس. ووفقًا لكتب الأنساب والتاريخ، فإن أبناء هوّار بن أوريغ الذين انحدرت منهم بطون كبيرة هم: كُلدن، مَجريس، كُمار (ويُقال أيضًا: كُماد)، سُوادة، أنداره، وماسر. وقد شكّلت قبائل هوّارة فرعًا قويًا من الأمازيغ، حيث امتدت مواطنهم عبر ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، مصر، والسودان.

▪️ المعبدي: يرجع لقب المعبدي من المعابدة نسبة إلى عبادة بن أبي بكر بن عبادة بن ماء السماء، الذي يمتد نسبه إلى قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه-.


◾ الهجرة إلى صعيد مصر

▪️ الهوارة ودخولهم الصعيد: دخل الهوارة إلى الصعيد قبل المعابدة بفترة طويلة، في القرن الـ14 الميلادي، خلال حكم المماليك. وكانت هجرتهم جماعية، مما جعلهم أكثر عددًا وتأثيرًا، حتى أنهم أصبحوا حكام الصعيد لعقود طويلة، كما أن نشاطهم الاقتصادي والسياسي وصراعهم مع المماليك ساهم في تماسك الحلف الهواري مع الزمن.

▪️ المعابدة ودخولهم مصر: دخل عرب المعابدة إلى مصر بعد حوالي قرن من سقوط الأندلس (1492م)، أي في القرن الـ16 الميلادي. استقروا تحت سفح الجبل الشرقي بأسيوط، وكان استقرارهم أكثر تنظيمًا، حيث احتفظوا بكيانهم القبلي ولم يذوبوا تحت حلف أكبر.

◾ الانتشار في  صعيد مصر

يعتمد الانتشار على البطون المنضوية تحت كل حلف ومدى قدرة الحلف على ضم حلفاء جدد، وهو ما توافر بشكل أكبر لحلف هوارة.

▪️ فروع وأماكن انتشار حلف الهوارة: الهوارة قبيلة أمازيغية ضخمة لها انتشار كبير في المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، ومصر، سواء في الوجه البحري أو في الصعيد. وقد سجل العلامة أبو العباس القلقشندي في القرن الـ15 الميلادي أسماء 34 بطنًا من هوارة، جميعها ذات قوة وبأس، وهي:

بنو محمد، أولاد مأمن، بندار، العرايا، الشللة، أشحوم، أولاد مؤمنين، الروابع، الروكة، البردكية، البهاليل، الأصابغة، الدناجلة، المواسية، البلازد، الصوامع، السدادرة، الزيانية، الخيافشة، الطردة، الأهلة، أزليتن، أسلين، بنو قمير، النية، التبابعة، الغنائم، فزارة، البطاخ، العبابدة، ساورة، غلبان، حديد، السبعة.

وكانت الإمرة فيهم لأولاد عمرو، وفي الأعمال البهنساوية وما معها لأولاد غريب (نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب، ص 442). وقد استمرت هذه الفروع في نمو مطرد، حتى أصبح لأولاد محمد شوكة عظيمة وبلاد كثيرة في سوهاج وقنا تحمل أسمائهم.

وبما أن قبيلة الهوارة كانت الأكثر عددًا ونفوذًا، فقد انضم إلى حلفها قبائل عربية كبيرة، مثل: أولاد يحيى، البلابيش، أولاد عليو، النجمية، الوشاشات، القليعات، السماعنة، العسيرات، القرعان، الحميدات، أولاد عايد، وأولاد سالم. وهذه القبائل من أصول مختلفة؛ فمنهم من ينسب نفسه إلى عرب بني سليم، ومنهم من الأشراف الحسينيين، ومنهم من الأنصار.

وعليه، فإن انتشار حلف هوارة يتركز في شمال قنا وجنوب سوهاج، ويبدأ في الانحسار كلما اتجهنا جنوبًا إلى الأقصر وأسوان، وشمالًا إلى أسيوط والمنيا.


▪️ حلف قبيلة المعابدة: هو حلف قوي شديد البأس يضم فروعًا متعددة، أغلبه من عرب الأندلس. استقروا تحت سفح الجبل الشرقي في أبنوب الحمام، بقرية قديمة فرعونية تسمى طهنهرر، والتي عُرفت فيما بعد بـعرب المعابدة.

لو لم يكن هذا الحلف قويًا، لما استطاع الاستقرار في تلك البقعة التي تقطنها قبائل عربية شديدة، مثل:

بني محمد المروانية القرشية، بني محمد الشهابية الأنصارية، عرب السوالم (بطن من قبيلة لخم اليمنية)، بهيج (من أولاد سلام من بني سليم)، الكلابوة (من بني كليب التغلبي)، عرب الأطاولة (من شمر الحميرية اليمنية)، بنو طويل (الأطاولة)، الحووات، النواجى، الديابة، العوايسة، عرب الشنابلة (من بطون جهينة القضاعية القحطانية)، الطوابية (من بني مهر بن طريف من جذام)، عرب بني رزاح (من قضاعة القحطانية اليمنية)، بني حسين الأشراف.

ولو كانت كل هذه القبائل قد انخرطت في حلف المعابدة، لكانت لهم السيطرة على الصعيد كما هو الحال في حلف هوارة. إلا أن حلف المعابدة لم يكن بحجم هوارة عند دخولهم الصعيد، فقبيلة المعابدة تضم:

الشوافع (من بني عبادة بن بكر بن عبادة بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن عبادة بن أفلح بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي)، بنو عمومتهم السعايدة (من سعيد بن قيس بن عبادة)، السادة الخرابزة، البريشية (من بني العباس القرشيين)، الطوالب (من البكريين من بني ربيعة)، الطحاوية (من بني سليم)، وعشائر عربية منهم الفقايرة، آل الميرة، آل الشيخ، الغراب، العفايشة، الحرابوة، البهانسة، البحيري، الشامة، السالمي، الخمايسة، آل عبد العواض، الكساسبة، والخطبه وعشائر مغربية مثل المرابطين، الهواورة وغيرهم.

ولعرب المعابدة أفرع كثيرة تنتشر في معظم بلاد أسيوط وسوهاج، مثل: المعابدة في طما، بني حرب، شندويل، المراغة، نجع خميس، عرابة أبو كريشة، عرابة أبيدوس، زليتن (بنجع حمادي). ولهم أيضًا فروع في صنبو، ملوي، بني مزار (المنيا)، بني سويف، الفيوم. ومن الملاحظ أن حلف عرب المعابدة يتركز بكثافة بين أسيوط وشمال سوهاج، ويقل كلما اتجهنا جنوبًا أو شمالًا.


▫️تنتشر الهوارة في جنوب الصعيد، من قنا وحتى سوهاج، وكان لهم تأثير قوي في الإدارة السياسية.

▫️تركز نفوذ المعابدة في أسيوط وما حولها، مع امتداد محدود مقارنة بالهوارة.


◾نمط التحالف:

▪️كان حلف الهوارة قائمًا على القوة العسكرية والإدارة الاقتصادية للإقطاعيات.

▪️حلف المعابدة اعتمد على التعاون بين العشائر في مجالات الزراعة والتجارة، بجانب الدفاع المشترك.


علاقتهم بالسلطة الحاكمة:

▪️الهوارة : علاقة متوترة بلغت حد الحرب بين هوارة و المماليك الا إنها تمتعت بعلاقات قوية مع الدولة العثمانية، والأسرة العلوية بل وتمكنوا من فرض سيطرتهم على بعض الولايات وقدمت مع الزمن برلمانيين عظام مثل حميد بك محمد شمندي أبو ستيت الهواري عميد آل ابو استيت بالبلينا عضوًا أول مجلس نيابي في تاريخ مصر وهو «مجلس شورى النواب» في عهد الخديوي إسماعيل، و الله الهمامي الهواري فى عضوية الهيئة النيابية الثانية لمجلس شورى النواب من 1870 - 1873، حيث كان الشيخ يشغل منصب عمدة «هواره» وعميد عائلة خلف الله بفرشوط قنا، و حضرة صاحب العزة ابراهيم بك اسماعيل ابورحاب الهواري من أعيان المنشأه سوهاج. 

ابراهيم بك  اسماعيل ابو رحاب

▪️المعابدة: لم تعاصر المعابدة زمن المماليك وأعتمدوا في تعاملهم مع السلطة العثمانية على أستقلاليتهم إلى حد كبير، مع مرونة في التعامل مع السلطة المركزية و خرج منهم قيادات بارزة في تاريخ الصعيد وجدير بالذكر عميد الخرابزة و عرب المعابدة العمدة عطية سيد المعبدي والد العمدة والنائب حسن بك عطيه المعبدي، وحضرة صاحب العزة غلاب بك صديق أبو شافعين المعبدي الأنصاري بشندويل البلد المراغة، والنائب مختار عبد العظيم المعبدي عضو مجلس الشعب 25 عاماً عن مركز طما لفترة امتدت من عام 1980م حتى عام 2005م، ومنهم النائب النائب عمرو عزت حجاج شافعين المعبدي الأنصاري عضو مجلس الشيوخ 2020م عن دائرة الجيزة.


تحالفات قبائل الهوارة والمعابدة في الصعيد تظهر قوة الروابط التاريخية والتكاتف بين العشائر، مع إبراز تأثيرها في القوة العسكرية والاجتماعية.

الهوارة والاستقرار بالانتشار.. والمعابدة والاضطراب بالتكتل

ساهم انتشار الهوارة في مناطق متفرقة وفقًا لحيازاتهم من الأراضي في استقرار حلفهم، إذ حافظت كل عائلة على موطئ قدم خاص بها، مما منع النزاعات الداخلية وساهم في تقديم الدعم المتبادل عند مواجهة خصوم من خارج الحلف.

أما المعابدة، فتركزوا في موطنهم الأصلي دون انتشار واسع، ما جعلهم أكثر عرضة للصراعات الداخلية بعد زوال الحاجة للتحالفات القبلية ضد الخارج. وبمرور الزمن، أصبحت بلاد المعابدة من أكثر مناطق الصعيد نزاعًا، حيث أدت العصبية الداخلية إلى اشتعال الثأر، مما أثر سلبًا على الأمن والتعليم والخدمات.

ورغم ذلك، ظل المعابدة على ولائهم المشترك في مواجهة التهديدات الخارجية، كما حدث في دعمهم المسلح لمعابدة طما في نزاع مطلع القرن العشرين. وعلى النقيض، فإن العائلات التي غادرت موطنها وابتعدت عن صراعات الحلف حققت نجاحات بارزة في التعليم والتجارة والمناصب العامة، بينما بقي الداخلون في النزاعات حبيسي دوامة الصراعات.

هكذا، بينما منح الانتشار الهوارة تماسكًا واستقرارًا، أصبح التكتل سببًا في اضطراب المعابدة.


 التحالفات القبلية في العصر الحديث

مع تطور المجتمع وانتشار الدولة المدنية، شهدت التحالفات القبلية في الصعيد تحولًا كبيرًا، فقد بدأت تأخذ طابعًا سياسيًا واجتماعيًا. ورغم تراجع أهمية الحروب القبلية، إلا أن التحالفات استمرت تؤدي دورًا في تسوية الخلافات المحلية، والتفاوض مع السلطات الحكومية بشأن قضايا الأرض والميراث والحقوق الاجتماعية.

ومع مرور الوقت، تغيرت أولويات العديد من القبائل والعائلات، حيث بدأ البعض في تبني فكرًا أكثر تحضرًا واحتكامًا للقانون. ولكن رغم هذه التحولات، لا تزال بعض العائلات القبلية في الصعيد تتمسك بالعادات القديمة وتستعين بالتحالفات في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

أثر التحالفات القبلية في العائلات في العصر الحديث

التحالفات القبلية لا تقتصر على الأبعاد التاريخية والسياسية فقط، بل تمتد إلى تأثيراتها المباشرة على العائلات في العصر الحالي. أصبحت هذه التحالفات تشكل شبكة دعم اجتماعي واقتصادي قوية بين العائلات، حيث يتم تبادل المساعدات والموارد في أوقات الأزمات. كما أن العديد من العائلات تسعى إلى تعزيز مكانتها الاجتماعية من خلال الدخول في تحالفات مع قبائل أو عائلات ذات نفوذ في المنطقة.

ومما يعكس قوة هذه التحالفات، أنه في حال وقوع خصومة ثأرية بين قبيلتين أو عائلتين، فإن أعضاء الحلف يلتزمون بتقديم الدعم الكامل لحلفائهم. ويشمل هذا الدعم تقديم السلاح في بعض الأحيان، مما يعكس مدى التلاحم والتضامن داخل هذه التحالفات، ويعزز من قوة القبيلة أو العائلة في مواجهة خصومها.

التحديات التي تواجه التحالفات القبلية في العصر الحديث

رغم الأثر الكبير للتحالفات القبلية في الصعيد، إلا أنها تواجه تحديات عدة في العصر الحديث، مثل تأثير العولمة، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية السريعة. حيث أصبح من الصعب في بعض الأحيان الحفاظ على العلاقات التقليدية في ظل تأثيرات المدن الكبرى، وزيادة الوعي بحقوق الفرد وتعدد مصادر المعرفة. كما أن تدخل السلطات المحلية في شؤون القبائل والعائلات أدى إلى تقليص بعض سلطات الزعماء القبليين، ما قد يؤثر على قوة التحالفات التقليدية.


خاتمة المقال: مميزات التحالفات القبلية وعيوبها

تُظهر دراسة تحالفات القبائل في الصعيد، مثل تحالف الهوارة والمعابدة، الدور المحوري لهذه التحالفات في تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي على مر العصور. فقد كانت هذه التحالفات وسيلة لضمان الأمن والاستقرار، لكنها في الوقت نفسه لم تخلُ من بعض التحديات.

مميزات التحالفات القبلية:

✅ التكافل الاجتماعي: ساهمت في تعزيز روح التعاون بين العشائر المختلفة، مما أدى إلى استقرار المجتمعات المحلية.


✅ القوة العسكرية: مكنت القبائل من مواجهة الأخطار الخارجية، سواء كانت غزوات أو اعتداءات من سلطات معادية.


✅ التأثير الاقتصادي: ساعدت في السيطرة على الأراضي الزراعية وإدارة الموارد، مما جعل بعض القبائل قوى اقتصادية مؤثرة.


✅ الحفاظ على العادات والتقاليد: لعبت التحالفات دورًا في ترسيخ القيم القبلية، مما ساعد في بقاء الهويات الثقافية رغم تغير الزمن.


✅ التأثير السياسي: نجحت بعض التحالفات، مثل الهوارة، في فرض نفوذها حتى على السلطة الحاكمة، مما أعطاها دورًا في صنع القرار.

عيوب التحالفات القبلية:

❌ الصراعات الداخلية: أدت بعض التحالفات إلى نزاعات بين القبائل المتحالفة نفسها بسبب تضارب المصالح.


❌ الانعزال الاجتماعي: في بعض الأحيان، كان التحالف يُضعف التواصل بين القبائل غير المنضوية تحته، مما أدى إلى انقسامات اجتماعية.


❌ التنافس مع السلطة: رغم أن بعض التحالفات تمكنت من التعاون مع الحكومات، إلا أن بعضها الآخر دخل في صراعات دموية مع المماليك أو العثمانيين.


❌ الاعتماد على القوة العسكرية: كانت بعض التحالفات تعتمد على القوة بدلًا من الحوار، مما أدى إلى صراعات دامية بين القبائل أو مع الحكومات المركزية.

خلاصة

ساهمت التحالفات القبلية في تشكيل هوية الصعيد وعملت كأداة لتأمين الاستقرار والقوة، لكن آثارها كانت متباينة بين الإيجابية والسلبية. فبينما عززت روح الجماعة وحمت المصالح القبلية، لم تخلُ من صراعات داخلية وتوترات مع السلطات. واليوم، ورغم تغير الظروف، لا يزال لهذه التحالفات أثر واضح في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للصعيد، حيث تستمر القبائل في التمسك بروح التكاتف والتعاون، ولكن بأساليب تتكيف مع متطلبات العصر. في الختام، يبقى السؤال: كيف ستتطور هذه التحالفات في ظل التحديات الجديدة التي يواجهها المجتمع الصعيدي في العصر الحالي؟



وهل ترى أن التحالفات القبلية لا تزال تؤثر في المجتمعات المعاصرة، أم أنها تراجعت أمام الحداثة؟ شاركنا برأيك في التعليقات!


الجمعة، 31 يناير 2025

إبراهيم باشا وشجاعة الهواري: محاكمة جندي من قبائل الصعيد في قلب المعركة ضد الجيش التركي


في صفحات نادرة من التاريخ، نجد أنفسنا أمام واحدة من أبرز وقائع العدل والشجاعة، التي جرت على يد القائد المصري البارز إبراهيم باشا. في عام 1832م، كان الجيش المصري يواجه تحديات كبيرة على الأرض، وكان في طريقه لملاقاة جيش العدو التركي في معركة حاسمة. لكن هذه المرة، كانت المحاكمة داخل المعسكر العسكري هي ما جذب انتباه الجميع. في هذا النص، نستعرض لكم تفاصيل محاكمة الجندي إسماعيل الهواري الجرجاوي، أحد جنود إبراهيم باشا، الذي اتُهم بقتل جندي مصري في صفوف الجيش. ولكن ماذا وراء هذه القضية؟ وما هي القيم والعادات التي ألقت بظلالها على محاكمة هذا الجندي؟ تابعوا معنا لتتعرفوا على تفاصيل هذه الحكاية التي تمتزج فيها الشجاعة بالعدل والتقاليد.

من هو إبراهيم باشا؟ هو القائد العسكري الشجاع والابن البار لمحمد علي باشا، والذي قاد الحملات العسكرية ضد القوى العثمانية في المنطقة. كان دائمًا يسعى إلى فرض النظام والعدالة داخل جيشه، وعلى الرغم من انتصاراته المتعددة، فإنه لم يتوانَ عن محاسبة المقصرين داخل صفوفه. في هذا السياق، تتكشف أمامنا محاكمة جندي يدعى إسماعيل الهواري الجرجاوي، الذي جاء من صعيد مصر، وكان يحمل في قلبه إرثًا من تقاليد قبيلته، ليتسبب هذا الإرث في إحداث تغييرات كبيرة في سير المعركة القادمة ضد الجيش التركي.

في قلب الليل، حيث تهمس الرياح بين جنبات الخيام، وحيث يرقب الجند ألسنة النار المتراقصة فوق الحطب المتقد، جلس إبراهيم باشا في مجلسه الصارم، تحيط به هالة من المهابة والجلال. كان ضوء المشاعل الخافت يرسم ظلالًا متراقصة على وجوه الجنود المتحلقين، بينما امتزج صمت الليل بصوت نيران التدفئة المتوهجة.

في وسط ذلك المشهد، وقف شاب نحيل، بالكاد يُرى وجهه تحت وهج المشاعل، عيناه تلتمعان بمزيج من الخوف والرجاء. كان إسماعيل الهواري الجرجاوي، جندي من عامة الجيش، يقف أمام القائد العظيم، متأثرًا بوقع اللحظة. لم يكن يدري إن كان الليل سيطوي ساعاته على براءته أم أن القدر قد كتب له مصيرًا آخر.

كل العيون كانت شاخصة إلى هذا المشهد، تنتظر كلمات إبراهيم باشا التي ستحدد مصير الشاب الواقف أمامه. هل سيجد الرحمة في عين القائد؟ أم أن قوانين الحرب لا تعرف الشفقة؟

وإليكم تفريغ نص الحكاية كما جائت في صفحات التاريخ


في الخامس عشر من شهر يوليه (تموز) ١٨٣٢م، دخل إبراهيم باشا حلب الشهداء فأحتلهت بلا قتال، وأعد له السكان استقبالاً حافلاً ومظاهرَ فرحٍ واجتمعوا به. ودخلت المدينة في حظيرة الدولة المصرية، أسوة بأخواتها. وأعاد إبراهيم إليها ميزانَ العدل والإنصاف والنظام، الذي فقدته منذ زمن بعيد.  

وأراد القائد أن يأخذ جيشه الباسل قسطاً وافراً من الراحة، استعداداً للمعارك المقبله ، فأصدر بذلك بياناً إلى جنوده، فأعلن لهم أنه يُطلق لهم حريتهم أياماً معدودة، على شرط أن يحترموا الأرواحَ والأعراضَ والأموالَ.  

واستغل إبراهيم باشا الفرصةَ للنظر في أمر الجنود الذين خرجوا على النظام، وارتكبوا مخالفاتٍ يُؤاخَذون عليها. فعقد مجلساً من كبار قواده.  

وزعماء المتطوعين من أبناء البلاد، تبوأ فيه مقعد الرئاسة ، وطلب إلى قواد الجيش وضباطه أن ييسطوا أمام المجلس ما لديهم من شؤون وشكايات. 

ما أسم هذا الجندى ؟  
— إسماعيل الجرجاوي
 
والتهمة الموجهة إليه ؟  
— القتل 

والقتيل ؟  
— جندى مصرى من رجال المدفعية.

وتفصيل الحادث ؟ وأسباب الاعتداء ؟  
— لا نعم ياموالي إلا شيئاً واحداً. وهو أن هذا الجندى قد أنقض على زميله بعد معركة حمص، وأمسك بعنقه ، وخنقه بأسرع من لمح البصر.  
  
أهو من رجال المدفعية ؟  
— كلا . بل من المشأة. 

مشهد محاكمة ابراهيم باشا للحندي اسماعيل الهواري الجرجاوي

سكت ابراهيم بعد أن أفضى إليه الضابط الشاكي بهذه التفاصيل .  
  
ونظر إلى الجندي المتهم ، وقال له بلهجة المعاتب المؤنب :
 
أليس من العار أن يقال عن جندي مصري إنه اغتال رفيقاً له في النصر والجهاد؟
دافع عن نفسك. فأن هذا المجلس بم يصدر قبل الآن حكماً على مذنب ، دون أن يصغي إلى دفاعه ويزن أقواله . 
  
رفع الجندى رأسه ، ونظر إلى إبراهيم ، فإذا يعينيه تدمعان، وإذا به شاحب اللون مختلج الشفتين.

وقال بصوت منبعث من أعاق صدره :  
نعم . انني قاتل يا موالى . لـكن فعلة القتل الى أقدمت عليها. ليست أثماً أستحق من أجله أن ينظر الي الناس نظرهم إلى مجرم سفاح.  
__ كلا، بل هي في عرف عشيرتي فضيلة وشارة شرف أُفاخر بها.  

__ وأية عشيرة تلك التي يُعتبر فيها القتل فضيلة؟  

__ الهوارة يامولاي، فأسماعيل الجرجاوي، الماثل في حضرتك الآن، تنتني إلى تلك القبائل العربية، إلى نزح أجدادها من الصحراء إلى الصَّعَد، حيث طابت لهم الإقامة، فحطوا رحالهم في وادي النيل. لكن تقاليدهم الموروثة ظلت في نفوسهم حيةً مرعيةً محترمة، وقد غرسوها في ذلك الصَّعَيد كما غرسوا فيه أطناب الخيام.  

فأدرك إبراهيم أنه أمام رجل من أولئك العربان الذين لا ينامون على ضيم ولا يسكنون عن دمٍ مطاول. فقد يثأر الواحد منهم لقتيلٍ بعد أيامٍ أو شهورٍ أو أعوام. وهذه العادة قد امتزجت بدمائهم فلا سبيل إلى إزاحتها، والأنباء يتوارثونها عن الآباء. والإحجام عن الأخذ بالثأر يعد في نظرهم عارٌ لا عار بعده، وجبناً يستحق من يصم نفسه به أن يوليه القوم ظهورهم امتهاناً واحتقاراً.  

فقال إبراهيم:  
__ قص عليَّ قصتك يا اسماعيل، وسنرى فيها رأينا.  

كان الرجل قد استعاد ثباته ومسح دموعاً خائنةً نفرت من عينيه بالرغم منه، فشبك ذراعيه على صدره وقال: 

ــــ قُتِل أبي منذ ثمانية أعوام يا مولاي، وكنت حينذاك في الثالثة عشرة من عمري، ضعيف البنية، مريضاً، لا أدرك للأخذ بالثأر معنى، ولا أقم للتقاليد الموروثة وزناً. وبقيتُ بعد قتل أبي وحيد أمي، التي لم يكن لها في القرية معينٌ ولا نَصير. فجعلت تبث في روحي الأنتقام ، وترعى صحتي بعنايتها، وتسهر على راحتي ونشأتي. فترعرعتُ في كَنَفِها، وكأن الله عز وجل قد أراد أن يستجيب دعاء تلك الوالدة الثكلى.  

ويجعل مني أداة للأنتقام من القاتل الأثيم، فكنت استعيد قواي شيئاً فشيئاً، وأشعر مع الأيام بأن واجباً عظيماً قد فرض علي القيام به.  

و أدركت بعد حين أن أبناء العشيرة ينظرون الينا – والدتي وأنا – نظرة من ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وخيم عليهم العار، وطبعهم الجبن بطبعه. ولما بلغت العشرين من العمر، خاطبتني أمي قائلة: ( لقد حان الوقت وأذنت الساعة الرهيبة يا بني. إني أعرف القاتل الذي سفك دماء أبيك، وجعلنا سخرية بين الناس وهدفا لازدرائهم. إن القاتل يمرح الآن حراً طليقاً، بينما جثة أبيك المسكين ترقد تحت الرمل، هناك، طعمة للحشرات، دون أن يقوم على القبر '' شاهِد '' ، أو تذبخ عليه ذبيحة!  
ولن نستطيع أن تفعل ذلك، إلا إذا انتقمت لأبيك من قاتله، وثأثرت له ثأراً دموياً، يمحو العار الذي يكتنفنا، ويمكننا من النظر إلى الناس وجها لوجه بلا خوف ولا وجل! اذهب يا بني ولا تعد إلا ويدك مخضبة بدم ذلك القاتل الجبان! أما إذا لقيت حتفك، فأنني أقضي بقية عمري هنا، في البكاء والنحيب! )

هذا ما قالته لي أمي يا مولاي، فأقسمت لها أنني سأثأر لأبي. وأسرعت في طلب الغريم، فعلمت أنه جندي في المدفعية، وأن فرقته مع الجيش الزاحف بقيادتك. قلت في نفسي: (لو أحجمت عن اللحاق به، لافلت من الثأر وضاع علي الانتقام) . ومنذ ذلك الوقت، صحت عزيمتي على التطوع في الجيش، لا حباً بالحرب فقط، حيث أجد السلوى التي أتوق إليها، بل أيضاً سعياً وراء الثأر الذي أنشده، والترضية التي أرغب فيها. لقد حاربت يا مولاي واستبسلت في القتال. سل ضباط جيشك عن فعالي في الميادين، وعما إذا كنت قد تنحيت يوماً عن مواطن الخطر، أو وليت مدبراً في الأوقات العصيبة. لقد قمت بواجبي كجندي. وعندما حان الوقت للقيام بواجبي كأبن بار بأبيه، لم أحجم عن ذلك، بل أنتهزت الفرصة، وقتلت قاتل أبي، وأرويت ظمئي من دمه. بحثت عنه طويلا حتى اهتديت اليه. ولم أشأ أن ألحق به أذى في مستهل المعركة، بل انتظرت الى نهايتها، وتركته يقوم بواجبه بين رفاقه رجال المدفعية. وبعد ما أنتهى كل شيء، وانهزم العدو أمامنا، ودخلنا مدينة حمص منتصرين، وثبت به، وقبضت على عنقه، وانتزعت روحه انتزاعاً. هذه قصتي يا مولاي، لا زيادة فيها ولا نقصان. فحياتي الآن بين يديك . ولك أن تصنع بها ما تشاء، فأنت السيد الأمير المطاع!  

*****  

تشاور إبراهيم مع قواده وأنصاره. ثم أصدر حكمه على الجندي القاتل المنتقم: 

إن القتل في عرفنا يا اسماعيل جريمة لا تغتفر، أيا كان الداعي إليها؛ وإيا كانت الظروف المحيطة بها. والقاتل يقتل. أمستعد أنت للقاء العقاب؟ 

نعم يا مولاي. 

وإرادتك الأخيرة؟ 

لم تقم أمي مأتما بعد مصرع ابي. فكل ما أرجوه الآن أن تبعث إليها خبري، فتعلم اني قد رحلت عن هذا العالم بعد أن ثأرت لأبي من قاتله، وتقيم في البيت مأتما، وتضع على قبر الميت شاهداً، وتذبح عليه الذبيحة الأولى، وتخضب الشاهد بدم تلك الذبيحة ! 

سأفعل ذلك يا أسماعيل. أما تنفيذ الحكم فيك، فأني أعهد به اليك، لأنني لا أريد أن تموت ميتت المجرمين السفاكين، وإن كنت في نظرى مجرماً سفاكاً. بعد أيام سنلاقي العدو من جديد في الميدان. ينبغي أن تلج القتال، وتخوض غمار المعركة بما عهد فيك من شجاعة وإقدام، وإلا تعود من الميدان حيا! هكذا أرغب اليك أن تكفر عن ذنبك، وتمحو سيئتك. أتعدني بذلك؟

_ أقسم لك يا مولاي أنني سأستشهد في الميدان وسيكون رفافي على ذلك شهوداً.

****

2 ربيع الأول ۱٢٤٨هـ _ ٢٩ يوليو ١٨٣٢م
بيلان .. .. مضيق موحش، تسلكه القوافل بين الاسكندرونة وحلب. وهو معقل منيع وحصن حصين، وممر الغزاة الفاتحين على مر الأجيال . رأت هضبة الشماء جحافلهم، وسمعت صخوره الصماه وقع حوافر خيولهم، منذ أن عرف التاريخ إلى الآن. ففي ذلك المضيق مر الأشوريون والبابليون الفراعنة والفرس والأسكندر والصليبون وإبراهيم يسلك الطريق الذي سلّكه هؤلاء.  

ستون الفاً من الاتراك ربضوا في ذلك المعقل الحصين، ومعهم مائه وستون مدفعاً، في أنتظار أبراهيم وجيشه.  

لكن نظامهم مختل، وإدارة جيشهم رديئة، والقوة المعنوية معدومة من نفوس الجنود.  

وصل إبراهيم قبالة المضيق، جيشه اقل عددا وعدة من جيش خصمه حسين باشا، لكنه يفوقه نظاماً وإدارة وقوة معنوية.  

أهمل القائد التركي احتلال بعض الرتفعات الشرفة على السهل، فأستفاد القائد المصري من ذلك الإهمال.  

وفي الساعة الثالثة بعد الظهر، دون أن يترك إبراهيم لجيشه الوقت الكافي للراحة، أصدر أمره بالهجوم.  

كان حسين باشا قد حشد قواه جميعاً في القلب، وترك جناحيه في حالة ضعف بين، اعتقاداً منه أن عدوه سيهاجم القلب دون الجناحين. وهذا ما تظاهر به إبراهيم.  

معركة بيلان لين الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا ضد الجيش التركي بقيادة حسين باشا

لكنه شطر جيشه شطرين، قام أحدها بهجوم عنيف على قلب الجيش التركي ، بنيا كان الأخر يلتف حول ذلك الجيش ، فأحاطه بدائرة من حديد ونار ، وقطع عليه خط الرجعة من جهة الاناضول وبعد ساعتين فقط ، تضعضع الجيش الرتكي واضطربت صفوفه ، فضاعف المصريون نيرانهم . وما اقبلت الشمس على المغيب ، حتى كان جنود (السردار أ كرم) ، يولون وجوههم شطر الساحل ، ويفرون من الميدان زرافات ووحداناً ، على أمل ان يصلو الى الاسكندرونة ، ويحتموا بالاسطول القادم اليها من الاستانة.  

وخسروا في تلك الموقعة الهائلة خسارة جسيمة ، وتركوا بين إيدى المصريين أكداساً مكدسة من الاسلاب الغنائم. 

وفر حسين باشا كغيره من الضباط والجنود . ومنذ ذلك الوقت لم يقف له أحد على أثر . ويقال أن جنوده قد فتكوا به في الطريق ، طمعا في الاستيالاء على ما كان يحمله معه من أموال طائلة. 

أما الجيش المنهزم ، فقد تفرق في وهاد الاناضول وبطاحة .
 وفي يوم ٣٠ يوليه ( تموز ) ۱۸۳٢م دخل المصريون ثغر الاسكندرونة ، واستولوا على المراكب السبعة التي ارسلها السلطان لنجدة سرداره ! وسير إبراهيم فريقا من جيشه إلى بياس ، حيث فاز بمن التجأ هناك من الأعداء ، وتم له القضاء على الجيش العثماني قضاء كاملاً. 

******  

دخل الضابط على إبراهيم وقال :  

مولاي . أمرتني أن آتيك خبر إسماعيل الجرجاوي ، بعد معركة بيلان ، وأن أفضي اليك بتفاصيل سلوكه في الميدان.
 لقد حارب ذلك الجندى ببسالة لم أعهدها من قبل في جندي سواه . وعندما أصدرت الينا أمرك بمهاجمة المدفعية التركية ، رأيت ذلك الشاب الشجاع يقتحم الصفوف والمعاقل ، والسيف يقطر بيده دماً . وقد سقط صريعاً في المعركه. أنتهى

الخاتمة:

تظل قصة إسماعيل الهواري الجرجاوي واحدة من أبرز الشهادات على كيفية التوفيق بين القيم الشخصية والتقاليد القبلية من جهة، وبين قوانين الجيش والعدالة العسكرية من جهة أخرى. ورغم أن حكم إبراهيم باشا قد حمل في طياته شجاعة في اتخاذ القرار، إلا أنه كان يعكس أيضًا الفهم العميق لواقع الرجال الذين يقودهم، ما جعله يمنح الجندي فرصة للثأر والبراءة في ميدان المعركة.

لكن، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تظل القيم الشخصية والقبلية قادرة على التماشي مع قوانين المجتمع العادل، أم أن الواقع يفرض تحديات قد تجبر الأفراد على التخلي عن تقاليدهم لصالح النظام الأكبر؟ كيف يمكننا، في عصرنا الحالي، أن نوازن بين العادات الشخصية والعدالة في مجتمعاتنا المختلفة؟



صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


صفحه من كتاب تحكي واقعة محاكمة ابراهيم باشا لأحد الجند من قبيلة هوارة


الأحد، 26 يناير 2025

تاريخ جرجا: علماء، شيوخ، وأمراء على مر العصور

كانت مديرية جرجا مركزًا حضاريًا بارزًا في صعيد مصر، حيث جمعت بين الأهمية الإدارية والاقتصادية والدينية. إلى جانب دورها في إدارة شؤون الإقليم


 كانت مديرية جرجا مركزًا حضاريًا بارزًا في صعيد مصر، حيث جمعت بين الأهمية الإدارية والاقتصادية والدينية. إلى جانب دورها في إدارة شؤون الإقليم، برزت جرجا كمنارة للعلم والثقافة، بفضل العلماء والمشايخ الذين أسهموا في نشر التعليم الديني والعلوم الشرعية. ومع ذلك، تأثرت هذه المنطقة بفترات من التدهور الإداري والمالي، مما دفع السلطان برقوق إلى اتخاذ خطوات جادة لإصلاح أوضاعها. كما لعبت جرجا دورًا محوريًا في مقاومة الاحتلال الفرنسي، حيث انضمت قبائلها وعلماؤها إلى صفوف المجاهدين دفاعًا عن الدين والوطن.

و جاء عن جرجا وعلماءها من السادة الأشراف والسادة الانصار مثل الشيخ خالد الأنصارى الأزهرى والشيخ الشريف محمد المصرى والشيخ الاصيلى والشيخ عبدالجواد وغيرهم  وذكر انزال الظاهر برقوق الهواره إليها بعد واقعه بدر بن سلام وحكم هواره لفترات من الزمن لجرجا وذكرنسبهم وسبب منعهم عنها بعد انتشار ظلمهم وجورهم على الشعب  وذكر اول من تولى منهم الأمير  اسماعيل بن مازن الذى قتله  على بن غريب من هواره وذكر أن توليهم كان مقابل التزامهم بجمع الغلال والجبايات من الشعب للسلطان 


"نقدم لكم نصًا عن تراجم علماء وأعيان مديرية جرجا، الذين ساهموا في جعلها منارة للعلم والثقافة ومركزًا حضاريًا بارزًا في صعيد مصر، حيث جمعوا بين الريادة الدينية والإدارية، وواجهوا التحديات بخدمة المجتمع وتعزيز التعليم الشرعي."


 ======= { النص } ======

( جرجا ) مدينة قديمة بالصعيد على الشاطئ الغربي للبحر الاعظم قبلى أسيوط بمسافة يومين وهى بجيم فراء مهملة فجيم فألف مقصورة كما هو المتعارف بين العامة وفي بعض كتب الافرنج انها أخذت هذا الاسم من اسم ماري جرجس أحد مقدسى النصارى والذي في كتب التواريخ والوثائق القديمة انها دجرجا بدال مهملة قبل الجيم قال في مراصد الاطلاع دجرجا بفتح الدال المهملة فكسر الجيم فسكون الراء فجيم  فألف بلدة بالصعيد انتهى وهى من أشهر مدن الصعيد سيما في الازمان السابقة فانها كانت مدينة الصعيد قبل شهرة أسيوط وهى رأس مديريتها وان كان ديوان المديرية انتقل الآن الى سوهاج لكن الاسم لم يزل لجرجا وبها عدة جوامع نحو العشرين تشبه جوامع القاهرة منها جامع كانت حيطانه بالقيشاني ويعرف بجامع الصينى ومنها جامع يعرف بالجامع المعلق تحته حوانيت يباع فيها العطريات ونحوها و بها جميع أنواع المتاجر المصرية والاروباوية والسودانية والحجازية وغيرها وبها عدة أسواق وحوانيت وخانات وقهاوى وخمارات و حمام ودورها مبنية غالبا بالطوب الاحمر والبياض والزجاج على طبقتين وثلاثة وبها عدة مخابز منها مخبز للبقسماط الابيض كان يأخذ منه الحجاج وقت ان كانوا يكثرون سلوك طريق القصير وكان ذلك من أسباب ثروتها ومن حين قلة سلوك هذه الطريق نقصت شهرتها وبها من قديم الزمان صنائع شتى مثل صنعة الجلود تعمل منها مخدات نفيسة  وسفر الاكل برسومات متنوعة وصنعة النجارة في غاية الدقة والاتقان وأكثر أهل هذه الصنعة أقباط وفي زمن العزيز محمد على كان قد توجه عليها البحر فأكل أكثرها وذهب في ذلك كثير من الجوامع الفاخرة والقيساريات والحمامات والدور والخانات وفي زمن الخديوى اسماعيل باشا عملت لها الطريقة المستلزمة لحفظها فرمى في ذلك المحل مقدار عظيم من الدبش فتحول البحر عنها وهي مشهورة بالعلماء الاعلام من قديم الزمان ما بين مؤلف و مدرس و قاض و مفت و من علمائها كما فى الضوء اللامع الشيخ خالد بن عبدالله بن أبي بكر الشافعى النحوى المعروف بالوقاد ولد تقريبا سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بهذه البلدة وتحول وهو طفل مع أبيه الى القاهرة فقرأ القرآن وفقه الشافعي والعربية والمنطق والاصول ومن مشايخه الشمني والمناوى والجوجرى والعجلوني ولازم تغري بردي القادري فقرره في المسجد الذي بناه الدوادار بخان الخليلى ومشى حاله به وبغيره قليلا ونزل فى سعيد السعداء وغيرها وشرح الآجرومية وغيرها وكتب على التوضيح لابن هشام وهو انسان خير انتهى. 

ولم يذكر تاريخ موته في النسخة التي بيدنا ومن أكبر علمائها الشيخ الأصيلي شارح متن خليل المالكى ومن ذريته الشيخ الأصيلي أحد علماء الازهر ومن أجلهم أيضا العمدة الفاضل والملاذ المبجل المرحوم الشيخ عبد الجواد بن محمد بن عبد الجواد الانصاري الجرجاوى من بيت الفضل والثروة مالكي الجدود كان من أهل المأثر فى إكرام الضيوف والوافدين له حسن توجه الى الله وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلوا القرآن والاحزاب وورد مصر مرار أو فى آخر عمره إنتقل إليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد فى دروس العلماء مع اكرامهم ثم توجه الى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات  فقتلوه غيلة في سنة ألف ومائتين وأربعة انتهى جبرتي وهو من عائلة بيت  الأصيلي ومن أجل علمائها أيضا شيخ المشايخ الشيخ عبد المنعم رحمه الله كان قرين اللشيخ الدردير والشيخ الامير ومعاصرا لهـما و من تلامذته العلامة الشيخ محمد المصرى المالكي كان قرينا للشيخ الأمير الصغير وكان يدرس بجرجا الكتب الكبيرة مثل المطول والاطول والبخارى والعلامة الشيخ الصاوى صاحب الحاشية على الشرح الصغير للشيخ الدردير في مذهب مالك وكان يدرس بها الفقه وغيره ومنها العالم الفاضل الشيخ اسماعيل الجرجاوى والد الشيخ حسن الجرجاوى الشهير بالقاهرة والشيخ عبد المنعم المتوفى بالقاهرة أيضا من نحو عشر سنين والى الآن بها علماء ودروس منتظمة وأشراف وأمراء مشهورون وبه اللميرى مصالح عديدة من ذلك شونة لمهمات الميرى من غلال ونحوها و ديوان المديرية بجميع لوازمه وقشلاق للعساكر والصناجق ومحل المجلس والحكيم والمهندس والمحكمة الشرعية وهى ولاية كبيرة قاضيها مأذون بتحرير الحجج وسماع الدعاوى عموما ولكن بعد انتقال المديرية الى سوهاج صار عقد بيع الاطيان ممنوعا فيها الان لا يكون  الا بحضرة المدير أو وكيله ومثلها محكمة طهطا ويقرب منهما محكمة اخميم ومحكمة برديس ومحكمة طما وكان بها فوريقة لنسج القطن من انشاء العزيز محمد على باشا استعملت مدة ثم بطلت و آثارها باقية الى الآن وكانت جرجا سابقا كثيرة العقارب والبراغيث بسبب كثرة أسباخها ورداءة هوائها وقد قل ذلك الآن بواسطة وجود الحكماء وادامة النظافة في الحارات والشوارع وازالة التلول و بها مقام الشيخ أبي عمرة شهير يزار وله جامع متسع جدا قد هدم بنية تجديده والى الان لم يجدد و كان العازم على تجديده حميد بك أبو ستيت البرديسى مدير جرجا سابقا بمعونة بعض أكابر تلك الجهة وقد منعته عن ذلك صروف الزمان وله مولد حافل كل سنة وسوقها العمومي كل يوم خميس يباع فيه كل شي سيما السمن فانه يوجد هناك كثيرا و يكون فيها رخيص او خارج البلد من الجهة القبلية وابور عمله بعض امرائها لسقى المزارع ثم تركة و أشجار وبساتين ممتدة الى قريب من برديس وفى شمالها حديقة يفصل بينها و بينها فم ترعة حوض المنشاه المشهورة بترعة العسيرات وفي غربيها ترعة الزرزورية التي فها عند ترعة الكسرة وتروى حوض الحميدى وحوض العسيرات وعرابة أبى كريشة ومن جرجا الى الجبل الغربي مسافة نحو ثلاث ساعات على جسر البربا وهي قرية صغيرة بقية بلدة قديمة كانت لها الشهرة هناك قبل ظهور مدينة جرجا و بجوار البربا من الجهة البحرية قنطرة بخمس عيون تأخذ من ترعة الزرزورية لرى حوض العرابة والعسيرات ومن البربا الى الجبل جسر يقسم حوض العربات وفي شمال مدينة جرجا ناحية بندار بأكثر من نصف ساعة فيها أبنية مشيدة لعمدتها عيسى أبي سلطان تولى الحكم مدة وفي مقابلة بندار يكون الجبل الشرقي قريبا من البحر فيرد الريح على مدينة جرجا فيغير اعتدال هوائها وعند العسيرات يقرب الجبل من البحر جدا ثم ان فى كثير من كتب التواريخ أن مدينة جرجا كانت من قديم الازمان محلا لاقامة الصناحق والأمراء وخصوصا العاصين منهم وكان حاكمها ينزل من القاهرة فيحكم فيها و في بلاد هوارة المجاورة لها و البعيدة عنها بل كان له التكلم على أهل الواحات القبلية والوادى الكبير الذي في طريق القافلة السودانية وفى رأس المائتين بعد الألف كان ذلك الوادى قليل السكان وكان حاكم جرجا يبعث اليه من طرفه من يحكمه ويجمع أمواله وكانت قبل ذلك تحت حكم مشايخ العرب كغيرها من بلاد الصعيد ففى ابن اياس أنه لما انكسر السلطان طومان باى فى وقعة المطرية التي كانت بينه و بين أبن عثمان وقتل أكثر عساكره وفره و بنفسه صعد فى الجهات القبلية حتى وصل الى جرجا و الحاكم فيها يومئذ شيخ العرب على بن عمر شيخ هوارة خرج الى السلطان طومان باى و منعه من دخولها ولم يضيفه وقال له لا نؤوى من عصى السلطان لئلا نبتلى ببلائه انتهى وكان ذلك في سنة اثنين وعشرين بعد التسعمائة وقد رأيت في كتاب لم أقف على اسمه ولا اسم مؤلفه ان أولاد عمر طالت مدة حكمهم بعد ذلك في بلاد الصعيد فان فيه انه كتب للحكام بالصعيد الأعلى في أواخر ذى الحجة سنة ۹۸۳ لولاية الباشا سليمان امين الاقليم ما صورته صدر هـذا المرسوم الى مفاخر القضاة والحكام معادن الفضل والكلام حكام الشرع الشريف بجرجا والسيوطية وقنا زيدت فضائلهم وأكابر المشايخ المعتبرين والعمال والكتاب والمباشرين يتضمن اعلامهم ليس بخاف عنهم ان مشيخة الصعيد الاعلى كانت فى تصرف أولاد العرب وضبطهم والتزامهم بالمال والغلال أبا عن جد مدة مديدة ولما حصل منهم الافعال المخالفة المترتب عليه ما تخلخل نظام الاقليم وقلة الأهتمام بالاموال السلطانية والغلال الديوانية وكثرة البواقى التي لا تعد ولا تحصر والتقصير في ضبط المال والغلال والجبايات الظاهرة وحصول الخسارة الزائدة والظلم المترادف لعامة الرعايا وكافة البرايا وكل من رأوا عنده فرسا جيدة أو عبد أنيقا أخذوه منه جبر او قهرا ولا يقدر على منعهم من ذلك كبير ولا صغير والحضرات السلطانية خلدت خلافتها تأبى ذلك وليس لها رضا بأدنى شئ من ذلك وبسبب ذلك منع واورة . وا من الأقليم ومن جملة خبث أفعالهم عدم اهتمامهم بجرف الجسور وتعطيلها وخراب القناطر وابطالها وذلك كله مما يؤدى لخراب البلاد وضررا العباد وضياع أوقاف المسلمين وتعطيل الجوامع الإسلامية والمدارس الدينية فكان منعهم ورفعهم من الاقليم فرضا لازما وعين للولاية المذكورة لاجل عمارتها وتوطين رعاياها وجرف جسورها واتقان قناطرها و حفظ الاموال السلطانية والغلال الديوانية وردع المفسدين وقطاع الطريق والسراق بمقتضى الشرع الشريف والقانون المنيف قدوة الأمراء الكرام وعمدة الكبراء الفخام ذى القدر والاحترام المخصوص بعناية الملك المنان أمير اللواء الشريف السلطاني الامير سليمان أمين ولى حكم الصعيد الاعلى دام عزه على أن يكون متصرفا في جميع ما كان يتصرف فيه أولاد عمر فلازم نفوذ كلامه وامتثال أوامره وبذل الجد والاجتهاد فى تحصيل الاموال السلطانية والغلال الديوانية على المنهج القويم والقانون المستقيم فانه حاكم الاقليم مقبول الكلام لا يخرج عنه من مصالح الاقليم ذرة كل ذلك على العوائد القديمة المعتبرة وعرف البلاد وليس بخاف عنه ما اشتملت عليه الشيم الشريفة الخاقانية من حب العدل والميل اليه وبغض الظلم وعدم الركون اليه وميل الحضرات السلطانية بالمحبة الى كل من اشتهرت أحكامه بالعدل وانتسب اليه فان الحضرات السلطانية خلدت خلافتها الا ترضى بأدنى ظلم يحصل الفرد من أفراد الرعايا فيتعين على قدوة الأمراء الكرام سليمان امين بيك الموصى اليه أن ينشر معدلته في الاقليم حتى يتصل ذلك بمسامع الحضرات السلطانية فيكون ذلك سببا له في كل خير عميم بحيث يلهج بذلك ألسنة الرعايا ومشايخ عرب هوارة وغيرهم لما نالهم من العدل والامان وعدم الجور والظلم وحسن الاطمئنان ونرجو بذلك بياض الوجه عند الحضرات السلطانية والترقى إلى أعلى درجة ينالها أصحاب الألوية الخاقانية فليبذل الجد والاجتهاد و العمل ان شاء الله تعالى بما فيه بلوغ القصد والمراد فليعتمد تحريرا انتهى وقد تكلم المقريزى فى رسالة البيان والاعراب عما بأرض مصر من الاعراب على نسب هوارة ونزولهم بناحية جرجا فة الى بعد كلام طويل والاشبه بالصواب ان  هوارة من ولد هوار بن أوريغ بن برنس بن صری بن وجبك بن مادعس بن برين بديان بن كنعان بن حام بن نوح وهوارة تتناسب بطونها وأصل ديارها من آخر عمل سرت الى طرابلس ثم قدم منهم طوائف الى أرض مصر ونزلوا بلاد البحيرة وملكوها من قبل السلطان وهوارة التي ببلاد الصعيد  أنزلهم الظاهر برقوق وأبوه المنصور منذ وقعة بدر بن سلام هناك فى سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة تخمينا بل فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة وذلك انه أقطع اسماعيل بن مازن من هوارة ناحية جرجا وكانت خرابا فعمروها وأقاموا بها حتى قتله على بن غريب فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهوارى حتى مات فولى بعده ابنه محمد المعروف بأبي السنون وهم أمره وكثرت أمواله فانه أكثر من زراعة النواحى وأقام دواليب السكر واعتصاره حتى مات فولى بعده أخوه عمر بن يوسف انتهى. 

وفى تاريخ الجبرتي انه كان بها فى شهر رجب من سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وقعة بين الفرنساوية ورجل من المغاربة يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة وحاصل ذلك انه  وردت أخبار الفرنسيس الى الديار الحجازية وانهم ملكوا مصر انزعج أهل الحجاز لذلك وصار الشيخ المذكور يعظ الناس ويدعوهم الى الجهاد و يحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ لهم كتابا م وانها في ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم واجتمع معه نحو ستمائة من المجاهدين وركبوا البحر الى القصير و انضم معهم جملة من أهل ينبع وجاؤا إلى تلك الجهة وانضم اليه أيضا جملة من هوارة الصعيد و المغاربة والاتراك والغز وحاربوا الفرنسيس بالناحية المذكورة فلم تثبت الغز كعادتهم بل انهزموا وتبعتهم هوارة الصعيد و من اجتمع معهم من القرى والبلدان وثبت أهل الحجاز ثم انكفو لقلتهم ووقع بين الحجازيين والفرنسيس بعض حروب بعدة مواضع غير هذه الناحية وينفصل الفريقان بدون طائل انتهى'' 

نقلا عن "تراجم علماء وأعيان مديرية جرجا-دجرجا".


النتائج المستخلصة

▪️ التدهور الإداري وتأثيره على العلم: أدى الفساد وسوء الإدارة إلى تراجع دور العلماء وضعف دعم المؤسسات التعليمية والدينية مثل الجوامع والمدارس.



▪️ دور السلطة المركزية: تدخل السلطان برقوق بتعيين قيادات جديدة كان هدفه إعادة بناء النظام الإداري والمالي للإقليم وتحقيق العدالة.



▪️ أهمية قبائل هوارة: لعبت قبائل هوارة دورًا بارزًا في استيطان صعيد مصر وتطويره، حيث أقطعهم السلطان أراضي في جرجا التي عمروها وزرعوها.



▪️ مشاركة القبائل في المقاومة: أظهر النص مشاركة هوارة وأهل الصعيد في مقاومة الاحتلال الفرنسي، بالتعاون مع القبائل الأخرى وأهل الحجاز، ما يعكس وعيهم السياسي والاجتماعي.



▪️ التأثير السلبي للانقسامات: رغم الجهود المبذولة للمقاومة، أدت الانقسامات بين القبائل والجماعات المشاركة إلى عدم تحقيق نتائج حاسمة ضد الفرنسيين.

▪️ دور العلماء في جرجا: كانت جرجا موطنًا للعلماء والمشايخ الذين ساهموا في تعزيز التعليم الديني ونشر العلوم الشرعية، مما أكسبها مكانة دينية وثقافية متميزة.

▪️ التكامل بين العلم والإدارة: يُبرز النص أهمية التعاون بين العلماء والقيادات الإدارية لتحقيق التنمية والاستقرار في الإقليم.


الخاتمة

كانت مديرية جرجا نموذجًا متكاملاً للتفاعل بين العلم والإدارة في صعيد مصر، حيث ساهم العلماء والمشايخ في نشر التعليم الديني وتعزيز القيم المجتمعية. وعلى الرغم من فترات التدهور التي شهدتها المنطقة، إلا أن الإصلاحات التي نفذتها السلطة المركزية أعادت لجراجا مكانتها كمركز حضاري. كما أثبت العلماء دورهم التاريخي في مواجهة الاحتلال والدفاع عن مصالح الأمة، مما يجعلهم ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار والتنمية لأي مجتمع.


الأربعاء، 22 يناير 2025

صفحات من كتاب القبائل العربية في مصر وشمال إفريقيا: الفاطميون والقرامطة والهجرة الهلالية وتأثيرها التاريخي

شهدت مصر وشمال إفريقيا عبر التاريخ تحولات كبرى بفعل هجرة القبائل العربية إليها، حيث ساهمت هذه القبائل في تشكيل النسيج الاجتماعي والثقافي للمنطقة. ومن بين أبرز هذه الأحداث، استقرار القبائل العربية في مصر، وصعود الدولة الفاطمية، وتحركات القرامطة في الخليج والبحرين، وهجرة قبائل بني هلال وسليم إلى شمال إفريقيا. في هذا المقال، نستعرض تاريخ هذه القبائل وأهم الأحداث التي لا ينبغي أن تفوتك.


القبائل العربية في مصر: من الجذور إلى التأثير

لم تكن مصر بمعزل عن الهجرات العربية قبل الإسلام، فقد استوطنتها قبائل مثل جذام ولخم، وساهمت في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد. ومع الفتح الإسلامي لمصر عام 20 هـ (640 م)، تدفقت موجات جديدة من القبائل العربية، أبرزها:


قريش وتميم وجهينة: استقرت في أنحاء مختلفة من البلاد.


بني سليم وبني هلال: لعبوا دورًا محوريًا في صعيد مصر.


قبائل سيناء وشرق الدلتا: مثل بني كنانة وعتيبة، والتي أثرت على الطابع البدوي للمنطقة.

أسهمت هذه القبائل في نشر الإسلام والعربية، وعززت الروابط الثقافية بين مصر والعالم العربي


الفاطميون: الإمبراطورية التي غيرت مصر

ظهرت الدولة الفاطمية في القرن العاشر الميلادي، عندما أعلن عبيد الله المهدي نفسه إمامًا للمسلمين، ليؤسس دولة إسماعيلية شيعية امتدت من شمال إفريقيا إلى مصر وبلاد الشام. في عام 969 م، تمكن الفاطميون بقيادة جوهر الصقلي من السيطرة على مصر، وأسسوا مدينة القاهرة لتكون عاصمة دولتهم.


أبرز إنجازات الفاطميين في مصر:

تأسيس الأزهر الشريف لنشر المذهب الإسماعيلي.

إنشاء دار الحكمة كمركز للعلوم والفلسفة.

ازدهار التجارة والفنون في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله.

لكن الدولة الفاطمية واجهت تحديات كبرى، أبرزها الصراعات الداخلية وهجوم القرامطة، مما أدى إلى ضعفها وسقوطها في النهاية على يد الأيوبيين عام 1171 م.


القرامطة البحريين: حركة ثورية أم تهديد للعالم الإسلامي؟

نشأت الحركة القرمطية في القرن التاسع الميلادي كفرع متشدد من الشيعة الإسماعيلية، واستطاعت إقامة إمارة قوية في البحرين والأحساء. تميزت هذه الحركة بأفكارها الاجتماعية الجريئة، حيث دعت إلى المساواة الاقتصادية وإلغاء الفوارق الاجتماعية.


أبرز أحداث القرامطة:

استيلاؤهم على الحجر الأسود من الكعبة عام 930 م ونقله إلى البحرين.

شنهم هجمات متكررة على الأراضي العباسية والفاطمية.

هزيمتهم في نهاية المطاف أمام الجيوش العباسية.

كانت حركة القرامطة من أكثر الحركات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي، إذ جمعت بين الأيديولوجيا الثورية والممارسات العنيفة التي جعلتها منبوذة لدى غالبية المسلمين.


الهجرة الهلالية: الزحف العربي نحو شمال إفريقيا

في القرن الحادي عشر الميلادي، وقعت واحدة من أكبر الهجرات العربية، حيث أرسل الفاطميون قبائل بني هلال وبني سليم إلى شمال إفريقيا لمعاقبة المعز بن باديس الصنهاجي، الذي تمرد على الحكم الفاطمي.


أسباب الهجرة:

الصراعات الداخلية بين الفاطميين والأمازيغ.

بحث القبائل عن مناطق جديدة للرعي والاستقرار.

دعم الفاطميين للهجرة كوسيلة للضغط السياسي على خصومهم.

نتائج الهجرة الهلالية:

انتشار اللهجات العربية في تونس والجزائر وليبيا.

تغير التركيبة السكانية في شمال إفريقيا، حيث حل العرب محل الأمازيغ في مناطق واسعة.

تدمير البنية الاقتصادية لممالك الأمازيغ، مما أدى إلى اضطرابات استمرت لقرون.


يصف ابن خلدون هذه الهجرة بأنها كارثة اقتصادية واجتماعية، لكنها في المقابل كانت نقطة تحول في تعريب شمال إفريقيا.


أحداث لا تفوتك في هذا السياق:

969 م: الفاطميون يستولون على مصر ويؤسسون القاهرة.

930 م: القرامطة يسرقون الحجر الأسود من مكة.

1051 م: بداية الهجرة الهلالية إلى شمال إفريقيا.

1171 م: سقوط الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي.


شكلت القبائل العربية جزءًا مهمًا من تاريخ مصر وشمال إفريقيا، حيث لعبت دورًا أساسيًا في نشر الإسلام، وتعريب المنطقة، وتغيير الخريطة السياسية. بين ازدهار الفاطميين، وتمرد القرامطة، والهجرة الهلالية، نجد أن هذه الأحداث لم تكن مجرد وقائع تاريخية، بل كانت تحولات كبرى أثرت على الشعوب والثقافات حتى يومنا هذا.

ما رأيك في تأثير هذه القبائل على الواقع الحالي؟ شاركنا وجهة نظرك في التعليقات!